السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صرخة زوج مخلوع!

صرخة زوج مخلوع!
10 ابريل 2014 20:38
زوجتي عبارة عن «إذاعة» مفتوحة على مدار الساعة، لسانها لا يتوقف عن الكلام فيما يفيد وما لا يفيد، بل كثيرا ما يضر ولا ينفع، وهذا كان يعجبني في أيام الخطوبة، وكنت معجبا ومستريحا لهذا الأسلوب الذي لا يسمح للملل أن يتسرب إلينا مهما طال اللقاء بيننا، بل كنا لا نريد للقاءاتنا أن تنتهي من فرط السعادة، وكنت أسمعها وأصغي إليها باهتمام ورضا لأنها تملأ كل فراغ في حياتي، خاصة عندما أكون في حالة ضيق، أو أشكو من أي شيء، تأتيني بقصص وحكايات وأحداث قديمة وجديدة، وتتكلم عما يدور مع أقاربها وما يحدث في أسرتها، أحيانا أعتبر ذلك نوعا من الشفافية لأنها تريدني أن أعرف كل شيء عنهم، وأحيانا أرى أن ذلك نوع من «الهبل»، فليس كل ما يحدث في البيوت يقال، خاصة وأنني وقتها لم أكن إلا مجرد خطيب لها ولم يتم الزواج بعد أي لازلت غريبا، لكن لم أقل لها يوما أن هذا لا يجوز، ولم أبد تبرما، أو رفضا لأسلوبها بما يعني أنني أقبله بل وراض عنه. الصمت أبلغ كل هذا تحول إلى النقيض بعد الزواج، فعندما أعود إلى البيت، بعد أن انتهاء العمل، أريد أن أستريح بعد تناول الغداء، لكن زوجتي «تتسلمني» منذ لحظة الدخول بسيل من الأسئلة المتتالية التي لا قيمة لها، وأصبحت متكررة ومعادة وقد حفظتها عن ظهر قلب، ماذا فعلت، ومع من تحدثت وماذا أكلت أو شربت، ومع من تقابلت وما هي أخبار زملائي وزميلاتي؟ ومع أنني قد أجبتها أيضا مئات المرات بنفس الأجوبة الثابتة التي لا تتغير، بأنني في عملي أكون دائما مشغولا ولا وقت عندي للحكايات، وعلاقاتي مع زملائي محدودة ومحصورة في نطاق العمل، وإن كانوا يتحدثون مع بعضهم في شؤون بيوتهم وأمورهم الشخصية، فإنني لا أشاركهم ولا أرتضي ذلك وارفض أن يعرفوا شيئا عما يدور في بيتي. لم أجد إلا الصمت في معظم الأحيان هو أبلغ رد على تساؤلات زوجتي، لكنها لا تتوقف عن الكلام ، تخرج بي من هذا الموضوع إلى نشرة أخبار نساء البناية من جيراننا، واللافت أنها تعرف عنهن كل صغيرة وكبيرة، فهي لديها فضول لمعرفة كل شيء عن الآخرين، فهذه تشاجرت مع زوجها بالأمس لأنه عاد متأخرا بعد قضاء سهرة على المقهى مع أصدقائه، فطردته من غرفة النوم، أما الثانية، فقد أصيب ولدها الشقي الصغير بجرح في رأسه لأنه لا يهدأ وسقط على الأرض وهرعوا به إلى المستشفى، أما تلك التي تقيم في الطابق الذي فوقنا، فقد تلقت كميات من الهدايا من أختها تذهب بالعقل، موبايل حديثاً وملابس على أحدث صيحات الموضة وأطقم للشاي والقهوة. تقرير مفصل كل يوم أتلقى رغم أنفي تقريرا مفصلا من هذه النوعية من الحكايات التي تشجيني بها زوجتي، ومرة سألت نفسي، هل تلوذ زوجتي الثرثارة بالصمت مع جاراتها كل هذا الوقت وأنا الذي أجعلها تتوقف عن الكلام بصعوبة، والمؤكد أيضا أنها لا تجد ما تخبرهن به إلا ما يدور بين جدران بيتنا، ومهما كان ما يحدث فيجب أن يبقى سرا، ولا