الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاهد عيان على «العين»

شاهد عيان على «العين»
13 يوليو 2016 22:49
كانت صحة الأهالي في العين سابقاً مستمدة من حركتهم وعدم اعتمادهم على غيرهم في تخليص أمورهم اليومية، فكان كل فرد من العائلة يقوم بدوره في الكفاح والعمل والجد والإخلاص، كما يروي مصبح بن عبيد الظاهري، مشيراً إلى أن مدينة العين بشكل خاص والمنطقة بشكل عام لم تكن تعرف تلك الأمراض الشائعة اليوم، التي صارت بسبب ظروف الحياة العصرية وقلة الحركة، وكان السكان قديماً يلجأون للتداوي بالأعشاب وبالطب النبوي والوصفات المتوارثة من أسلافهم، كما كانت هناك بعض الإرساليات التي قصدت البلاد واستقرت فيها فيما بعد. وقال مصبح الظاهري، إن أهل مدينة العين كانوا يتداوون في السابق بالأعشاب التي تخرج من الأرض، وبعضها يتم استيراده من دبي قادماً من الهند، وكان العطار يمثل العيادة الأولية في ذاك الزمان، إضافة إلى «المطوع»، الذي يقوم بالرقية الشرعية للمريض. وأشار إلى وجود ارتباط مباشر بين حضارة المنطقة وتاريخها، بالحضارة العربية والإسلامية، وكذلك ارتباطها الوثيق بالحضارات غير العربية القديمة، سواء التي كانت على اتصال مباشر بالمنطقة من خلال رحلات الأسفار، أو من خلال العلاقات التجارية التاريخية. كما أشار إلى تأثير غير مباشر لزمن الاستعمار الأوروبي والوجود البرتغالي والإنجليزي في المنطقة على الثقافة المحلية لسكان المنطقة، ومنها طرق العلاج والتداوي من الأمراض المختلفة. وابتسم الظاهري قائلاً: «على الرغم من أن زماننا كان يحمل المشقة والتعب وصعوبة الحياة والفقر الشديد، إلا أن المحبة والمودة كانتا من المميزات القوية لدى الأهالي، كما لم تكن هذه الأمراض التي نسمع عنها في هذا الزمان موجودة بيننا على الرغم من الإمكانيات الشحيحة. وكان الطب وفنون العلاج في مدينة العين من الممارسات الإنسانية التي اختلطت فيها الكثير من التجارب والخبرات عبر الأزمنة المختلفة، وتوارثتها الأجيال، وظهرت في فترات معينة طرق علاجية كانت نتاج عدد من الثقافات المتداخلة على المنطقة، حتى أصبح الطب عبارة عن خلاصة تجارب إنسانية متعددة. كما كان العلاج في تلك المرحلة يعتمد على الكي والحجامة والختان والتجبير والدفن والترفيع (القمز)، والأدوية المركبة من النباتات والأعشاب، إضافة إلى ممارسات علاجية شعبية متوارثة ومصاحبة لمرحلة العلاج والتداوي». واعتبر الظاهري أن الإرساليات تعد المرحلة الثانية لتطور الطب في العين، إذ بدأت الدول الاستعمارية تمارس أساليب تبشيرية تقوم على إنشاء العديد من العيادات والمستشفيات في واحات العين المختلفة، قبل ظهور دولة الاتحاد، مستغلة الظروف التي تمر بها المنطقة تحت وطأة الجهل والفقر وتفشي الأمراض. وكانت هناك زيارات عدة لعدد من الأطباء يرافقون البعثات العسكرية للمنطقة. وأضاف: «إن الناس كانت تتهافت عليهم، خاصة بعد سماع شفاء أحد الأشخاص على أيديهم، إلا أن الأهالي في الوقت نفسه كانوا متمسكين بعقيدتهم الإسلامية السمحاء بشدة، الأمر الذي أفشل أهداف الإرساليات التبشيرية التي اتخذت من العلاج وسيلة لتحقيق أهدافها، كما أن الناس كانوا يتنقلون إلى دول مجاورة للعلاج، مثل قطر والبحرين، في حال سماعهم بوجود طبيب هناك، حيث كان المريض يقطع آلاف الكيلو مترات للحصول على علاج. وبعد حكم المغفور له الشيخ زايد وضع الإنسان في مقدمة الأولويات، ومنها بدأ الاهتمام بهذا الجانب، ولم يكن يتأخر إذا طلب منه أحد أفراد شعبه السفر للعلاج، حيث كان يسخر كل الإمكانيات، وأحياناً يرسل رجاله مع المرضى، لكي يحظوا برعاية جيدة، ومن هذا الجانب، سمع وقتها بقدوم دكتورة متنقلة تعالج الناس في بيوتهم وبمعدات بدائية جداً، ورأى بعينه تهافت الناس عليها، حيث وجه لها دعوة للاستقرار في مدينة العين، ومنحها