الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

3 أيام في «الجنة المختفية»

3 أيام في «الجنة المختفية»
22 يوليو 2016 20:52
إعداد وتصوير: عماد رياض هل زرتم يوماً لومبوك؟ تتساءلون ما هي لومبوك؟، أين تقع، وفي أي قارة؟. وإذا ذكر اسم جاوة، سومطرة، بالي، أدركتم أن الحديث يدور حول إندونيسيا، بلاد الـ17 ألف جزيرة وجزيرة التي يختلف تعدادها نهاراً عن إحصاءات ليلها، وتغير حركة المد والجزر. حتى وقت قريب، لم أكن أعرف عن لومبوك أكثر مما نشر عنها باقتضاب في الصحف المحلية عند فوزها في أكتوبر الماضي بثلاث جوائز في القمة العالمية للسياحة الحلال التي عقدت في أبوظبي، أبرزها أفضل الوجهات السياحية الحلال، وأفضل وجهات السفر الحلال لقضاء شهر العسل. لكن ما هي حكاية هذه الجزيرة التي لقبت يوماً بـ«الجنة المختفية».. الحقيقة تقال إن من يبحث عن المغامرة والتشويق ورحلات الاستكشاف لا بد أن يقوم بزيارة هذه المنطقة التي أغنى ما يميزها أنها لا تزال تحتفظ إلى الآن بخصوصية لم تخربها بعد مستوطنات الإسمنت باسم المدنية والتقدم. هناك طريقان للوصول إلى الجزيرة، الأول يمر عبر العاصمة جاكرتا، من خلال رحلة جوية داخلية تستغرق نحو ساعتين، والثاني يمر عبر جزيرة بالي السياحية الشهيرة ومنها إما السفر جواً برحلة لا تتجاوز نصف ساعة، وإما بحراً عبر السفن والعبارات برحلات تتراوح بين ساعتين و3 ساعات. جغرافياً، تقع لومبوك في محافظة نوساتنجارا الغربية، وتشكل جزءاً من سلسلة جزر سوندا، ويفصل بينها وبين جزيرة بالي مضيق لومبوك غرباً، وبينها وبين جزيرة سومباوا شرقاً مضيق آلاس. والجزيرة شبه المستديرة بذيل يعرف باسم خليج سيكوتونج إلى الجنوب الغربي، تبلغ مساحتها 4725 كيلومتراً مربعاً وعاصمتها وكبرى مدنها هي ماتارام. وتتشابه لومبوك نسبياً لجهة المساحة والتعداد السكاني مع بالي التي تشاركها بعض التراث الثقافي، لكنها مرتبطة إدارياً مع جزيرة سومباوا التي يوجد فيها ثاني أكبر مناجم الذهب في العالم، ومحاطة بعدد من الجزر الصغيرة المعروفة باسم «جيلي». يبلغ التعداد السكاني للجزيرة نحو 3,5 مليون نسمة وفق إحصاء 2013، ومقسمة إدارياً إلى 4 مناطق إضافة إلى العاصمة ماتارام. والطقس استوائي معتدل بدرجات حرارة تتراوح بين 29 و32 درجة. وتشهد كل عام فصلين، الأول رطب يستمر من أكتوبر إلى أبريل، والثاني جاف يستمر من مايو إلى سبتمبر. ويعتبر أفضل الأوقات لزيارة الجزيرة خلال الموسم الأول حيث تكون الرطوبة منخفضة. تخضع لومبوك لإدارة حاكم إقليم نوساتنجارا الغربية. ومعظم سكان الجزيرة من شعب ساساك المسلم. ولكن قبل دخول الإسلام إلى الجزيرة في القرن الرابع عشر، كان هناك، بعض التراث البوذي والهندوسي من جاوة، ولا يزال هناك بعض الأقلية الهندوسية في لومبوك. وتعتبر ماتارام (تعدادها السكاني 420 ألفاً)، المركز الرئيسي للحكومة حيث المباني الحكومية والتعليمية والتجارية والصناعية والخدمية. وتضم