الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذراعُكِ التي تُضيئني

ذراعُكِ التي تُضيئني
13 يوليو 2016 22:50
ترجمة: حسونة المصباحي في بداية يوليو الجاري، فقدت فرنسا واحداً من الذين صنعوا مجدها الشعري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أعني بذلك إيف بونفوا المولود في مدينة تور العام 1923، وهو أيضاً ناقد مرموق، وناقل أعمال شكسبير، وويليام بتلر ييتس، إلى لغة موليير، كما أنه كتب العديد من الدراسات عن الفن الحديث، متمثلاً في كل من بيكاسو وجياكومتي وبالتوس وخوان ميرو وتانغي، وآخرين كثيرين. يقول أيف بونفوا إن توجهاته الشعرية بدأت تتوضح في أول الأربعينيات من القرن الماضي عندما عثر في إحدى المكتبات في باريس على أنطولوجيا ضمت قصائد لأهم السورياليين من أمثال أندريه بروتون وبنجامين بيري. كما تضمنت رسوماً لماكس أرنست وخوان ميرو وجياكومتي، وفي كتابه «البلاد الخلفية» هو يرسم صورة آسرة عن الفترة التي أمضاها في الريف الفرنسي خلال الحرب الكونية الثانية، والتي شعر فيها أنه يعيش في «منفى» مرعب، محاطاً بالعدم، وقد كتب يقول: «أتذكر: عندما كنا نذهب للبحث عن الحليب في الضيعة، والذي كان يلمع في طريق العودة تحت النجوم. كانت هناك لحظات صعبة، في منعرج ما، كنا نغرق في ظلام الأعشاب والجدران الملتصقة بعضها ببعض، ثم على بعد عشرين متراً، كنا نمر أمام البيت الجديد المضاء. من نافذة هذا البيت، رأيت ذات مرة الشبح القاتم لرجل، وقد برز بوضوح على الجدار العاري، وكان منحنياً وظهره أمامي، ويبدو أنه كان يتكلم، وذلك الرجل كان بالنسبة لي الأجنبي». هنا ترجمة لقصائد إيف بونفوا: 1 الوردة المنسية يتساقط الثلج، إنها العودة إلى المدينة حيث، وما أكتشفه وأنا أتقدّم مصادفة في الشوارع التي كانت كلّها فارغة، هو أنه كان بإمكاني أن أعيش سعيداً في طفولة أخرى. تحت الندف، أرى واجهات لها جمال أكثر من كلّ شيء في العالم. وحدهما بيننا: ألبرتي ثم سان غالو في سان بياجو، في القاعة الأشدّ إبهاراً التي شيّدتها الرغبة، اقتربا من هذا الإتقان، ومن هذا الغياب. وأنظر إذن، بكل لهفة إلى كلّ هذه الكتل التي يسرقها الثلج مني. أبحث خصوصاً في البياض التائه، عن تلك الزخرفات التي أراها تصعد إلى أعلى مستوى للمَجْلى هي تمزّق الضباب، فكما لو أن بيد متحررة من جاذبية الأرض المعماريّ الذي من هنا بعث الحياة بخط زهريّ واحد في الشكل الذي يرغب فيه من قرن إلى قرن ألم الولادة من المادة. 2 وفي الأعلى، لست أدري إن كانت الحياة لا تزال، أو أن الفرح وحيداً، يبرز على سماء لم تعدْ من عالمنا أيها المشيدون لا بقدر ما في مكان أو أمل متجدد، ماذا في سرّ هذه الجدران التي تتنحّى أمامي؟ ما أنا أراه على طول هذه الجدران، هي كوى فارغة، مليئة ومنفكَّة، منها يتبخّر بفضل الأعداد ثقل الولادة في المنفى. لكن الثلج انسلّ إليها، وتكدس فيها. أقترب من واحدة منها، الأكثر انخفاضاً، أسْقط قليلاً من نورها، وفجأة مَرَجُ طفولتي في سنّ العاشرة النحل يطنّ، وما في يدي، تلك الأزهار، وتلك الظلال، هل هو ما يمكن أن يكون عسلاً، أو أنه الثلج؟ 