الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إحدى الشقق في القصر

إحدى الشقق في القصر
23 يناير 2009 23:18
يستحق هذا القصر المطل على مضيق البسفور أن يكون عنوانا لمسيرة آخر إمبراطوريات الشرق الإسلامي وأطولها عمرا، بمساحته الشاسعة وترف حدائقه ووحداته المعمارية التي جاءت مزيجا هندسيا وزخرفيا لطرز إسلامية وأوروبية شتى، تماما مثلما كانت الدولة العثمانية مقر قوميات وشعوب من قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا· إنه قصر طوبقابي، المقر الرسمي لسلاطين آل عثمان لقرابة أربعة قرون وعرف لدى رعايا الدولة العثمانية بالباب العالي، والتسمية التركية لهذا القصر تعني حرفيا ''سراى باب المدفع''· شيد هذا القصر الذي خلب الباب زواره على يد السلطان محمد الفاتح بعد اثنتي عشرة سنة من فتح القسطنطينية وبدأت أعمال البناء في عام (870 هـ - 1465م) وانتهت في عام (883 هـ - 1478م) وسمي القصر الذي شغلت مبانيه مساحة قدرها سبعمائة ألف متر مربع آنذاك باسم ''السراي الجديد'' تمييزا له عن السراي القديم الذي شيده أيضا محمد الفاتح بوسط اسطنبول حيث تقوم اليوم مباني جامعة اسطنبول، واضاف خلفاء الدولة العثمانية العمائر والمباني الى هذا القصر حتى صار يشتمل على قصور واستراحات ومساجد وقاعات اجتماعات ودواوين حكومية ومكتبات ومعسكرات وملحقات مختلفة وتتوزع هذه المباني داخل اسوار ضخمة من ناحية البر بطول 1400 متر وتتصل بالسور البيزنطي القديم المطل على بحر مرمرة والممتد حتى القرن الذهبي· وقد دعمت الاسوار بثمانية وعشرين برجا حجريا لأغراض الحراسة والدفاع· ورغم أن لهذا القصر سبعة مداخل عظيمة فإن الوحيد المفتوح منها هو الذي يقع امام كنيسة ''ايا صوفيا'' التي تحولت الى مسجد بعد فتح القسطنطينية ولم يكن مسموحا بفتح بقية الابواب الا في مناسبات محددة وبأمر مباشر من السلطان العثماني· وقد وزعت مباني طوبقابي سراي حول اربعة افنية كبيرة يقع الواحد منها وراء الآخر من جهة البر إلى شاطئ البحر واخذ الموقع شكله الحالي بعد اضافة عدد من المنشآت كالمطابخ واجنحة الحريم والاسبلة والنافورات والحدائق على مدى القرون التي كان فيها مقرا رسميا لخلفاء بني عثمان· وحسب الروايات التاريخية فقد كانت كتيبة من البوابين ''قابوجية'' تقوم بحراسة البوابة الرئيسية في نوبات تتبدل اثناء ساعات النهار وفق نسق معين وكتيبة اخرى للحراسة الليلية ويرأس الجميع رئيس للبوابين ''قابوجي باشي''· ومثلما كانت داخل السراى قصور فخمة للسكن في فصول السنة المختلفة كانت هناك ايضا قاعة الديوان حيث يجلس السلطان للنظر في شؤون الحكم واستقبال الصدر الأعظم أي كبير الوزراء ورجال الدولة والسفراء· وبالسراي بنايتان عظيمتان إحداهما للخزينة الهمايونية حيث كانت تحفظ أموال الدولة والأخرى لملابس السلطان ولكل مبنى باب حديدي مغلق ويوضع ختم السلطان على باب الخزينة وكان الزوار الذين يدخلون القصر من البوابة الرئيسية يظلون على صهوات جيادهم حتى البوابة التالية ويمرون عندئذ على فناء فسيح على الجانب الايسر منه مظلة كبيرة للوقاية من المطر وعلى الجانب الايمن مستشفى لعلاج من هم داخل السراي· وعند نهاية هذا الفناء يكون على الزوار الترجل والتخلي عن جيادهم لدخول البوابة الثانية التي تفتح على فناء به شتى انواع الزهور والاشجار وتتوزع داخله نافورات المياه وسط مروج خضراء ترعى فيها الغزلان وعلى جانبي الفناء الأنيق رواقان كان جنود التشريفة بملابسهم المزركشة يقفون بهما لتحية القاصدين زيارة السلطان· وعلى الجانب الأيسر للفناء الإسطبل السلطاني وكانت به خيول يتراوح عددها بين 30 و35 من أحسن الجياد لركوب السلطان وبالقرب منه عدة قصور صغيرة لإقامة موظفي الدواوين وفي الجزء الاخير من الفناء قاعة الديوان حيث تعقد جلسات الادارة العثمانية العليا ويلاصقها مبنى الخزينة الخارجية وكان بابها يختم بختم الصدر الاعظم بعد انتهاء جلسات الديوان· وينتهي هذا الفناء الثاني من جهة الشمال حيث توجد بوابة تؤدي إلى قصور الحريم وعرفت هذه البوابة في عصور الخلافة العثمانية باسم بوابة السلطانة وكانت تحرسها كتيبة من الطواشية السود وبعدها بوابة أخرى تؤدي إلى القاعات الخاصة بالسلطان وحاشيته المقربة وخدمه، ولم يكن يسمح لأي شخص بالدخول الى هذا