كعاصمة 3 مدن كبيرة هي أمبينون وماتارام وكاكرانيجارا. وتضم المطار والمرفأ إضافة إلى شاطئ سينجيجي الشهير. جزيرة الألف مسجد قبل 20 عاماً، وبسبب طبيعتها الساحرة شرعت السلطات الإندونيسية بالاهتمام أكثر في الترويج لـ«السياحة الحلال» في لومبوك. وبين 2012 و2016، تضاعف إلى مليوني سائح عدد زائري لومبوك المعروفة باسم جزيرة الألف مسجد ومسجد، بداية من مدخلها وأول معالمها إلى الانتشار طولاً وعرضاً في أنحاء الجزيرة التي ينتظر أن تشهد خلال أشهر افتتاح أكبر مركز إسلامي في ماتارام. إلى لومبوك، وبدعوة من السفير الإندونيسي لدى الدولة حسين باقيس، سنحت لـ«الاتحاد» فرصة للتجول واكتشاف هذه الجزيرة التي لا تزال في طور النمو، لكن على أساس الحفاظ أولاً على جمال طبيعتها، وسحر جغرافيتها، وإبقائها خضراء بلون أرضها، بيضاء بلون لؤلؤها، ونقاء قلوب أهلها البسطاء الذين أكثر ما يميزهم حرصهم على لقاء الضيوف بابتسامة دائمة. من ماتارام محطتنا الأولى في الجزيرة، انطلقنا لاكتشاف قطاع وسط لومبوك الذي يمتد من قدم جبل رينجاني شمالاً إلى شاطئ كوتا جنوباً، ويعتبر من المناطق الأكثر نمواً في ظل التطوير الداخلي في الجزيرة بداية من المطار الدولي. وتتمتع هذه المنطقة بالكثير من القرى التقليدية التي تمثل الثقافة القديمة للجزيرة، مثل قرية سادي لقبيلة ساساك وانتهاء بشاطئ كوتا مركز رياضة الأمواج العالية. تراث توقفنا في سوكارارا القرية التراثية التي تعتبر منزل الصناعات اليدوية التقليدية من الحرير والقطن التي يتم توارثها جيلاً بعد جيل. ومنها انتقلنا إلى «سادي» التي تقع على الطريق الرئيسي باتجاه شاطئ كوتا. والمدهش في هذه القرية أنها تراثية جداً من حيث تعدادها الذي لا يتجاوز 700 نسمة معظمهم من الأقارب من قبيلة واحدة منذ أكثر من 100 عام، ومن حيث بناؤها من خشب البامبو والطين وروث البقر المجفف. ومن «سادي» جنوباً، توقفنا في كوتا الممتدة وسط سلسلة شواطئ ساحرة من الرمال البيضاء التي تشبه حبات الفلفل، وتشهد نمواً مطرداً في القطاع السياحي يؤهلها لتكون شبيهة بجارتها بالي. ولا بد من الإشارة هنا إلى شاطئ تونجان الذي يعتبر مميزاً جداً لرياضة الغوص، إضافة إلى الكثير من الشواطئ الساحرة. وليس بعيداً إلى الشمال شلالات بينانج ستوكل، وبينانج كيلامبو، وشاطئ سيجار الذي تقام فيه احتفالات سنوية، و«جيروبوك» المكان المفضل لممارسة هواية ركوب الأمواج، وشاطئ ماوي وشاطئ سيلونج بلاناك. الوقت من ذهب، ولا حاجة للاستراحة، وبعد توقف قصير للغداء في فندق «نوفوتيل» أحد الوجهات المفضلة لـ«السياحة الحلال» في الجزيرة، توجهنا في رحلة بالقارب إلى منطقة ساحرة تعرف بـ«الشاطئ الوردي» في تانجونج الواقعة شرق الجزيرة التي تعد الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان، وتعتبر من أهم المناطق في استخراج اللؤلؤ، وصيد السمك والأعشاب البحرية، ويكمن جمالها بشواطئها ومناظرها. ومن أهم معالمها السياحية