الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قمائن الطوب في مصر مهنة فرعونية تقاوم الحداثة

قمائن الطوب في مصر مهنة فرعونية تقاوم الحداثة
2 ابريل 2011 18:35
«الطوبجيه» و»القمائن» و»أفران الطين» كلها أسماء لأماكن صناعة الطوب في مدن وقرى مصر وهي واحدة من أعرق وأقدم المهن التي عرفها المصريون منذ عهد الفراعنة ويتوارثون أسرارها جيلا بعد جيل لاسيما المتعلق منها بانتقاء طين الأرض المناسب وكمية النار اللازمة رغم أن هذه المهنة تضر الأرض الزراعية ضرراً بالغاً. صناعة الطوب تتركز على جانبي نهر النيل من خلال أعمدة أشبه بالمسلات الفرعونية تقف شامخة والدخان الأسود يتصاعد منها ليل نهار وهي أفران بدائية يتم بداخلها حرق الطوب اللبن في درجة حرارة تتجاوز الألف ويصبح بعدها أحمر اللون وصالحا للاستعمال في أعمال البناء. احتكار الصناعة حسب موسوعة «مصر القديمة» للدكتور سليم حسن فإن الفراعنة من أوائل الشعوب التي عرفت كيفية استخدام طين الأرض في صناعة أنواع شتى من الطوب عبر أساليب بسيطة مازالت تستخدم إلى اليوم. وكلمة طوب نفسها ذات أصل هيروغليفي مأخوذ من لفظ «دوب» أي الحجر ثم حرفت بدخول العرب مصر ونطقت «طوب»، كما أن الفراعنة عرفوا أساليب حرق الطوب والطوب اللبن كانت تبنى به مساكن عامة المصريين بينما الطوب الأحمر للمعابد وقصور الحكام إلى جانب أحجار الجرانيت والبازلت ونظرا لأهمية تلك الصناعة كانت الحكومة في مصر الفرعونية تحتكرها وكانت قوالب الطوب تحمل خاتم الدولة أو أحد المعابد، وكان من الشائع أن موسم صناعة الطوب يبدأ عقب فيضان النيل مباشرة للاستفادة من كميات الطمي الكبيرة التي يجلبها النهر. وتقدر إحصائيات وزارتي الصناعة والبيئة في مصر عدد قمائن الطوب المنتشرة في مدن الدلتا وصعيد مصر بقرابة 950 مصنعا فيها 456 في قرى «أسكر والودي وعرب مساعد» بمدينة الصف بمحافظة حلوان، وتنتج يوميا قرابة 50 مليون طوبة، وساعد على ذلك قربها من مجرى نهر النيل حيث كميات كبيرة من الطمي وكذلك توسطها بين مدن الدلتا والصعيد مما ساعد على سهولة نقل منتجاتها هنا وهناك. وتنتشر قمائن الطوب في «اطفيح والعياط والبدرشين والمنيا وأسيوط وصهرجت بميت غمر وميت الرخا وفرسيس بزفتى وسمنود ومحلة روح ومحلة مرحوم وبسيون». مهنة موروثة تقدر أعداد العاملين في تلك المصانع بقرابة 75 ألف عامل «أصحاب قمائن وعمال وسائقين وحمالين» وتصل استثماراتها إلى حوالي 4 مليارات جنيه ويتم سنويا في مصر إنتاج 250 مليار طوبة نحو 80 في المائة طوب أحمر طفلي، و20 في المائة من الطوب الرملي والأسمنتي. ويقول محمود جبريل (48 سنة)، صاحب فرن طوب، إنه ورث هذه المهنة عن والده الذي تعلمها بدوره من جده منذ عشرات السنين ويعمل بها الآن إلى جانب غالبية أفراد أسرته فهي مصدر رزقهم. ويوضح أن مصنع الطوب ليس إنشاءات وآلات وآلاف العمال بل الأمر أبسط من ذلك حيث لا تزال تلك المهنة تدار وفقا لما كان عليه الأجداد منذ مئات السنين وان أمورا طفيفة هي التي طرأت عليها من حيث نوعية الوقود المستخدم والذي يتراوح بين المازوت في غالبية المصانع والغاز الطبيعي الذي بدأت الحكومة المصرية من خلال وزارة البيئة دعوة المصانع مؤخرا لاستعماله للحفاظ على البيئة وتقليل كمية الدخان وثاني أكسيد الكربون المتصاعد منها، لافتا إلى أن مصنع الطوب عبارة عن قطعة أرض لا تقل عن خمسة أفدنة جزء منها يخصص للطفلة أو الطين المستخدم في الإنتاج، وجزء يخصص لعجن هذا الطين بالماء قبل صبه في قوالب خشبية، وفقا للمقاس المطلوب وجزء يخصص لبناء الفرن