الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغم أبيي

26 يوليو 2008 00:25
في الوقت الذي تثبتت فيه أنظار العالم على الطلب الذي تقدمت به محكمة الجنايات الدولية لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير -بتهمة ارتكابه لجرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور- يبدو أن مفتاح الحل لاستقرار السودان مستقبلاً، يكمن في هذه الضاحية الصغيرة المغبرة الواقعة في وسط البلاد؛ فعند إلقاء نظرة أولى إليها، يبدو لمن يرى ''أبيي'' أنها لا تختلف عن أي ضاحية أخرى من ضواحي السودان الأخرى؛ غير أن ما يخفيه مظهرها الخارجي هو الأهم· فـ''أبيي'' تتربع على بحيرة نفطية يقدر حجم مخزونها بربع إجمالي نفط السودان البالغ نحو 6,4 مليار برميل، يجعل منها حجر الزاوية في قطاع النفط السوداني، وعليه فلم يكن مستغرباً ألا يكتمل ترسيم حدودها النهائية خلال المفاوضات التي أدت إلى إبرام اتفاقية السلام في عام 2005 التي وضعت حداً لحرب أهلية امتدت لعدة عقود؛ وعلى رغم هذه الاتفاقية التي عقدت بين الشمال والجنوب، إلا أن الاشتباكات الدموية تواصلت بين الطرفين بهدف السيطرة على ''أبيي'' وما يحيط بها من أراضٍ غنية بالنفط، الأمر الذي حول الضاحية إلى أرض للأشباح بدلاً من أن تكون ضاحية نفطية متطورة ومزدهرة· وفي ظل تصاعد أحداث العنف في كل من دارفور وتشاد مؤخراً، بالكاد استطاعت ''أبيي'' لفت اهتمام المجتمع الدولي إليها، ولكن الذي حدث خلال المواجهات المسلحة التي وقعت بين قوات الجيش السوداني ومتمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان، هو تشريد ما يصل إلى 60 ألفاً من سكان ''أبيي'' من بيوتهم؛ والسيئ في الأمر أن القوات المشتركة بين شمال السودان وجنوبه التي تم نشرها في الضاحية، تعبيراً عن رمز للوحدة الوطنية هناك، كانت هي نفسها طرفاً في المواجهات المسلحة التي شهدتها الضاحية؛ ولم تقتصر النتائج الكارثية على السكان فحسب، بل تسببت في تسميم أجواء الحوار الجاري حينئذ بين واشنطن والخرطوم في سبيل التوصل إلى صيغة ما لبسط الأمن والسلام في السودان· لقد وضعت واشنطن مسودة بروتوكول منح بموجبها سكان ''أبيي'' الحق في تقرير مصيرهم، ما إذا كانوا يريدون لضاحيتهم أن تبقى داخل حدود الجزء الشمالي من السودان، أم أن تصبح جزءاً من جنوبي السودان؛ كما أوكلت واشنطن للجنة خاصة مهمة ترسيم حدود ''أبيي''، إلا أن حكومة الخرطوم بادرت برفض الحدود التي اقترحتها اللجنة على الفور؛ وهكذا تركت ''أبيي'' دون تحديد إدارة لها؛ وبسبب الشكوك المحيطة بمصيرها، فقد كان طبيعياً أن تصاعدت موجة العنف والمواجهات فيها· هناك ثلاثة عوامل على أقل تقدير، من شأنها أن تشعل موجة عنف عالية في ''أبيي''، وربما تمتد تأثيراتها إلى نشوب حرب أهلية جديدة واسعة النطاق في السودان كله؛ أولها التوترات العرقية القبلية الناشئة عن التنافس بين مجموعات قبيلة المسيرية من جهة، ومجموعة دينكا نجوك الرعوية· وتخشى قبيلة المسيرية -التي تخوض الحرب في المنطقة نيابة عن الخرطوم- من أن يهدد تصويت الدينكا على تبعية ''أبيي'' للجنوب، مسارات رعيهم التقليدية ومصالحهم بشكل عام؛ أما العامل الثاني فيتمثل في هشاشة حكومة الوحدة الوطنية القائمة، خاصة ما يتعلق منها بمخاوف الطرف الشمالي من خسارة ''أبيي''، التي لن تقف في حدود خسارة موارد نفطية هائلة فحسب، بل ربما تلحقها خسائر أخرى مشابهة في أنحاء أخرى من السودان؛ وثالث العوامل هو تردد أو تباطؤ المجتمع الدولي في وضع حد للعنف المسلح هناك· على أن الحد الأدنى لتسوية النزاعات التي تشهدها ''أبيي''، يتطلب من قادة الجيش والساسة السودانيين أن يكفوا عن استغلال هذه التوترات لصالح أي منهم؛ كما يتطلب الحل أيضاً مساعدة الذين شردتهم المواجهات المسلحة عن بيوتهم على العودة الطوعية تارة أخرى· وفيما لو أتيحت فرصة المشاركة في الحكم المحلي لشتى المجموعات العرقية التي تقطن ''أبيي''، فسوف تتمكن هذه المجموعات من التعايش مع بعضها، خاصة أنها ظلت تتعايش هكــذا منذ أن وجدت ''أبيي''· روبرت موجاه مدير الأبحاث بـ منظمة أبحاث الأسلحة الخفيفة وأستاذ بجامعتي أوكسفورد وجنيف ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©