منطقة تانجونج رينجيت التي تعانق فيها الهضبة خدود الموج، وشاطئ كاليانتان الذي يعج بالسياح على مدار العام، ومنطقة محميات السلاحف المعروفة باسم «تانجونج بلوم»، وشاطئ بارادايز (الجنة) الذي يتميز بلقطات بانورامية ساحرة من الرمال. وهناك أيضاً جزر صغيرة منها «جيلي كوندو»، و«جيلي سولات» و«جيلي لاوانج» التي تتميز بغابات المانجروف والسباحة مع الدلافين. وليس بعيداً على ارتفاع نحو 700 متر، القرية المعروفة باسم «تيتي باتو» المعروفة بشلالاتها، ولا ينافسها في ذلك إلا قرية «أوتاك كوكوك» التي لا يمل السياح من زيارتها للسباحة في بركها الطبيعية التي يقال «إنها قادرة على الشفاء من بعض الأمراض». شروق ساعات قليلة من النوم بعد يوم طويل مجهد من التجول، انتقلنا برفقة المضيفين من هيئة السياحة في لومبوك إلى القطاع الغربي من الجزيرة الذي يعتبر من أكثر المناطق تطوراً، لاسيما لجهة المرافق السياحية في المحافظة، والتي تجمع بين المناظر الطبيعية الخلابة والثقافات والفنون والمغامرة، حيث توقفنا بداية عند شاطئ سينجيجي، الذي يبعد 13 كيلومتراً عن ماتارام ويتمتع بالكثير من المساحات الرملية للراحة والاستجمام وممارسة الهوايات البحرية وسط الكثير من المطاعم والمقاهي، ثم عند شاطئ ماليمبو أو «جبل ماليمبو» وهو مرتفع قريب من سينجيجي، يتميز برماله البيضاء الممتدة وسحره عند غروب الشمس، وإذا كان الطقس جيداً والرؤية جيدة قد يحالفك الحظ في رؤية جبل أجونج في جزيرة بالي. تتميز هذه المنطقة ببعض الجزر الصغيرة مثل «جيلي نانجو» (جزيرة نانجو) التي يمكن الوصول إليها عبر رحلة بالقارب لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة، إضافة إلى الكثير من المناطق الشاطئية الممتعة بينها خليج ميكاكي وشاطئ «ايلاك- ايلاك». لكن الأكثر تميزاً هو شاطئ نامبونج في قرية تدعي «بينجانتاب» تبدو فيه الرمال أشبه بـ«البهارات». والأجمل في هذه المنطقة وجود ما يشبه بركة طبيعية تتعرض لموجات عالية تصطدم بمرتفعات صخرية لتعود وتسقط كشلالات المياه. وفي المنطقة نفسها، هناك المزيد أيضاً كحديقة نارمادا الساحرة المحاطة بالبرك والبحيرات وحديقة «سورانادي»، وغابة سيسوت التي يتداخلها نهر من مياه جبل رينجاني. وإلى القطاع الشمالي، كانت الرحلة بحراً إلى جزيرة تراوانجان (جيلي) والتي تعتبر أحد أهم الجزر الخضراء بالكامل في أنحاء «لومبوك»، والتي أصبحت جزءاً أساسياً من سياحة جزيرة بالي المجاورة (شمال غرب)، والتي تتميز بمختلف الرياضات البحرية والسباحة والغوص مع أسماك «القرش». أجمل ما في الجزيرة منخفضة الحرارة، التي تتراوح بين23 و28 درجة في يوليو وأغسطس، أنها لا تنام على مدار اليوم، من حيث مطاعمها ومقاهيها التي تفتح أبوابها 24 ساعة، إلى جانب بائعيها المتجولين المتنافسين في عرض منتجات اللؤلؤ وما أكثرها. لكن الباقي في الذاكرة لا يرحل، هو ذلك المشهد من شروق الشمس الذي لا يتكرر في أي مكان آخر وبقربه