وهو عبارة عن حفرة بعمق مترين وعرض 5-10 أمتار ومدخنة عبارة عن بناء اسطواني ضيق يرتفع عن الأرض بنحو 15مترا، وتتم في هذا الفرن عمليات حرق الطوب اللبن ويساعد طول المدخنة في الحفاظ على درجة الحرارة وضمان جودة الحرق وتسوية الطوبة، كما أن الحرق لا يتم إلا من خلال أولي الخبرة ممن يجيدون ضبط كمية النار اللازمة لكل خامة من الطين. طريقة الصناعة يوضح جبريل أن طريقة صناعة الطوب تبدأ بخلط الطين مع قليل من روث المواشي بواسطة الماء، ويوضع المزيج في قوالب خشبية في عملية تسمى «دق الطوب» قبل أن يصب على شكل الطوبة اللبن الخضراء وتعقبها عملية الرص داخل الفرن بعد أن يجف قليلا والرص يحتاج إلى خبرة إذ أن للطوب وضعا معينا فوق بعضه البعض وأي اختلال قد يؤدي إلى سقوطه وتلفه وتتم هذه الخطوة بحذر كما تتم عملية رص الطوب بشكل مستطيل وأخيرا عملية إشعال النار بالمازوت. ويشير موسى عبد الحق (55 سنة) إلى أن مهنة صناعة الطوب تحتاج إلى كثرة الأيدي العاملة المدربة والتي تتميز بالجلد والصبر، إلى جانب القوة البدنية وان عملية الإنتاج اليومية في المصنع تحتاج لنحو 100 عامل على الأقل 70 منهم حمالون يجيدون رص الطوب بطرق محددة. ويؤكد أن الطفلة المستخدمة يتم جلبها من أماكن محددة على شاطئ النيل وفقا لما تصرح به وزارة البيئة ورؤية الصانع فليس كل طين يصلح تحويله إلى طوب احمر فهناك طمي مفرول أي تكثر به الشوائب الرملية. ويقول جبريل إن المادة الداخلة في صناعة الطوب الأحمر تتراوح بين الطفلة أو الطين الذي يستخرج من غرب أو شرق النيل والفارق كبير في الجودة والسعر، أيضا حيث تتسم طفلة شرق النيل بارتفاع نسبة الهالك وهو ما يؤثر في جودة الطوبة. أنواع بديلة يوضح جبريل أن محاولات عديدة جرت من قبل خبراء وفنيين لإيجاد أنواع بديلة تفوق الطوب الأحمر في الجودة والمتانة على مدار السنوات الأخيرة باءت جميعها بالفشل كالطوب الاسمنتي والخرساني والحراري والرملي والورقي والخشبي وغيرها، وثبت أنه لا يوجد بديل يصلح لتصنيع الطوب غير الطمي لأن درجة امتصاصه للماء عالية ولا تؤثر فيه الرطوبة ولا تقلبات الجو بل يزداد قوة كلما تعرض للماء لذلك يعمر في الأبنية لعشرات السنين. ويقول سلامة الصعيدي (41 سنة) إن العمل في قمائن الطوب مصدر دخل مجز لكثير من الأسر في القرى التي تنتشر بها تلك المصانع حيث يحصل العامل على اجر وفقا للإنتاج والذي يقدر بنحو 15 جنيها عن كل ألف طوبة يحملها إلى الفرن بجانب 17 جنيها عن نفس الكمية بعد خروجها من الفرن حيث تكون درجة حرارة الطوب عالية عقب إخراجه وبمقدور العامل الواحد أن يحصل من 45- 60 جنيها يوميا. ويشير إلى أن هناك مشكلات عدة تواجه تلك الصناعة في مقدمتها ارتفاع أسعار «المازوت» اللازم لتشغيل أفران الطوب بنسبة 100 في المئة في السنوات الأخيرة ويصل سعر الطن الواحد إلى 1200 جنيه بعدما كان لا يتجاوز 400 جنيه قبل ثلاث سنوات. ويقول الصعيدي إن تكلفة استهلاك المصنع الواحد لإنتاج الطوب باستخدام المازوت تقدر بنحو 100 ألف جنيه أسبوعيا، وتنخفض إلى 25 ألفا في حالة استخدام الغاز الطبيعي ومتوسط إنتاج المصنع يوميا نحو 100 ألف طوبة. ويقول أحمد عيسى «أعمل مع شقيقي في قمائن الطوب منذ قرابة 20 عاما حيث تخصص في نقل الطوب اللبن من ساحة المعمل إلى الأفران التي يحرق فيها ثم نقله ثانية من الأفران إلى الخارج وهي مهنة شاقة جدا جلبت الأمراض إلى جسده النحيل لاسيما الحساسية في الجهاز التنفسي لكثرة الأدخنة التي يستنشقها يوميا».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©