الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الصحافة البديلة

29 ابريل 2018 21:02
في عالمنا العربي يفتقد كثيرون تلك الصحف أو المجلات التي تبدو كمنارات، تهدي القراء بالتحليل الموضوعي والبيانات الدقيقة، للحقيقة في عالم مضطرب تعصف به أمواج «الحقائق البديلة»، التي هي بعينها الأخبار المفبركة والمعلومات المضللة. وللأسف، مجلة مثل «الإيكونوميست» البريطانية، قد لا يوجد لها مثيل بلغة الضاد، مع أن أشد ما يحتاجه القارئ العربي، الذي يكاد يختلط عليه كل شيء الآن، نموذجاً من هذا النوع. مطبوعة رصينة تتبنى أفكاراً منفتحة على العالم، تقدم لقرائها، بدقة وحياد وموضوعية وحرفية عالية، كل ما يحتاجونه من معلومات وبيانات ووجهات نظر بشأن القضايا الجارية، في السياسية والاقتصاد. تطلعهم على أحدث ما في العالم من أفكار وابتكارات وتوجهات. تستهدف القارئ العادي والمتخصص، وصانع القرار بلغة محايدة مباشرة دالة متقشفة، من دون لف أو دوران، أو محسنات بديعية، أو كلام يفيض عن المعنى. تفتح الباب أمام الجميع، من يتفقون معها ومن يختلفون، ليطرحوا وجهات نظرهم في مناخ صحي يزيد الأفق اتساعاً والعقول استنارة. تكاد تقف في المنتصف، ليست في أقصى اليمين السياسي أو اليسار. إنها النموذج الذي ينسف نظرية «الجمهور يبغي هذا» من أساسها، حيث الرصانة والجدية والعمق تتفوق على السطحية والركاكة والاستخفاف بالقارئ وعقله ووقته. بدليل 1.45 مليون نسخة يتم توزيعها في العالم و11.4 مليون زائر يطالعون موقعها شهرياً، «مع أنها مطبوعة اقتصادية بالأساس»، حسبما قد يقول البعض تعجباً من نجاحها الكاسح. وهذا التعجب بالتحديد يطرح إشكالية الصحافة الاقتصادية، التي على الرغم من محاولاتها الدؤوبة لإثبات نفسها في العالم العربي، إلا أنها مازالت تواجه تحديات كثيرة. وبعضها يتعلق بغياب البوصلة، حيث تبدو كما لو أنها لا تدري لمن تتوجه بالتحديد؟! رجال الأعمال أم القراء، (كجمهور عادي متنوع الاهتمامات) أم للقراء باعتبارهم مستهلكين، أم للمتخصصين من رجال البنوك والبورصة والتجار.! ثم أن بعضها يقع أحياناً أسيراً لما تقوله الشركات وقطاعات الأعمال، والبعض منها يعاني متلازمة خطيرة تصيب عادة الصفحات النوعية بالصحف العامة (الثقافية والرياضية والاقتصادية)، حيث تغرق في التخصص بما لا يتناسب مع القارئ العادي الذي قد لا يعرف «الميتافيزيقا اللارؤيوية»، ولا «الريمونتادا»، ولا «سعر الريبو»، أو أنها تقدم مادتها بطريقة معقدة غير جذابة، فلا تصل رسالتها لمن يهمه الأمر، ولا يستفيد منها غير المتخصص. لكن لا ينبغي أبداً لتلك التحديات أن تعوق الصحافة الاقتصادية عن السعي لتطوير إمكانياتها، لأنه قد يكون أمامها فرصة تاريخية لإنقاذ الصحافة التقليدية (المطبوعة والعامة) من أزمة تراجع التوزيع. فربما كان منح مساحات أكبر للصفحات الاقتصادية في الصحف أو الاستثمار أكثر في صحف اقتصادية جديدة، ربما ينجح في استعادة القارئ مرة أخرى، عبر تقديم صحافة مختلفة تلبي احتياجاته الحياتية المباشرة. لكن الأمر يستلزم استخدام لغة مبسطة، وطرق أكثر جاذبية في عرض المواد، وأفكار أكثر جرأة، تهتم أكثر بالاقتصاد الجزئي وليس فقط الاقتصاد الكلي، وهو ما يناسب بالتأكيد شرائح كبيرة خاصة من الطبقة الوسطى المتعلمة في العالم العربي التي تبحث عن مصدر موضوعي رصين موثوق به.. للأخبار والأفكار.. والحقيقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©