الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند: إلى الأمام

27 يوليو 2008 22:33
على مدى ثلاثة عقود، سعت الهند وراء اتفاق حول الطاقة النووية يجلب لها السمعة والمكانة المرموقتين إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة؛ غير أنه حين أعلنت الحكومة الائتلافية الحالية هذا الأسبوع عن اعتزامها المضي قدماً في اعتماد الاتفاق، فجر ذلك أزمة سياسية وتصويتاً حول سحب الثقة من الحكومة في البرلمان· والواقع أن المجتمع الدولي وهو يشاهد تطور هذه الأحداث الدرامية قد يُعذر لإصابته بالحيرة، ذلك أن الاتفاق التاريخي بين الهند والولايات المتحدة يصب إلى حد كبير في مصلحة الهند، حيث يسمح لها بشراء التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة مقابل التزام نيودلهي باحترام قوانين وقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وعلاوة على ذلك، فإن الاتفاق سيمنح الاقتصاد المتنامي للهند طاقة هو في أمس الحاجة إليها، وذلك بدون أن يُعرض قدراتها الاستراتيجية للخطر أو يؤثر على سيادتها بخصوص السياسة الخارجية· غير أنه من أجل فهم القلق السياسي والتوجس في الهند حول عقد اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، يتعين فهم حقيقة بسيطة جداً: ذلك أنه خلافاً للصين، القوة الصاعدة المنافسة، تفتقر الهند إلى استراتيجية كبرى أو رؤية واضحة لدورها في العالم؛ فالهند ترى أنها يجب أن تكون قوة عظمى ولكنها تفتقر إلى رؤية واضحة للطريق الذي ينبغي أن تسير فيه؛ هذا في حين أن الصين ترى أنها قوة كبرى وتبذل قدراً كبيراً من الوقت والطاقة لتحديد وتوضيح ''صعودها السلمي'' لنفسها وللعالم· يشكل صعود الصين إلى الساحة العالمية موضوعاً دائماً للبحث والنقاش من قبل الأكاديميين والصحافيين والخبراء السياسيين والزعماء السياسيين والنخبة في الصين؛ ويشدد هذا الخطاب على أنه بالرغم من القوة المتنامية للصين وحاجتها إلى الموارد والأسواق، إلا أنها لا تنوي السعي وراء الهيمنة مثلما فعلت ألمانيا واليابان قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وإنما تنوي الصعود بشكل سلمي؛ وإضافة إلى ذلك، تقوم الفكرة على مفهوم ''تيانجزيا'' -الكل تحت السماء- والذي، بعبارة أبسط، يحث على النظام وينبذ الفوضى؛ ويعد هذا المفهوم بالغ الأهمية في الواقع من أجل فهم إدارة الحكم في الصين على مدى الـ2000 سنة الماضية· وبهذا المعنى، تتصرف الصين اليوم، في ظل وضوح أفكارها حول العالم ودورها فيه، باعتبارها قوة عظيمة واثقة في نفسها تسعى إلى تحقيق أهدافها الدولية بحماس وتصميم كبيرين؛ بالمقابل، فإن آخر مرة كانت تتوفر فيها الهند على فكرة واضحة عن دورها الدولي هي تلك التي كان فيها جواهرلال نهرو رئيس وزراء البلاد؛ والواقع أن نهرو ارتكب عدداً من الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية، ولاسيما سياسة ''إلى الأمام'' الكارثية التي أفضت إلى حرب 1962 وهزيمة نكراء ومرة على يد الصين؛ غير أنه ما من شك أن الرجل كان ذا رؤية شكلت حركة ''عدم الانحياز'' التي شكلت نصراً داخلياً ودولياً للهند التي كانت فقيرة تكافح من أجل أن تتطور من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، ونجحت -على الأقل- في التأثير على العلاقات الدولية وتولت قيادة الدول النامية· غير أنه في مرحلة ما بعد نهرو وما بعد الحرب الباردة، فشلت الهند في تكييف حركة عدم الانحياز أو التخلي عنها، حتى في الوقت الذي لم يعد لوجودها معنى كبير؛ ولم يقم أي زعيم هندي -خلافاً للصين في مرحلة ما بعد ماو- بتقديم أيديولوجيا بديلة للعالم ولدور الهند فيه؛ وبالتالي، فليس مفاجأة أن مثل هذه الانقسامات الأيديولوجية مازات قائمة في الهند اليوم؛ ما هي الطريق التي تفضي إلى الأمام بالنسبة للهند باعتبارها قوة عظمى صاعدة؟ وهل يجعل توقيع اتفاق نووي مع الهند خصمها القديم صديقها الجديد؟ وهـــــل يعني ذلك أن الانتصــــار -ولو شفاهياً- لفكرة حركة عدم الانحياز التي عفا عليها الزمن لم يعد ممكناً؟ وهل القوة العظمى تعني، مثلما يقول بذلك الشيوعيون، الترفع ورفض الاتفاق النووي حتى تُظهر الهند للمجتمع الدولي من هو القوي؟ الواقع أنه حتى في حال المضي قدماً في اعتماد الاتفاق النووي، إلا أنه إذا لم تقم الهند بتحديد وتوضيح رؤية لنفسها ونيل ثقة القوة العظمى، فإن مثل هذه الانقسامات ستستمر في ملاحقة علاقاتها ومفاوضاتها الدولية· مانجاري تشاتيرجي ميلر عضو مركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفرد ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©