3 أتقدم إذن، حتى أسفل عقد الباب النّدف تدوّم، مزيلة الحد بين الخارج وهذه القاعة حيث أضيئت لمبات: لكنه هي نفسها نوع من الثلج، يتردد بين الأعلى، والأسفل، وفي هذا الليل. فكما لو أنني على عتبة ثانية. بعيداً.. نفس طنين النحل هذا في ضجيج الثلج. ما يقوله النحل من دون أعداد الصيف، يبدو وكأن عدد اللمبات اللامتناهي يعكسه. وكنت أريد أن أركض، مثلما في زمن النحل، باحثاً بقدمي عن الكرة اللينة، ذلك أنني ربما أنام، وأحلم، وأتمشى في دروب الطفولة. 4 لكن ما أنا أرى، هو الثلج وقد تصلّب، والذي أنساب على البلاط وتكوم عند أسفل الأعمدة على اليسار، على اليمين، بعيداً في الظل الخفيف. بوجه غير معقول ليس لي عينان إلاّ للقوس الذي رسمه هذا الطين على الحجرة. أشد فكري إلى ما ليس له اسم، ولا معنى. أيها الأصدقاء ألبرتي، برينولاشي، سان غالو، بالاديو، أنا أشير من الضفة الأخرى، لن أخونكم، مع ذلك أتقدَّم الشكل الأكثر صفاءً يظلّ ذاك الذي اخترقه الضباب الذي ينقشع، والثلج المداس هو الوردة الوحيدة. مسرح 1 كنت أراك تركضين فوق السقوف، وكنت أراك تصارعين الريح، وكان البرد ينزف على شفتيك. ورأيتك تتحطَّمين وتتعظين بأن تكوني قد متُّ آه أيتها الأجمل من الصاعقة، حين تلطِّخ زجاج النوافذ الأبيض بدمك. 2 الأمر يتعلق بريح أعنف من ذاكرتنا، دهشة الفساتين، وصراخ الصخور وأنت كنت تمرين أمام هذا اللهب الرأس مربَّع واليدان مفلوقتان وكل شيء من أجل البحث عن الموت في الطبول المتهللة لحركاتك. كان يوم فرحك وكنت تبسطين نفوذك أخيراً غائبة عن ذاكرتي. 3 أستيقظ، تمطر. الريح تنفذ إليك يا «دوف»، براحاً راتنجيّاً نائماً بجانبي. أنا فوق سقف، في حفرة موت. كلاب كبيرة لأغصان مورقة ترتجف. الذراع التي ترفعينها، فجأة على باب تضيئني من خلال الأزمنة. قرية من الجمر في كل لحظة أراك تولدين يا «دوف» في كل لحظة تموتين. 4 الموسيقى الخرقاء تبدأ في اليدين وفي الركبتين ثم يفرقع الرأس الموسيقى تؤكد نفسها تحت الشفتين ويقينيّتها تنفذ إلى المنحدر الداخلي للوجه. الآن تنخلع النجارة الوجهية. الآن نشرع في اجتثاث البصر. 5 أرى «دوف» ممددة. في أعلى الفضاء الشهوانيّ أسمعها تحدث صخباً. الأمراء السود يعجلون فكوكهم السفلى من خلال ذلك الفضاء حيث يدا «دوف» تكبر، عظام منتزعة من لحمها تتحول إلى نسيج رماديّ يضيئه العنكبوت الهائل الحجم. طائر الخرائب طائر الخرائب يتفلّت من الموت، يبني عشّه في الصخرة الرمادية للشمس، هو اجتاز كل ألم، كلّ ذاكرة، وهو لا يعرف ما هو الغد في الأبدية. 1 نفس الصوت، دائماً أنا مثل الخبز الذي تقسّمينه بيدك، مثل الماء الصافي الذي يرافقك فوق أرض الأموات. مثل الزّبد الذي أنضج لك النور والميناء. مثل طائر المساء الذي يمحو الضفاف، مثل ريح المساء الذي يصبح فجأة أشد عنفاً وضراوة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©