الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عانس في العشرين

عانس في العشرين
28 سبتمبر 2009 01:34
صرت أغلق الباب وأنعزل في غرفتي، ولا أدري ماذا يحدث لي، نوع من الشعور بالهم يجثم على صدري، ليتني بقيت طفلة، ليتني لم أكبر، تذكرت الصفاء والراحة التي كنت أشعر بها عندما كنت صغيرة، ولكني كبرت ووصلت إلى سن العشرين، وهاقد بدأت المخاوف تطاردني. أمي تطرق الباب، فتحت لها وأنا أحاول أن أخفي تلك الدموع التي تحلقت حول عيني. جلست أمامي فوق سريري وصارت تلح علي لتعرف ما بي. حلفت لها أني بخير، ولكنها نظرت إلي طويلا وقالت وهي تغالب دموعها : أعرف أنك تتأذين كلما سمعت بزواج واحدة من صديقاتك، ولكنه نصيب يا ابنتي، الله يرزقك أنتي أيضا فنفرح بك وبإخواتك البنات، لا تحملي الهم .. تأكدي بأن الفرج بيد الله وحده. أكملت أمي حديثها ثم تركتني وانصرفت. حولت نظري باتجاه بطاقة الدعوة لعرس صديقتي، قلت لنفسي : ربي لا تجعل في قلبي مكانا للحسد .. وارزقني الزوج الصالح كما رزقت صديقتي هذه. المشكلة وصلت إلى سن العشرين، وإلى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي، لا أنا ولا أخواتي، فكلنا في سن الزواج تقريبا. والسبب كما أعتقد هو أننا لم نخرج من البيت، فالخروج ممنوع للبنات، هذا ما عرفناه من أهالينا فكيف يرانا الناس إن لم نخرج ؟ سألت أمي هذا السؤال فقالت: وهل تعتقدين يا ابنتي أن المعاريس منتشرون في الطرقات والأسواق؟ إنه وهم، لا يمكن للفتاة المحترمة أن تبحث عن نصيبها في الشارع، فالشباب الذين يملأون مراكز التسوق، معظمهم من النوع العابث الذي لا يفكر جديا بالزواج، وكل همه هو اللهو واللعب مع هذه وتلك في علاقات عابرة لا تعني الجدية ولا تؤدي إلي الزواج. كلام أمي منطقي فمعظم زميلاتي اللواتي أقمن علاقات عاطفية مع الشباب لم تنته علاقاتهم بالزواج، وقد تعرضت الواحدة منهن بعد تلك العلاقة إلى حالات من المعاناة والانهيار والكثير من الحزن والألم، وفي النهايه فقد تزوجن واحداً من الأقارب والأهل . بالنسبه لعائلتنا، فإن النصيب الذي يأتي عن طريق الأقارب، هو طريق مسدود تقريبا وذلك لعدة أسباب أولها هو أن علاقتنا بأقاربنا، أهل والدي بالخصوص، علاقة سيئة حتى قبل أن أولد بسبب خلافات كثيرة بينهم وبين والدي، والسبب الثاني هو عدم وجود ذكور في العائلة بكثرة. لدينا ابن عم واحد عمره 24 عاماً وهوا الأمل الوحيد لجميع بنات العائلة. ولكن حتى هذا الأمل بعيد المنال لأنه أكد لعمتي أكثر من مرة أنه لا يريد أن يتزوج فتاة من العائلة. عموماً .. فهذا آخر ما أفكر فيه، ولكني أغلقت باب الزواج من الأقارب لأنه باب لا فائدة فيه في عائلتنا. الباب الآخر أما الباب الآخر الذي قد يأتي منه النصيب عادةً، فهو عن طريق الصديقات، شقيق هذه أو خال تلك أو ابن عمة الأخرى .. ولكن هذا الباب لي شبه موصد أيضا