أحمد مراد ?(القاهرة) ?
«بنو موسى»، أشقاء ثلاثة أسسوا أول فريق علمي في التاريخ الإنساني، وكانوا بمثابة ظاهرة علمية لمعت في سماء الحضارة الإسلامية خلال القرن الثالث الهجري وهم أبو جعفر محمد بن موسى بن شاكر، وأحمد والحسن، وقد برع الثلاثة في علوم الهندسة والجغرافيا والميكانيكا والفلك والفيزياء.
كان أبوهم عالماً كبيراً في علوم الرياضيات والفلك، واشتهر بحساباته الفلكية المتميزة، وكان مقرباً من الخليفة العباسي المأمون، وقد توفي مبكراً، وعهد بأولاده الثلاثة - وكانوا صغارا - إلى المأمون الذي تكفل بتعليمهم وتربيتهم، وعهد بهم إلى حاكم بغداد اسحق بن إبراهيم المصعبي الذي كان يسمي نفسه «خادماً لأبناء موسى» من كثرة ما كان المأمون يوصيه بهم، وعهد اسحق بن إبراهيم بأبناء موسى إلى شخصية علمية بارزة في بغداد آنذاك، وهو يحيى بن أبي منصور مدير بيت الحكمة ببغداد وأحد علماء الفلك، ونشأ الإخوة نشأة علمية خالصة في ذلك الصرح العلمي الضخم حتى أصبحوا من أساطين العلم والمعرفة في تاريخ الحضارة الإسلامية.
وتعاون الإخوة فيما بينهم في البحوث والدراسات، وأسسوا أول فريق علمي في التاريخ، وبلغ حد التعاون فيما بينهم إلى درجة يصعب معها التمييز بين العمل الذي قام به كل واحد منهم، وقد نبغ الثلاثة في الهندسة والرياضيات والفلك، والميكانيكا، وأسهموا في تطويرها بفضل اختراعاتهم واكتشافاتهم المهمة، وفي كل علم كان لهم العديد من الإنجازات.
ففي مجال الميكانيكا اخترعوا عدداً من الآلات الفلاحية والنافورات، كما صنعوا عدداً من الآلات المنزلية، ولعب الأطفال، وبعض الآلات المتحركة لجر الأثقال، أو رفعها أو وزنها.
وفي الرياضيات، كان لهم باع طويل، حيث استخدموا معارفهم الرياضية في أمور عملية ومجال الفلك، فحسب بنو موسى الحركة المتوسطة للشمس، ووضعوا تقويمات لمواضع الكواكب السيارة، ومارسوا مراقبة الأرصاد وسجلوها.
ولكن الإنجاز الأهم لفريق بني موسى، هو قياس محيط الأرض، وهي المهمة التي كلفهم بها الخليفة المأمون، وترأَّس الفريق الأخ الأكبر، وضم إلى جانب الأخوين مجموعةً من الفلكيين وعلماء المساحة، وجاءت النتائج دقيقة إلى حد بعيد، حيث توصل الفريق إلى أن محيط الأرض يساوي «66 ميلاً عربياً»، وهو ما يعادل «47.356 كم» لمدار الأرض، وهي نتيجة مقاربة جدا للطول الحقيقي لمدار الأرض والذي عرف حديثاً، وهو «40.000 كم» تقريباً. قام بنو موسى «بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى الإمبراطورية البيزنطية بحثاً عن المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم».
ومن مؤلفاتهم الأخرى، كتاب «معرفة مساحة الأشكال البسيطة والكروية»، والذي يعد تطويراً مهماً لكتابي «أرشميدس» عن حساب مساحة الدائرة وعن الكرة والأسطوانة، وكتاب «قسمة الزوايا إلى ثلاثة أقسام متساوية»، الذي ترجمه جيرارد كريموني إلى اللاتينية، وكتاب «الشكل المدور والمستطيل»، وكتاب «الشكل الهندسي»، وكتاب «حركة الفلك الأولى»?.?
عدد اليوم
