الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سميح القاسم: لست من أكلة لحوم البشر!

سميح القاسم: لست من أكلة لحوم البشر!
1 أكتوبر 2009 00:02
يعد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم واحداً من رواد حركة الشعر الفلسطيني الحديثة، احتلت تجربته ولا تزال موقعاً بارزاً في مجمل الحركة الشعرية العربية، بما حملته من تنوع وثراء وتطور علي مستوى الرؤية والأسلوب، وقد احتفي بها نقدياً في كافة الأقطار العربية وتناولتها بالدراسة والتحليل أقلام كبار النقاد، كما حظيت بالترجمة إلى مجمل اللغات العالمية، صدر له أكثر من 50 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والرواية والترجمة ونشرت كلها مجمعة في سبعة مجلدات وصدرت عن ثلاث دور نشر في القدس وبيروت. وقد كرم الشاعر الكبير وحصد عدداً من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف من عدة مؤسسات عربية ودولية. ولد القاسم لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1929، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي. وسجن القاسم أكثر من مرة كما وضع رهن الإقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية. في ما يلي حوار معه حول تجربته الشعرية، وآرائه في الثقافة والسياسة: هل تتابع هذا الزخم الشعري الكبير من قصائد النثر ورأيك فيه؟ لا أتابع لا قصائد النثر ولا قصائد الوزن بما كنت أفعله في شبابي، اليوم أنا انتقائي جدا في قراءاتي، لكن أقرأ من حين لآخر قصائد نثر تعجبني، وقصائد نثر تقززني، وقصائد عمود تعجبني وقصائد عمود تقرفني، وقصائد تفعيلة تمتعني وقصائد تفعيلة تغيظني، إذن الشكل ليس هو المهم وإنما الحالة التي تخلقها القصيدة، المزاج، المناخ، الطقس، الكثافة، تخلق شيئا مكثفا في نفسك وحولك، الشكل شيء ثانوي، التكوين الشعري هو الأهم، أرفض أيضا الحديث عن الشكل والمضمون الشعريين، أنا أتحدث عن التكوين الشعري هو كائن متكامل بشكله وبمضمونه، بصوره، بلغته، بخياله، بمزاجه، بسيكولوجيته، هذا التكوين إما أن يكون شعرياً حقيقة أو أن يكون زائفاً، والزائف لا يصل إلى الناس، والحقيقي ـ ببساطة ـ يصل إلى الناس. ضد التعريف أود سؤالك عن ملامح التجربة الشعرية الفلسطينية الآن؟ رجاء.. أنا لا أحب أن أعرّف بالشاعر الفلسطيني ـ بالمناسبة أنا فلسطيني وأعتز بفلسطين وشعبها وبثورتها وبنضالها وبكفاحها وعبرت عنها يوم عبرت عني ـ لكن وضعي في خانة الشاعر الفلسطيني أعتبره إهانة أيضا، أعتقد أن لدي في مصر ما يكفي لأن أكون شاعراً مصرياً، وفي العراق وفي سوريا وفي البحرين وفي المغرب وفي كل مكان، أنا شاعر عربي، ويسعدني أن عروبتي لم تفقد صداقتها لدى شعوب أخرى، مترجم إلى كل اللغات الحية، وحيث أذهب أجد أصدقاء لقصيدتي، أما أنا (شو شاعر فلسطيني.. ما حد يحصرني بها الجغرافيا الصغيرة) . إذن كونك مقيماً في فلسطين ومتابعاً لتجربة شعرائها؟ أنا مقيم ليس هناك فقط، يوم أقيم في الرامة بلدي/ قريتي علي سفح جبل حيدر في الجليل، القرية الجميلة والجبل الهائل الجميل، والمنطقة المدهشة، في اللحظة نفسها في منزلي أنا أهتم بحالة الطقس في الربع الخالي، وأهتم بما يحدث في الإسكندرية، وأعيش ما يحدث في بغداد، ما العمل؟ هذا تكويني النفسي. الشعر العربي في فلسطين؟ لدينا أصوات جديدة جميلة وجيدة، وبطبيعتي أحب أن أستضيف في قراءاتي في كل العالم شاعرا جديدا، صوتا جديدا استثنائيا، ولدينا أصوات استثنائية جميلة جدا، وأرجو أن تريح شيخوختي وأن تقدم لي الصوت الذي يعوضني عن صوتي. لسنا برابرة لكن بعض هؤلاء الشعراء العرب الفلسطينيين يرون أنك والراحل محمود درويش قد اختطفتما الشعر العربي الفلسطيني؟ هذا غير صحيح على الإطلاق، أنا ترأست تحرير عدد من المجلات والصحف، كنت أفترض دائما وجود الأصوات الجديدة، أنا ترأست اتحاد الكتاب العرب في الداخل لسنوات طويلة، وكان هناك حضور مكثف للأصوات الجديدة، حتى حين كنت أدعى إلى لندن أو إلى روما أو إلى القاهرة كنت أشترط على أصحاب الدعوة أن أصطحب معي أصواتا جديدة وقديمة، وأكثر من مائتي شاعر وكاتب وفنان أخرجتهم إلى العالم على حساب دعواتي الشخصية، هذا اتهام باطل وغير صحيح ومتجن جدا، لكن ما العمل؟ هناك حالات، يعني في تونس أبو القاسم الشابي ظهر بعده مئات الشعراء لكن بقي صوت أبو القاسم الشابي، لا يعاقب أبو القاسم الشابي، في مصر ظهر آلاف الشعراء، وبقي صوت أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران ومحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، هل نعدمهم ونعاقبهم كونهم بقوا؟ حرام، يجب احترام التجربة الإنسانية واحترام الذاكرة والتاريخ، والشعور بالعدائية مع الأجيال خطأ كبير، صراع الأجيال في نظري أكذوبة، أنا مع تكامل وتداخل الأجيال وليس مع صراع الأجيال وهذا ما قلته لشوقي في قصيدتي: ونظل جيلا لا نفارق جيلا.. سمعتوني، هذا ما قلته لأحمد شوقي، أنا ضد القطيعة بين الأجيال، وجيل يقضي على جيل، لسنا برابرة ولسنا أكلة لحوم بشر، والعكس تماما ناحيتي هو الصحيح، شجعت أصواتاً من فلسطين ومن مصر ومن لبنان وسوريا والمغرب ومن كل مكان، ويعرفون ذلك، في لبنان في أمسية لي ولنزار قباني ومحمود درويش ولأنسي الحاج أخذت شاعرا لبنانيا شابا من يده إلي المنصة وقرأ على منبري، وزملائي الشعراء أبو توفيق رحمه الله أخذوا عليّ هذا التصرف، أنا أصعدته في لندن إلى المنصة وقلت له اقرأ إلى جانبنا، أنا أحب الأصوات الجديدة وأتمناها وهي لا تناقضني، وإذا ناقضتني فهذا شيء جميل جدا أيضا، فلتناقضني، أي شاعر يأتيني إلى صحيفة أو مجلة أحررها مثلا بقصيدة تشبه قصيدتي أطرده: اذهب وجئني بصوتك، بوجهك، بصورتك، أي شاعر أو شاعرة قدمت لي قصيدة تشبه قصيدتي كنت أطردهم من مكتبي: اذهب وأتي بصوتك ووجهك ولونك، (أنا مش بتوع الشلل اللي عندكم يا عمي، كل واحد عامللي شيخ قبيلة وجامع شلة حواليه، ويطيبوا له ويقودون له)، أنا لست من هذا النوع، من كوكب آخر، أنا قادم إليكم من كوكب آخر، ليس لي علاقة بما يسمى الحركة الثقافية العربية والرسمية (ومشعارف شو)!، (مليش) دعوة بهذا السيرك، لا سيرك الشعر ولا سيرك الثقافة، ما لي علاقة بهذا العالم، أنا ابن قصيدتي وهي ابنتي وماشيين مع بعض في برية هذا العالم، هذا الكوكب، والحمدلله أبدو في صحة جيدة رغم تجاوزي الستين بثمانية أعوام، وقصيدتي صبية، الجماهير تعشقها وتحبها في كل مكان. أجنحة الحرية الشعراء الشباب يرون أن قصيدة العمود وقصيدة التفعيلة لم تعد أي منهما قادرة على الابتكار ولا تقديم صورة أو رؤية جديدة للشعر؟ يا أخي اسمح لي، هذا كلام سخيف، هذا كلام يقوله أشخاص غير موهوبين وغير مثقفين وغير مدركين لطبيعة العملية الإبداعية، الذي يقول إن العروض انتهى زمانه كمن يقول لرسام ارسم بدون ألوان، الألوان انتهى زمانها، أو كمن يقول لنحات اصنع تمثالا بدون جرانيت، الجرانيت قديم انتهي زمنه، هذا ادعاء من لا يعرف، يعني الذي لا يتقن العروض سيكره ويحارب العروض، لأنه لا يتقنه، يقولون العروض والأوزان والقوافي قيود تقيد الشاعر والمخيلة العربية، أنا أقول إن العروض والقوافي هي أجنحة حرية، تعطيك مجالا للانطلاق بلا حدود، إذا كنت تستوعبها، إذا كنت جزءا من ذاتيتك، إذا كنت متماهياً معها وكانت متماهية معك، إذا كانت جزءا من نبضك هذه الإيقاعات فهي أجنحة حرية، وهكذا، أما القول بالقطيعة مع الأوزان فهذه أيضا قضية سياسية مشبوهة ومفضوحة عندي، هناك حملة، هناك سونامي عولمي يريد إلغاء الأمة العربية بإلغاء ذاكرتها، بإلغاء ثقافتها، بإلغاء وجدانها، بإلغاء تاريخها، بدون العروض لن يفهم أبناؤنا وأحفادنا لا المتنبي ولا امرؤ القيس ولا أحمد شوقي ولا محمد مهدي الجواهري ولا المعري ولا أبو تمام، يعني ستمحى مرحلة من تاريخنا الثقافي ومن موروثنا ومن كنوزنا الثقافية، اذكروا ما حدث في تركيا حين جاء هذا الطاغية كمال أتاتورك وألغى الحرف العربي، يريد أن يطور تركيا وأن ينقلها إلى الحضارة الأوروبية، ألغى الحرف العربي وألغى تراثا تركيا طويلا مكتوبا بالحرف العربي، محاه، وبدأوا من جديد فلم يصنعوا شيئا، وضع الثقافة العربية اليوم أفضل بكثير من وضع الثقافة في تركيا، فالعمليات القيصرية الجاهلة الحمقاء الانتحارية التي تعبر عن دونية وعن تخلف وعن فقدان الثقة بالنفس وبالتراث وبالتاريخ، نحن يخطط لنا ونحن غافلين، أيضا مرة أخرى يا سيدي (ما بدك تكتب بالعمود ما تكتب بالعمود، مين جابرك؟)، (ما بدك تكتب بالتفعيلة ما تكتب بالتفعيلة، مين جابرك ؟)، (بدك تكتب قصيدة النثر اكتب قصيدة النثر) لكن قدّمها قصيدة جيدة، حسابي ـ مرة أخرى ـ لا مع شكل ولا مع مضمون، حسابي مع كيان، قدم لي كيانا شعريا، وأيضا لا أحب كلمة (نص)، قدم لي كيانا شعريا جيدا وسأنحني أمامك، لكن محاولة إلغاء ما سبق فهذا جهل وتخلف وحمق، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. النقد المسلوق هل ترى أن الحركة النقدية العربية واكبت تطور التجربة الشعرية العربية؟ الانحسار أو البلبلة في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية أفرز بلبلة ثقافية ونقدية وفكرية، وطبعاً النقد في النصف الأول من القرن الماضي والثاني إلى حد ما شهد حالة من الديالوج بين الإبداع والنقد، وكان ديالوج شبه متكافئ ـ هنا أتكلم عن النقد الإبداعي ففي رأيي الناقد هو عملية إبداعية وليس قضية عرض ـ ولكن بالقفزة في النشر، لم يكن كل شاعر يستطيع طبع ديوان وكل روائي يطبع رواية، كان الأمر صعبا، كان فقط بمقدور المتميزين والمتفوقين الحصول على إمكانية النشر، الآن كثرة الصحف ودور النشر والمجلات ومواقع الإنترنت صار النشر عملية يسيرة جدا، كل من يكتب يستطيع أن