لأنني لا أملك صديقة مقربة جدا بسبب عدم السماح لنا بالتواصل مع الصديقات وزيارتهن في بيوتهن أو استقبالهن في بيتنا، فالصداقات محدودة ولايمكن تطويرها بأي نوع من التواصل، فحتى استخدام الهاتف في هذه الأمور ممنوع في عائلتنا، وفي النهاية فإن معظم زميلات الدراسة قد خفت علاقتي بهن بعد أن خطبن وتزوجن الواحدة تلو الأخرى وقد انشغلن بحياتهن الزوجية فلم يعد لديهن متسع من الوقت للصديقات. أما بالنسبة للجيران فإننا لم نتواصل معهم ليس لأننا متكبرون بل لأننا أناس بسطاء طيبون ونحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المشاكل فتبقى علاقاتنا بالآخرين علاقة سطحية بسبب ذلك الخوف، وعدم الرغبة في الدخول بأجواء القيل والقال وكثرة السؤال. أحاول أن أبعد عن رأسي كل الأفكار المقلقة بالزواج وأقنع نفسي بأن الأمر كله قسمة ونصيب، ولكن للأسف فإن الهواجس والأفكار تبقى تدور في رأسي وتلح إلحاحاً شديداً يسيطر علي طوال الوقت. صرت أخاف من أن أصبح عانسا، فكلما قرأت عن قصص العوانس يملؤني الخوف بأن أصبح واحدة منهن. لقد حزنت كثيرا عندما أتممت العشرين لأني كنت معتقدة بأنني لن أصل إلى هذا العمر من دون زواج فأنا جميلة ولاشيء يعيبني، ولكن على الرغم من ذلك فأنا وأخواتي لدينا نفس الهاجس على الرغم من تمتعنا بالجمال والأخلاق، ففي مجتمعنا الفتاة التي تتخطى الرابعة والعشرين يطلقون عليها لقب العانس ! أنظر إلى نفسي في المرآة على الرغم من تأكدي بأن لا عيب فيّ إلا أنني أبحث عن سبب واحد يجعلني بعيدة عن تحقيق ذلك الحلم فأفكر بجدية عن الأمور التي ربما تكون سببا حقيقيا في مشكلتنا أنا وأخواتي . الأسباب أعتقد أن الأفكار التي حددتها للمشكلة هي ليست أسباب حقيقية وإنما هي نوع من الافتراضات أطرحها على نفسي وأناقشها كي أصل إلى الحقيقة، فما أعتقده مثلا هو أن أمي من جنسية عربية، ومجتمعنا لم يتقبل مثل هذا الأمر، على الرغم من كثرة حدوثه. فما ذنبنا نحن إن لم يكن اختيار والدنا كما أراد أهله؟ وفي الحقيقة أنا فخورة كل الفخر بأمي لأنها إنسانة رائعة وطيبة ومخلصة. أحبها كثيرا وأتمنى أن أحقق أملها وحلمها بأن تراني عروسا فتقر عينها وتسعد كباقي الأمهات. أما السبب الثاني الذي أفترضه هو عمّاتي، شقيقات والدي. إنهن متحررات من قيود مجتمعهن ويمتلكن حرية العمل والخروج والتمتع بالحياة ولم يرضين بالحبس بداخل البيت. ربما بسبب كلام الناس عنهن لا أحد يتقدم لخطبتنا، فما ذنبنا نحن؟ ماذنبنا حتى نتحمل نتائج تصرفات غيرنا ونعاني منها؟ لقد أخذنا والدنا بعيدا عن عماتنا كي لا نتأثر بهن ولا نتعلم سلوكهن، وقد قطع العلاقة بيننا وبينهن فهو يخاف علينا جدا جدا، ولهذا السبب يمنعنا من أمور كثيرة وأغلق علينا الأبواب. أحيانا أفكر بأن والدنا متشدد أكثر من اللازم وأن خوفه علينا غير مبرر، حتى أن حياتنا أصبحت كالسجن، نسمع عن الناس خارجه ولا نراهم وكأننا في عالم غير العالم الحقيقي، فلو كنا نتمتع بشيء من الحرية فنخرج ونتفرج على الدنيا من حولنا لما كانت مشكلتنا كبيرة إلى هذا الحد. فالشعور بالعزلة هو الذي يجعلنا نفكر بأن الزواج هو الحل الوحيد للخروج من هذا السجن، وفي الحقيقة فإننا لاندري هل سنخرج من هذا السجن إلى سجن آخر،مع تغير نوعية الجدران والأثاث، أم أننا سنرزق بأزواج يحرصون على إدخال البهجة على قلوبنا فيأخذوننا معهم لنشاهد الأشياء الجميلة التي لا نراها إلا في التلفاز؟ أعتقد أن هذا الشي هو حلم يمكن تحقيقه فالزواج هو الحل الوحيد والأمل للخلاص من هذا السجن، ولكن لا أحد يفكر بالتقدم لنا. بصراحة .. بدأت أتعب نفسياً، وكذلك أخواتي وأمي، كلما سمعنا بزواج إحدى زميلاتنا أو قريباتنا أو بنات الجيران فالدموع تملأ أعيننا بسبب فقدان الأمل في تحقيق ذلك الحلم الجميل. محاولات لم أبق مكتوفة الأيدي وفكرت بعدة حلول، ولكن للأسف، لم ينفع أي منها وذلك لأسباب متعددة. حاولت مثلا أن أدخل مواقع الزواج على الانترنت، ولكني اكتشفت عن طريق مراقبة بعض المحاورات بأنها مواقع فاشلة وأن أغلبية الشباب يستغلونها للتعرف على الفتيات، فهو يعلم أن الفتاة تكون متلهفة للزواج وهو يلعب على الوتر الحساس فيوهمها بأنه إنسان جاد، وهو في الحقيقة يريد اللهو والعبث. أحمد ربي أن أعطاني البصيرة كي أكتشف هذا العبث قبل التورط فيه، فأنا الحمدلله حريصة جدا من هذه الناحية وأخاف على نفسي جداً ولا أريد التورط. فكرت أيضا بالخاطبة، لكن الوصول إلى الخاطبة هو أمر شبه مستحيل فأنا لم أعرف أيةً خاطبة في حياتي ولا أعتقد بوجود تلك الخاطبة في الحي المهجور الذي نسكن فيه، وحتى لو كانت موجودة، فمن يسمح لنا بالذهاب إليها، أو الاتصال بها؟ فكرت بأن أبحث في النت عن أرقام الخاطبات ولكني خفت، فما يدريني أنها أرقام خاطبات فعلا، فمعظم المنتديات تحظر وضع أرقام الخاطبات لذلك نسيت الفكرة كلها. ربما يستغرب القراء من حكايتي، فقد ترددت كثيرا بنشرها وطلبت من الكاتبة أن لا تتسرع بالنشر خوفا من إساءة الفهم وعدم التقدير. فالقصص التي تنشر في هذا الباب تحوي مشاكل معقدة ولا يعلم صعوبتها إلا الله، ولربما سيظن القارئ بأن مشكلتنا أنا وأخواتي مشكلة بسيطة لا تستحق أن تأخذ حيزا من وقت القارئ واهتمامه، ولكن صدقوني فإن كل إنسان لديه اعتقاد بأن ما يعانيه من مشاكل هو شيء كبير يستحق الاهتمام ولفت الانتباه، فهذه المشكلة على الرغم من كونها لا تعني شيئا للآخرين، إلا أنها بالنسبة لنا ولعدد كبير من بنات بلدنا الحبيب، هي مشكلة كبيرة جداً ومعاناة رهيبة، لأن شبح العنوسة ألقى ظلاله على الكثيرات منا لأسباب كثيرة لا أول لها ولا آخر. وأنا أخاف خوفا رهيبا من فكرة حرماني من تكوين أسرة ومن الأمومة ومن الشعور بأن أحداً في هذا العالم يهتم بي ويحتاجني فيكون لي هدف