جبل رينجاني الرائع. السياحة الحلال تعتبر السياحة الحلال مفهوماً جديداً سريع النمو في مجال السياحة والسفر يهدف إلى تقديم الخدمات وفقاً لمتطلبات المسلمين المحافظين، لاسيما المنتجعات والفنادق التي تقدم الأطعمة الحلال، وتمنع جزئياً إن لم يكن كلياً المشروبات الكحولية، إلى جانب توفيرها أحواض سباحة خاصة للنساء، ونوادي صحية ومرافق استجمام، ومناطق شاطئية خاصة للسيدات أو العائلات، وبرامج ترفيهية أخرى، ناهيك عن الفيلات الخاصة التي تضمن الخصوصية التامة إلى أبعد الحدود. وتشكل السياحة الحلال في الوقت الراهن نحو 13% من إجمالي سوق السياحة العالمي، وتعتبر من أسرع القطاعات نمواً بقيمة تبلغ 135 مليار دولار سنوياً، مع توقعات بتضاعف هذا الرقم خلال الأعوام الخمسة المقبلة ليبلغ نحو 233 مليار دولار. مغامرة لم يكن النوم حليفي في اليوم الطويل في تراونجان بانتظار شروق الشمس الذي لا يستحق المشاهدة فحسب، بل الإصرار على العودة إلى المكان في يوم من الأيام لا يبدو بعيداً.. ساعات قليلة من الصباح وغادرنا «جيلي» بالقارب مرة أخرى إلى الضفة الأخرى ومنها براً إلى أقصى الشمال حيث جبل رينجاني، والذي تقع في طريقه الكثير من المناطق المحببة للسياح مثل بحيرة «سيجارا اناك» ومزارع الفراولة في سيمبالون، وشلالات «سيندانج» التي تقول أسطورة المكان «إن مياهها أشبه بإكسير الشباب الذي يعيد البشرة أكثر شباباً». ولدخول قرية سينارو حيث الشلالات يجب تسلق 315 درجة، لكنها تستحق التعب. في المنطقة الجبلية يقبع جبل رينجاني الذي يبلغ ارتفاعه 3726 متراً فوق سطح البحر، ويعتبر من أهم الجبال الطبيعية في أنحاء إندونيسيا. وقد أعلنت المنطقة حديقة وطنية عامة. والمميز في هذا الجبل الشاهق يعود إلى بحيرة «سيجارا اناك» القابعة في بطنه والممتدة إلى مساحة 11 ألف متر مربع، بعمق يبلغ 230 متراً. وقد حاز الجبل عام 2005 على جائزة «سياحة الغد» لأنه فعلياً يشكل أهم المناطق السياحية لعشاق رياضة التسلق. ولا تكتمل الطريق إلى جبل رينجاني من دون التوقف لمشاهدة مسجد بيان أقدم مساجد لومبوك المقام منذ عام 1631. في العودة ليلاً، كان لا بد قبل إنهاء الزيارة الحلم للجزيرة، لقاء حاكم مقاطعة نوساتنجارا الغربية محمد زين المجد الذي بدا متأثراً جداً بكل جديد تقوم به الإمارات في قطاع التنمية والسياحة، وآملاً أن تشكل مركز الاقتصاد العالمي، بل تستحق أن تكون أكثر من ذلك..اللقاء كان بسيطاً من حيث تقبل الرأي والوعد بأن تكمل «لومبوك» مسيرة التطور لتصبح بوابة «السياحة الحلال». ما هي إلا ساعات قليلة، وغادرنا مع الفجر، بلاد «الكومودو» آخر الحيوانات الشبيهة بـ«الديناصور» الذي يبلغ طوله 3 أمتار ووزنه نحو 150 كيلوجراماً، التي لا تزال تعيش في جزيرتين غير مأهولتين هما جزيرة كومودو وجزيرة ريشا.. عدنا على أمل العودة في رحلة أخرى تكمل الحكاية.. وإلى لقاء قريب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©