الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القلب.. أمير الجسد المسؤول عن جنوده وصارفهم عن اتباع الهوى

القلب.. أمير الجسد المسؤول عن جنوده وصارفهم عن اتباع الهوى
10 ابريل 2014 20:36
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «… أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ»، (أخرجه البخاري). هذا جزء من حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان، باب فضل مَنِ استبرأَ لدينه. قال ابن رجب - رحمه الله - لما ذكر هذا الحديث: «فيه إشارةٌ إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرّمات، واتقائه للشبهات، بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليماً، صلحت حركات الجوارح كلها. أمراض القلب وقال الإمام ابن حجر - رحمه الله-: «وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثراً فيه»، (فتح الباري بشرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني 1/156). وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله-: «و لما كان القلب لهذه الأعضاء كالملِك المتصرف في الجنود، الذي تَصْدُرُ كلُّها عن أمره، ويستعملها فيما شاء، فكلها تحت عبوديته وقهره، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ، وتتبعه فيما يعقِدُه من العزم أو يَحُلُّهُ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»، فهو ملكها، وهي المنفذة لما يأمرها به. الوساوس ولما عَلِم عدو الله إبليس أنّ المدار على القلب والاعتماد عليه، أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزيّن له من الأحوال والأعمال ما يصدّه عن الطريق، وأمدّه من أسباب الغَيّ بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونَصَب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلاّ بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرّض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسكناته، والتحقق بذلّ العبودية الذي هو أولى ما تَلبّس به الإنسان، ليحصل له الدخول في ضمان (إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولها سبب تحقيق مقام العبودية لربّ العالمين. أنواع القلوب لما كان القلب يوصف بالحياة وضدّها؛ انقسم بحسَب ذلك إلى أحوال ثلاثة، وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أن أنواع القلوب ثلاثة: ? الأول: القلب السليم: وهو الذي تمكَّن فيه الإيمان، وأصبح عامراً بحب الله ورسوله، وهو الذي سَلِمَ من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال تعالى: (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ , إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بقَلْبٍ سَلِيمٍ)، «سورة الشعراء، الآيتان 88 - 89». ? الثاني: القلب الميت: وهو ضدّ الأول، فلا حياة فيه، وصاحبه لا يعرف ربَّه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، منقاد لها، أعمى يتخبط في طريق الضلالة، إنّ أحب أو أبغض فلهواه، وإن أعطى أو منع فلهواه، فهواه مقدّم عنده على رضا مولاه. ? الثالث: القلب المريض: وهو الذي غزته الشبهات والشهوات حتى شغلته عن حب الله ورسوله، فأصبح معتلاً فاسداً، وهو قلب له حياة وبه مرض، وهو لما غلب منهما، إن غلب عليه مرضه التحق بالقلب الميت، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم، (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/42-45 بتصرف). القلب النقيّ أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تَبعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنَسٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلا خَيْراً، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مِرَارٍ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ، لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟. فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ»، (أخرجه أحمد). لقد رفع الله سبحانه وتعالى شأن هذا الصحابي لنظافة قلبه وطهره من الحقد والغلّ والحسد، لأن الإيمان والحسد لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن كما قال - عليه الصلاة و السلام-: «... وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ؛ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ»، (أخرجه النسائي).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©