أرضاً لبناء أول مستشفى في الإمارات ككل، حيث تأسس هذا المستشفى في مدينة العين في نوفمبر عام 1960م، وهو أول مستشفى في إمارة أبوظبي، وقد عرف باسم (مستشفى كندي) نسبة إلى الدكتور (بيرول وميريان كندي). ومثلت تلك الخطوة تغييراً كبيراً في ذلك الزمان في مدينة العين، وكانت بدايات للخدمات الطبية التي وفدت على المنطقة على يد الإرساليات التبشيرية، وهي التي عرفت أبناء الإمارات على الطب بصورته الحديثة، ولكن تلك الإرساليات الأولى توقفت، وبدأ حضور الإرساليات البريطانية منذ عام 1934م، وكان مجيئها تحت أسباب علاج وباء الجدري الذي تفشى في في ذلك الوقت، وكذلك علاج بعض الشخصيات المهمة. وقد دارت خلال هذه الفترة من الثلاثينات والأربعينات مراسلات عدة بين حكام أبوظبي والمعتمد البريطاني وحكومة ملكة بريطانيا لإقناعهم بسرعة توفير تلك الخدمات الطبية، ونشر بعض من تلك الأخبار في صحيفة (النخي)». التعليم قديماً لم يكن التعليم أفضل حالاً عن بقية القطاعات في البلاد، كان الأهالي يعتمدون على أنفسهم في تعليم أبنائهم، وبإرسال أولادهم ذكوراً وإناثاً للمطوع حتى يستطيع تحفيظهم (القرآن الكريم)، وتعليمهم بعض القواعد الحسابية في حال اتجاههم للعمل في التجارة. ويرى مصبح الظاهري أن التعليم كان يعتمد على أفراد معينين، بعضهم يقوم بنقل ما تعلم وتوريثه لأبنائه للقيام بالدور الذي كان يقوم به إذا أصابه عجز عن ذلك، وكان التعليم يعتمد على المقايضة ببعض السلع كالتمور والفحم وغيرها، أما المال الذي يحصل عليه المطوع من الميسورين، فيستخدمه في تطوير أدواته لتعليم أبناء الحي الذي يقطنه. وأضاف مصبح الظاهري أن التعليم في مدينة العين كان بسيطاً، ويرجع الفضل للكتاتيب في نشر العلم في العين قديماً، وعلى الرغم من بدائية التعليم فيها إلا أنها انتشرت بشكل واضح في مختلف مناطق العين القديمة، وكان يلتحق بها الصبية والبنات، فعندما يصل عمر الطفل إلى السادسة أو السابعة أو أصغر قليلاً، قد ترغب عائلته بإلحاقه بأحد الكتاتيب ليتعلم قراءة القرآن، ونظراً لانشغال الآباء بالأسفار في البر سعياً وراء الرزق، كانت المرأة هي التي تتولى مهمة تسجيل الابن للدراسة على يد أحد المطاوعة في الفريج، حيث تخبره برغبة الأسرة في تعليم ابنها عنده، وتقول للمطوع: «هذا ولدنا يايبينه الكم (سلموا عينه وعظامه واللحم الكم)، وهذا يعني بأن يتولى المطوع، تربية الولد وتهذيبه أو تأديبه ومن ثم تعليمه»، وإذا أخل الولد بواجباته أو تأخر في الدراسة أو بدرت منه خطيئة، فإن هذا يعرضه للضرب والتوبيخ على يد المطوع. وكان الأهالي في السابق يؤيدون طريقة المطوع في تأديب الولد وعدم تركه لأهوائه ونزواته، ويولي المطوع الولد الذي حضر لتوه للتعليم اهتماماً خاصاً وعناية فائقة حتى يلحق ببقية زملائه في الدرس، كما يسترعي الولد الجديد انتباه الدراسين، فيعملون على مساعدته وتدريبه على حفظ الآيات. وعند حضور الأولاد إلى المطوع يحمل كل واحد منهم «غرشة» بها ماء للشرب تحتوي على علامات حمراء أو صفراء أو زرقاء، وذلك لتمييزها عن بعضها بعضاً، ويدفن كل واحد (غرشته) في الطين حتى يظل الماء بارداً وبعيداً عن حرارة الشمس، وتوضع أمام كل ولد أداة تسمى (المرفع)، عبارة عن خشبتين تستخدمان في حمل المصحف أو (الجزور) أي الجزء الذي يحتوي على سورتين أو سورة من القران الكريم. والمرفع نوعان: النوع الأول من خشب الساي وهذا النوع يستعمله أولاد كبار القوم وأبناء التجار، والنوع الثاني عبارة عن (بيب من الصفيح الذي يجلب فيه الغاز)، وهذا النوع من المرافع كان يستعمله أبناء الأسر المتوسطة والفقيرة. ويضيف الظاهري: «الكتاتيب عبارة عن عريش، يتم تدريس الصبية والبنات فيه، وهم جالسون على الأرض، ومعهم أدواتهم، وهي عبارة عن صندوق الخشب، لكي يتم حفظ أدواته فيها، ومنها (اللوح) الذي يجهزه