الجزء من السراي إلا بإذن خاص من السلطان فيما عدا الخدم الذين يدخلون هناك بإذن من أغا الباب أي رئيس الحرس الخاص المؤلف من كتيبة من الطواشية البيض· وبعد المرور من البوابة الثالثة توجد قاعة الديوان العام وهي عبارة عن قاعة كبيرة مربعة خلفها غرفة أخرى للخدمة، ومجموعة من حجرات تستعمل في استقبال ذوي الحاجات وكان السلطان العثماني ينظر في المظالم ببعض هذه الغرف· الأبواب الثلاثة وقد اطلقت على الابواب الثلاثة الرئيسية اسماء مختلفة فأولها هو الباب السلطاني والاوسط منها عرف منذ تشييده في عهد سليمان القانوني باسم باب السلام اما الاخير فيعرف باسم باب السعادة، وخلف كل باب فناء مكشوف تتوزع حوله الوحدات المعمارية لطوبقابي سراي، ومن أهم الوحدات المطلة على الفناء الثاني ''مطابخ سنان'' وهو يعتبر من أجمل الاعمال المعمارية في القصر فهو يتألف من قسم رئيسي واسع مغطى بعشرين قبة وله مداخن عالية وكان يعمل في هذا المطبخ السلطاني ما يزيد على الف شخص يقومون باعداد الطعام لنحو خمسة الاف من المقيمين بالسراي· وقبل الوصول الى باب السعادة من الناحية الشمالية الغربية يجد زائر طوبقابي سراي قاعة الديوان الكبير او قاعة المجلس المعروفة في التركية باسم ''قبة آلتي'' أي القبة الذهبية· ووراء باب السعادة يوجد مقر سكن الخليفة ويحتوي هذا الجزء من القصر على عدة قصور أقدمها مبنى الخزانة الذي كان في الاصل قصرا للسلطان محمد الفاتح وشيد في عام 873 هـ ''1468م'' وهو مبنى بسيط لكنه متناسق اذ يتألف من اربع قاعات مربعة ذات قباب يتقدمها رواق خارجي ومن نفس الفترة تقريبا نجد مسجد الأغوات ومن الوحدات المهمة ايضا ما يعرف بقاعة الأمانات المقدسة وهي من اعمال السلطان سليم الاول وشيدت لتكون معرضا لحاجيات الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' والتي نقلها سليم من منطقة اثر النبي بالقاهرة بعد استيلائه على مصر سنة 923 هـ ''1517م''، والقاعة بحد ذاتها واحدة من تحف العمارة والزخرفة· وإلى جوار قاعة الأمانات المقدسة توجد قاعة الاستقبال المعروفة باسم ''عرض أوضاسي'' وهي من أعمال داود اغا ''994 هـ - 1585م'' ثم قصر بغداد ''1048 هـ - 1638م'' وقصر روان ''1064 هـ - 1653م'' وقاعة الختان التي شيدت في عام ''1051 هـ -1614م'' ليشهد بها السلطان ختان اولاده الذكور ولذا سميت بالتركية ''سنة اوضاسي'' او غرفة السنة· وهناك ايضا في هذا القسم مكتبة السلطان أحمد الثالث وقد اسست في عام ''1131 هـ - 1718م'' وبها عدد من انفس المخطوطات الإسلامية باللغات العربية والفارسية والتركية والأوردية· وعلى مقربة من المكتبة تقوم المظلة البرونزية الرشيقة ''1050 هـ - 1640م'' والواقف تحتها يستطيع ان يشاهد اجمل مناظر السراي قاطبة· متحف وتستمد مجموعة مباني طوبقابي سراى شهرتها بالدرجة الأولى من ترف زخارف واجهاتها الرخامية والخزفية، ويقف كشك بغداد او قصر بغداد الصغير شاهدا على ذلك فقد شيد على هيئة مثمن مغطى بقبة محمولة على اعمدة رخامية ولهذا القصر اثنتان وعشرون نافذة تكسوها بلاطات من الخزف التركي الشهير زينت برسوم من الزهور باللونين الازرق والاخضر على ارضية بيضاء· وزائر القصر الذي بات اليوم متحف يستمتع بزيارة الحرملك او مسكن الحريم وهو يبدو كمتاهة معقدة من الاروقة والسلالم والافنية الضيقة التي تضم اكثر من مئتي غرفة مختلفة المساحات ومزدانة جميعها بشتى انواع الزخارف الباذخة· ومن أشهرها غرفة السلطان مراد الثالث التي قام بتصميمها المعماري التركي الشهير سنان باشا في عام ''986 هـ - 1578م'' وجمع هذا المعماري فيها بين عدة طرز تركية واوروبية مثلما زاوج ببراعة بين منحوتات زخارف الباروك العثماني وبلاطات خزف مدينة ازنيك برسومها النباتية البديعة وفي طوبقابي سراي اكبر مجموعة من النوافذ الجصية المعشقة بالزجاج الملون وهي في حالة جيدة بفضل الترميمات التي كان سلاطين آل عثمان يقومون بها في مباني القصر المختلفة· وحشدت في طوبقابي بعد تحويله إلى متحف عقب سقوط الدولة العثمانية أبدع ما حوته قصور العثمانيين من نماذج الأثاث الخشبي والتحف المعدنية والزجاجية والسجاجيد فضلا عن الملابس الرسمية للسلاطين ومقتنياتهم من المخطوطات الإسلامية المصورة
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©