ينشر، هذا خلق فجوة بين الإبداع ككم وبين قدرة النقاد على المتابعة، وخلق شيئا من الفوضى والركاكة والسلق (يسلق المقالة النقدية) وظهر النقد الصحفي، يعني الكتابة عن ديوان شعر أو رواية أو بحث أكاديمي صار يكتب بطريقة صحفية سريعة، الوجبات السريعة، فنشأت فجوة بين ضرورة النقد وإمكانياته والكم الهائل من الكتابة والنشر ولا أقول الإبداع، ونشأت حالة من الفوضي في كل حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، والآن هناك إشكالية في النقد: ذائقة وثقافة الناقد في ورطة مع ثقافة المبدع وذائقة المبدع، كم هائل مما يصدر لا يصمد أمام حد أدنى من النقد الأكاديمي المحترف، لكن أنا أعتقد أن تراجع النقد هو نتيجة وليس سببا، الناقد يتبع عادة الإبداع، يعني بدون إبداع جيد لن يكون هناك نقد راق وعال ومحترف، تراجع العملية الإبداعية أدى إلى تراجع في النقد أيضا وهذا أفقد كثيرين من الكتاب والشعراء الشبان البوصلة، كان النقد إذا كتب محمد مندور أو أي ناقد عربي مهم في زمان مثل أنور المعداوي ولويس عوض، نقاد كبار كانت مقالة من أحدهم تشجع موهبة ومقالة تحبط موهبة، كان هناك احترام للنقد أيضا، مارون عبود كان إذا كتب مقالة في شاعر أو كاتب يحدد له وجهة تطوره وتقدمه، اليوم صار نوع من البلادة في العملية الكتابية ولا أقول الإبداعية، واتبعتها حالة بلادة في النقد كذلك، ولغة السوق والبضاعة والعرض والطلب دخلت في الحياة الأدبية في الشعر وفي الموسيقي وفي النقد وفي الفكر دخلت روح السوق، التوحش الرأسمالي والتوغل الرأسمالي انعكس بقوة وعنف في الحياة الثقافية، بلاش لف ودوران هناك أناس ينظرون لتبرير الخراب في حياتنا، أنا غير ملزم بهذا وغير مدعو لهذا وأرفض هذا التنظير للخراب، المكتبة العامة تتحول إلى كافتيريا، هذا يحدث بأثر التغول الرأسمالي في العالم كله. «يأس بروف» كيف ترى مستقبل العالم العربي في ضوء رؤيتك لوضع الثقافة العربية الآن؟ نحن على مفترق طرق مروع ورهيب، قد نتحول إلى حالة أميركا اللاتينية، قد يتحول العالم العربي إلى دويلات أميركا اللاتينية، يفقد تماسكه وهويته وشخصيته وحلمه، وبالتالي يفقد كرامته الإنسانية وحضوره الإنساني، وهناك إمكانية أخرى حركة إنقاذ، يعني كان هناك في مطلع القرن الماضي حركة تنوير، اليوم نحن بحاجة إلى حركة إنقاذ ثقافي وفكري وأخلاقي أيضا، للأسف مشروع الإنقاذ وفكرة الإنقاذ انتشرت بين إخواننا من الأصوليين والسلفيين وفي التيارات الرجعية، هم الذين يتبنون اليوم فكرة الإنقاذ، ونحن من نسمي أنفسنا بالعلمانيين المؤمنين والتقدميين والثوريين نحن المطالبين بمشروع إنقاذ، مشروع الإنقاذ القومي العربي غير موجود، لكن يقال ساعة (ووتر بروف) أي لا يدخلها الماء، أنا إنسان (يأس بروف)، لا يخترقني اليأس، وأقول إن اليأس رفاه باهظ التكاليف، فثورته غاية لا نستطيع أن ندفعها، لأنها تعني زوالنا كأمة وبقائنا ككائنات بشرية، أنا لا أريد البقاء ككائن بشري، أنا أريد البقاء ككائن حضاري ثقافي إنساني، أنا متألم وغاضب وحزين جدا، أشد من الماء حزنا (من أعمالي الأخيرة) ولكن لست يائسا، مازال بصيص من أمل ومازال أمل في حياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©