حقيقي في هذا الحياة وهو رعاية أسرتي والاهتمام بهم وأن لا أقضي شيبتي لوحدي. أنا إنسانة مؤمنة وأؤدي جميع فرائض ربي، ولكني إنسانة وبحاجة إلى دنيا حقيقية انشغل بها وتنشغل بي لتمر سنين عمري وهي تمر بالأحداث الحسنة والسيئة، ذلك أفضل من أن تسير علي نمط ممل رتيب. أتمنى أن يعذرني القراء الأعزاء، وأتمنى أن تكون حكايتي خفيفة على قلوبهم وأن يساندوني بالدعاء، فكل شيء بيد الله سبحانه، هذا أمر مفروغ منه، ولكن الأخذ بالأسباب هو شيء واجب علينا . لا ينصحني أحد بالانشغال بالدراسة فقد حاولت وحاولت ولكني فشلت بأن أبعد فكرة الزواج عن رأسي. كلام أمي وحزنها علينا.. الكآبة التي تشعر بها أخواتي.. كل ذلك جعلني في حالة تفكير مستمرة بهذه المشكلة، فحتى لو درست وتخرجت، كم سيصبح عمري؟ لا أعتقد أن أحدا سيرتبط بي بعد أن أكبر. سامحوني على الإطالة، أتمنى أن أجد حلاً لمشكلتي قبل أن يفوت الأوان. حرب الأفاعي!! أحمد محمد القاهرة - عندما تقدم «سعيد» لخطبة «ميرفت» لم يكن أي منهما يعرف الآخر.. وليس بينهما أي علاقات سابقة ولا ارتباط عاطفي..كما يشترط أبناء هذه الأجيال بأن يكون الزواج عن حب وعشق وغرام حتى يتجنبوا المشاكل الزوجية المستقبلية ويتغلبوا على العقبات المعتادة ولا يواجهون الخلافات التي يرونها الآن بين المتزوجين.. وكانت ترى ان هذا العريس مناسب لها تماما فهو مثلها حاصل على مؤهل عالٍ ويعمل بوظيفة جيدة تدر عليه دخلا لا بأس به.. وشخصيته معتدلة وليس فيه ما يعيب.. ولا ينقصه شيء جوهري تريده.. بل وجدت فيه مميزات يفتقدها الكثيرون من الشباب فهو ما زال في كنف أبيه وأمه وإخوته وأخواته.. نموذج للترابط الأسري والتلاحم العائلي والتراحم.. يقيمون في بناية واحدة يمتلكها أبوه في أحد الأحياء الجديدة.. تجتمع الأسرة في معظم الأحيان على مائدة واحدة لتناول الطعام.. يناقشون مشاكل كل واحد منهم على حدة ويشاركون في اتخاذ القرار المناسب كل منهم يمد يده للآخر بما يملك.. أي لا حدود بينهم فالكل في واحد.. هذا كله جعل «ميرفت» أمام وضع كاد الناس في عصر الإنترنت والمحمول ان يفتقدوه، ويعيش كل شخص لنفسه فقط بعدما تقطعت الأواصر والروابط ولا يفكر كل واحد إلا فيما يخصه ولا يلقي بالاً لمن حوله. أما العقبة الكبرى التي تواجه كل شاب في هذه الايام فهي الشقة.. أو مسكن الزوجية.. الذي اصبح من رابع المستحيلات ويفوق كل الإمكانات.. وقليلون الذين يستطيعون تدبيره.. فحتى هذه المعضلة كانت بلا وجود عند «سعيد» إذ أن أباه قد خصص له شقة في البناية التي يمتلكها.. كما خصص شقة لكل واحد من إخوته.. هذا كله جعلها تسرح بخيالها في زيجة غير تقليدية.. وحياة مختلفة.. فيكفي أنها ستبدأ حياتها داخل أسرة كهذه لن تشعر فيها بالغربة ولن تجد فيها ما يعكر الصفو.. بل إن كثيرات من قريناتها وزميلاتها كن يغبطنها على هذه الزيجة ويطلبن منها أن