الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل.. وأباطرة المال

13 يوليو 2016 22:44
عندما وصل «أليكس كوادروس» إلى البرازيل كمراسل شاب في عام 2010، كان هناك قدر كبير من الأمور التي تدعو للاندهاش، فأكبر دول أميركا اللاتينية معاناة من ضعف الإنجاز قد بدأت أخيراً تنفض الغبار عن كاهلها وتستفيق بعد عقود من الثبات العميق، وتتأهب لاستعادة مكانتها الملائمة ومجدها الذي ظل لفترة طويلة بعيد المنال. وأعلن الرئيس البرازيلي آنذاك « لولا دا سيلفا»، بينما كان يقف على متن سفينة حفر تابعة لشركة «بتروبراس»، احتفاء باكتشاف قدر هائل من النفط تحت سطح البحر: «إن البرازيل ألقت من وراء ظهرها القرن العشرين، وسيكون القرن الحادي والعشرون قرناً برازيلياً وأميركياً لاتينياً». وكان الأمر يحتاج إلى قدر كبير من نفاذ البصيرة وحدة الذكاء لمقاومة ذلك التصريح الجذاب. وكتاب «كوادروس» المعنون بـ «مليونيرات البرازيل» يقدم سرداً شاملاً ومسلياً لحماقات الثروة والسلطة، وبالنسبة للمطلعين على التأرجحات المهووسة في البرازيل بين الثائرين المندفعين والخائفين من القوميين، سيبدو جزءاً كبيراً من ذلك مألوفاً، ويعيد «كوادروس» طرح قصة البرازيل من خلال تقفي أثر أموالها. وتعقب «كوادروس» الثروات في البرازيل من خلال متداوليها، خصوصاً رجل الأعمال فاحش الثراء، الذي كان يمتلك شركة، بينما كان لا يزال يأكل في الأماكن الشعبية. وتتبع المؤلف الصعود الصاروخي لرجل الأعمال «إيك باتيستا» في «ريو دي جانيرو» من عامل مغمور في المناجم إلى ثامن أثرى أثرياء العالم، ثم اقتفى أثر سقوطه المذهل أيضاً إلى وضع «الملياردير السلبي»، عندما فاقت ديونه أملاكه. ويعرض المؤلف من خلال سرده قصة البرازيل على نطاق ضيق، لكن بين طيات دراما «باتيستا»، يكشف عن ازدهار الدولة وبزوغها قبل أن تسقط في براثن فضيحة مدوية. وتمكّن «كوادروس»، من خلال خبرته كمراسل اقتصادي من تجاوز البيانات الصحافية والمعارض البراقة، ليُنقّب في القوائم المالية وتقارير أسواق المال، وفي بعض الأحيان في مستندات المحاكم، لمعرفة ما يدور وراء الأبواب المغلقة لأكثر المكاتب ترفاً في أميركا اللاتينية. وبحث المؤلف فيما وراء عناوين الصحف ليعثر على علة البرازيل، وقاده بحثه إلى عام 1936.. ذلك العام الذي نشر فيه المؤرخ «سيرجيو بوارك دي هولاندا» كتابه «جذور البرازيل»، وهو عمل مؤثر كشف عن مفهوم «المجاملة»، لكن بحسب تعريف «بوارك» ليس لـ «المجاملة» علاقة برقة البرازيل المعهودة، وإنما يشير إلى «ثقافة الولاء والمحسوبية»، التي تغلب فيها العلاقات الشخصية المبادئ والقانون. وفي إطار ذلك المفهوم، كانت «المجاملة» وسيلة لتسهيل وصول كثير من البرازيليين إلى المناصب الرسمية، من خلال الطرق الجانبية والملتوية. وكانت «المجاملة» أساساً جوهرياً لفكرة أخرى من أفكار «بوارك» الرئيسة هي: «الباتريمونالية»، ويقصد بها قاعدة غير مكتوبة، يتعامل بها البرازيليون مع المنصب المنتخب على أنه تصريح مرور سريع للثروة الخاصة والسلطة. وعلى أساس المحاباة والمحسوبية ظهرت في البرازيل ثروات طائلة كثيرة. ودفعت الثورة على هذه العادات ملايين البرازيليين للخروج إلى الشوارع في عام 2013. ومن المفارقة أن «إيك باتيستا» كان قد توقع حدوث تحول في المزاج العام باقتراح طريقة جديدة في القيام بالأعمال، فتحدث عن نظام الجدارة والاستحقاق، وتقليص الروتين، والقضاء على عدم الكفاءة. ودشّن شركاته في الطاقة والفحم والشحن، من خلال عمليات اكتتاب عام في البورصة، وقد كان ذلك شيئاً جديداً في البرازيل. وبحث «كوادروس» خلف ذلك السطح المشرق، ليجد «رجلاً مجاملاً» وبرازيلياً عادياً. وفي طريقه للصعود، لم تكن لدى «إيك» مشكلة في الحصول على قروض مدعومة بأموال دافعي الضرائب من أكبر البنوك الرسمية في البرازيل «بنديز». وجامل أيضاً أصدقاءه في برازيليا، بداية بالرئيس «لولا»، ثم خليفته «ديلما روسيف»، اللذين وجدا في «باتيستا» بطلاً قومياً سيجعل اسم البرازيل تحت الأضواء! *كاتب برازيلي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©