كل ولي أمر لابنه، وهي قطعة من الخشب مدهون بنوع من الطين اللزج، لكي يكتب عليه حروف الهجاء، وإذا حفظ الولد الدرس يتم غسل اللوح من قبل الصبي لكي يتم كتابة الدرس التالي عليه». والمدرسة آنذاك عبارة عن منزل صغير قديم يملكه المطوع أو يستأجره بأبخس الأثمان، ويجهزه بأنواع بدائية من الأثاث واللوازم مثل الحصر للجلوس عليها والحِب لمياه الشرب، وبعض الألواح الخشبية السوداء للكتابة عليها، وكان الناس يأتون بأولادهم إلى تلك المدارس فيتساومون مع المطوع عن نوعية الأجور، فمنهم من يدفع راتباً شهرياً عن ابنه يسمى (مشاهرة)، ومنهم من يتفق معه على أجر مقطوع يسمى (قطوعه) يدفع له بعد ختم القرآن، وغير هذا، فإنه من حق المطوع أن يجمع من طلابه المبالغ والهدايا والصدقات، طبقاً لمناسباتها مثل (الخميسية) وهو مبلغ يدفع كل خميس، و(العيدية) مبلغ يقدم في الأعياد، والنافلة: صدقة للمناسبات الدينية، والفطرة: صدقة رمضان، والختمة: الهدايا التي تقدم بعد ختم الطالب للقرآن، وغير ذلك كأجور المياه والإعانات الطارئة. وفي يوم الأربعاء من كل أسبوع، ينادي المطوع على تلاميذه ويذكرهم بإحضار (الخميسية)، وهي الأجرة الأسبوعية، وفي يوم الخميس يجري المطوع اختباراً للتلاميذ يستمع فيه إلى ما حفظوه من الدروس السابقة، فإذا اجتاز التلميذ هذا الاختبار يقولون (افلان غيب)، وهي كلمة تطلق على الابن أو الولد الذي نجح في حفظ القرآن الكريم أو جزء أو جزأين منه، على سبيل المثال عندما يجتاز التلميذ حفظ الآيات من الحمد إلى الفجر، أو جزء عم، يقولون (افلان غيب)، وهذا يعني على هذا الولد (هدة)، وهي سماح المطوع للصبيان بالخروج على أن يدفع هذا الولد أجرة المطوع، وهي روبية أو روبيتان. وعند العصر يسمح المطوع للتلاميذ بالذهاب إلى منازلهم قبل موعد الدوام العادي الذي عادة ما يكون قبل المغرب. ويحدد المطوع مواعيد الدراسة عن طريق (ظل الشمس)، فإذا وصلت الظلال عند الخط المرسوم في الأرض أو عند حدود المنزل، يعرف المطوع بأن وقت الانصراف قد حان، فيطرق بعصا على أداة من الصفيح معلناً انتهاء الدرس. كما استعمل (المنحاز)، وهو أداة تستعمل لدق البهارات، في الإعلان عن بداية ونهاية الدراسة في الكتاتيب، وعند سماع الأولاد لقرعات المطوع معلناً نهاية فترة الدراسة، يندفعون خارج منزل المطوع مسرعين وحاملين معهم أدواتهم ومصاحفهم، وفي أثناء ذلك يرددون بعض الأناشيد أو الكلمات. علاجات زمان وصف الظاهري بعض العلاجات التي كانت يمارسها أهل المنطقة في ذلك الوقت قائلاً: - الحجــامة: استخراج الدم الفاسد من الجسم، ومارس هذه المهنة الحلاقون باعتبار أن الحجامة مهنة موسمية. - الكحـال: هو بائع الكحل، وكان يبيع مستلزمات الجمال كالحناء والعود والبخور والعطور، كما أنه كان يعالج العيون الرمداء من الأمراض، ويصف لها الدواء المناسب. - المسـاح: وهو الشخص الذي يعالج بوساطة المسح أو التدليك باليد على موضع الألم، وفي مجتمع الإمارات التقليدي كان يوجد رجال ونساء تتوافر لديهم مهارات معينة في المسح. - المرفـع: الترفيع وهي (القمز) أو (الدغر) طريقة شعبية لعلاج اللوزتين، وهناك (المرفعات) من النساء، لأن الترفيع عادة ما تمارسه المرأة التي يطلق عليها (المرفعة). - الدايـة: هي (القابلة) أو المرأة التي تُعالج النساء، وتشرف على ولادتهن وتطبب المولود وتقوم على رعايتـه صحياً. - العطار: الذي يبيع الأعشاب والمركبات الطبية، وكان أبناء العين قديمـاً ينظرون إليه نظرة تقدير واحترام لجهوده في تحضير وبيع الأدوية، وكانت تمارس مهنة العطار في مدينة العين بوساطة بعض الأشخاص الذين تتوافر فيهم الدراية والخبرة والمعرفة في هذا المجال، ومن أشهر العطارين في مدينة العين (محمد بن عبدالله بن علي- علي بن عبدالله المقبالي).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©