يجوز أن يخرج بأي شكل لأي شخص مهما كان، وقد اعتدت أن أنام واتركها تتكلم من غير أن أجيبها، ولا أهتم بما تقول، فأنا شخص «بيتوتي» لا أحب الجلوس على المقاهي ولا حتى التنزه وأفضل البقاء في البيت، وهذا له أسبابه، فكل ذلك في النهاية مكلف وليس في إمكاني أن أجد ما أنفقه، فيما هو ليس ضروريا، فاعتدت البقاء في بيتي من قبل ومن بعد الزواج. أعرف أن السواد الأعظم من الزوجات يشتكين من هروب أزواجهن من البيوت وقضاء معظم أوقاتهم مع أصدقائهم أو أمام الكمبيوتر، وغير ذلك من الوسائل التي تخطف الرجال من زوجاتهم، ولذا كنت أعتقد أن بقائي في البيت ميزة سوف تعجب زوجتي وترضى بها عن تصرفاتي تلك، لكن يبدو أن بنات حواء لا يعجبهن العجب، ولا يرضين بأي حال، فكانت تنتقدني وتلمح إلى أن البقاء في البيت للنساء فقط، ثم تغمز وتلمز بالشكوى من مستوى معيشتنا وأنني قليل الحيلة، مستسلم بلا طموح لا أنظر إلى المستقبل، ولا احلم بحياة أفضل ولا افكر في الانتقال إلى وضع أحسن، ولا مانع من أن تشنف أذني بأن أختها قد اشترت غسالة «اوتوماتيك» حديثة، وزوجة أخيها الأكبر اشترت غسالة أطباق، واستراحت من هموم غسيل الصحون، أما ابنة عمتها فقد اشترت شقة مصيفية، تقضي فيها كل شهور الصيف الحارة، وتستمتع بالهواء العليل. تصريح واضح هكذا حياتي كلها أصبحت من هذا النوع من الأخبار التي لا تقصد بها أن أعرف أو تنفس عن نفسها بالكلام، وإنما من أجل التقريع الذي تطور، وأصبح تصريحا وواضحا، بعد أن كان خفيا وتلميحا، الآن تدفعني كي أبحث عن عمل إضافي من اجل أن اشتري لها المزيد من الأغراض وأنا لا ألوم عليها طموحها وأمنياتها في حياة أفضل لكن أرفض أسلوبها وغبرتها غير المحمودة التي قد تشوبها شبهة الحسد، ومن أجل أن أريح وأستريح بدأت البحث عن عمل إضافي، لكن وجدت فرصة عمل في الخارج، ترددت كيف اتركها وحدها، وهي حامل بطفلنا الأول، وكيف سأعيش وحدي في الغربة، لكنها حسمت الأمر ورحبت بشدة بتلك الخطوة، وشجعتني بكل السبل لانتهاز الفرصة التي تراها المخرج الوحيد من أزماتنا الصعبة، ودفعتني دفعا للإسراع قبل فوات الأوان، وهي ترسم صورة وردية لحياتنا القادمة والرغد الذي سنعيش فيه. وسافرت وأنا أحلم بما كانت تقوله زوجتي عساه أن يتحول إلى حقيقة، أعمل ليل نهار، وأحرم نفسي من الطعام لأوفر كل ما يقع في يدي من مال وأرسله إليها على الفور، تحملت في الغربة الوحدة والليل الطويل رغم التعب في العمل، لكنني كنت أشعر أنني اقضي عقوبة في سجن مفتوح، مهموم دائما والدنيا ضيقة في عيني، وبدلا من أن أكون سعيدا، عندما علمت بقدوم ابني الأول بكيت كما لم أبك من قبل لأنني لم أكن بجانب زوجتي، وهي تلده وأشهد لحظات الانتظار وأكون في استقباله واحمله بين يدي، واحتفل بمرور أسبوع على قدومه، وأقيم له عقيقة غير مسبوقة لكن شيئا من هذا لم يحدث، وظللت أتخيل ملامحه، وأتساءل هل يحمل شيئا مني أم لا؟ هل يشبهني أم لا؟ تساؤلات كثيرة لا أجد لها إجابات. مشروع استثماري لا أحصل على الإجازات السنوية كي أستغلها وأستفيد من الأجر الإضافي، وادخار أكبر مبلغ ممكن في أقصر مدة زمنية، فمع عدم الارتياح أتعجل العودة بفارغ الصبر، ولا أطيق البقاء، ولكن كلما تحدثت مع زوجتي عن ذلك ترفض بشدة ولا تقبل طرح الموضوع للنقاش، فليس هناك أهم من مستقبل ابننا، فماذا فعلنا له وكيف نؤمن مستقبله؟ وانتقلت بذلك من الحديث عن مستقبلنا وحياتنا إلى طفلنا الصغير الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، وجعلتني أحمل هموم الأيام والسنين القادمة وكأنها عجاف سوداء، تصيبني بالخوف مما هو آت، وهي لا تعرف إلا أن تطلب وتأخذ، ولا تعرف أن تعطي وتمنح أي معنى للسعادة والأمل. وللخروج من هذا كله اقترحت عليها أن لا نضيع أموالنا فيما لا يفيد وعلينا أن نفكر في مشروع استثماري صغير مناسب لإمكاناتنا، يدر علينا دخلا ويمكننا من خلاله أن نعيش بشكل مقبول وكذلك سيبقى لابننا بعد ذلك، وتظاهرت بالموافقة على هذا الرأي، لكنها قامت في غيابي بشراء شقة في منطقة راقية، وضعت فيها كل ما ادخرته خلال سبع سنوات وبقيت تكاليف تأثيثها، أرادت أن تفاجئني به على أنه خبر سار، وأنها حققت إنجازا غير مسبوق، لكنها كما لو كانت طعنتني بخنجر في ظهري بسبب مخالفتها لما اتفقنا عليه والأهم لأنها بذلك، بددت حصيلة شقاء السنين، صدمتني صدمة جعلتني أفقد التوازن، صرخت بأعلى صوتي مثل الذي لدغه عقرب، لكن وبنفس أسلوبها وكلامها الكثير حاولت أن تقنعني بأن تلك خطوة مهمة لا بد منها، وأن الفرصة مازالت قائمة لتحقيق كل أحلامنا، والمدهش والعجيب في كلامها وتصرفاتها أنها لا تهتم وليست متأثرة بغيابي عنها، فهي متبلدة المشاعر وأفكارها مادية فقط ولا تفكر إلا في المال ولا تقيم وزناً لحياتنا الزوجية. مرحلة الملل وصلت إلى مرحلة من الملل أصحبت معها غير قادر على الاستمرار في الغربة، بعد أن قضيت عشرة أعوام كاملة، كانت طويلة وقاسية، وكفاني ما تلقيت وتحملت فيها من صعاب ومشقة وأوقات كئيبة، فاتخذت قراري بالعودة ضاربا عرض الحائط بأفكارها وأحلامها التي لا تنتهي وتفكيرها غير السوي مهما كانت النتائج، وعندما علمت بقراري ثارت وهاجت وماجت، وأعلنت الرفض والتحدي، وهي التي لا تحتاج إلى لسان، لم تضع أمامي خيارات إلا التراجع عن القرار الذي رأت أنه خاطئ، وليس من حقي أن أتخذه وحدي، وكان يجب مشاركتها الرأي، وحولت الدفة لتجعلني اعترف بأنني ارتكبت خطأ جسيما، لكنني لم أعترف ورفضت أسلوبها ومحاولتها فرض رأيها المتصلب الذي ينال من حياتي ويؤثر على صحتي وحالتي النفسية. وظهر معدنها عندما خيرتني بين السفر، وبين أن تخلعني وتحصل على كل «تحويشة» عمري، واعتبرت ذلك مجرد تهديد، لكنه كان حقيقة، فبمجرد أن عدت نهائيا كانت قد أقامت دعوى خلع في المحكمة، وها أنا اصرخ من غدرها، وأحاول أن اثبت أن الأموال التي استولت عليها تخصني، وأعتقد أنني سوف أظل أصرخ كثيراً وطويلاً حتى أثبت حقي. نورا محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©