تدعو لهن بأن يرزقهن الله مثل ما رزقها، بل إن إحداهن زادت في مزاحها معها وطلبت منها أن تتوسط لها عند هذه الأسرة وتخطبها لواحد من أبنائها وتزكيها عندهم. كان هناك أيضاً توافق بين أسرتي «سعيد وميرفت» يسر لهما الاتفاق على التفاصيل من مهر وشبكة وأثاث وغيرها، وفي احد الفنادق تم الزفاف وانتقلت العروس إلى بيت زوجها أو أن شئت فقل إلى بيت أسرة زوجها.. وان كان شهر العسل تقليديا وقضاه العروسان في المنزل بين استقبال المهنئين من الأهل والأقارب.. إلا أن العريس استطاع أن يختلس بعض الساعات ويصطحب عروسه في نزهة هناك او هناك.. بين جلسة عاطفية شاعرية على نهر النيل بجانب الماء والخضرة وثالثهما الوجه الحسن لعروسه.. وبين مسرحية كوميدية أو فيلم جديد.. بالإضافة إلى ساعات الخلوة التي تجمعهما في عشهما.. وكانت تشعر «ميرفت» بمزيد من السعادة عند عودتها حين تتلقفها شقيقات زوجها ويمطرنها بوابل من الأسئلة حول التفاصيل الدقيقة والمملة عن الوقت الذي قضته مع عريسها خارج البيت.. كانت تنظر إلى تلك التساؤلات على أنها نوع من الاهتمام.. لكنها في أحيان كثيرة كانت تخرج من هذا الإطار إلى التجسس عليهما والوقوف على كل ما يفعلانه حتى لو كان غير مفيد.. بل تطور الأمر بعد شهر العسل واستمرت هذه التساؤلات تنهال على رأسها وعلى رأس زوجها عند كل تصرف مهما كانت.. حتى بدأت تضيق بهم إذ وجدت نفسها محاصرة وأن هذه الأسئلة إجبارية يجب الإجابة عنها. انغمست «ميرفت» في أسرتها الجديدة.. تتناول معهم كل الوجبات.. وتقضي معهم معظم الوقت.. حتى زوجها كانوا يحتجزونه معهن بعد صعودها لشقتها فانقلبت المميزات التي كانت تنعم بها إلى منغصات.. إذ لم يعد لحياتها أي خصوصية.. وليس لها رأي أو دور في اتخاذ أي قرار.. بل إن حماها وحماتها كانا يقدمان رأي بناتهما على رأيها.. خاصة الحماه التي أصبحت تعيب على زوجة ابنها كل فعل أو أي شيء تقوم به.. وتبدي تبرمها منها.. وفي الوقت الذي توجه إليها النقد الحاد اللاذع.. تقارنها ببناتها وتضفي عليهن القدسية مع الثناء عليهن والتباهي بكل ما يفعلنه صغيرا كان أو كبيرا.. كل ذلك جعل «ميرفت» تضيق بحياتها وتشعر أنها لم تصل حتى لدرجة خادمة خاصة أن زوجها لا يتدخل من قريب أو بعيد ليحافظ على كرامتها، وربما كانت ترى في عينيه موافقة على ذلك. لم تعد الحرب خفية.. بل معلنة تماما، إذ بدت الغيرة من الحماة وبناتها من زوجة الابن التي يرون أنها على الرغم من كل ذلك - استأثرت به ولم يعد ملكا لهم كما كان قبل زواجه.. وتم إعلان العداوة للتخلص من هذه الزائرة «الغريبة» التي غزت بيتهم واستحوذت على ابنهم.. وبالغوا في اختلاق المشاكل والخلافات معها لإجبارها على ترك المنزل والعودة إلى بيت أسرتها لكنها تحاملت على نفسها وتحملت كل المضايقات حتى لا تعود إلى أهلها مطلقة بعد عام واحد من الزواج، وزوجها مغلوب على أمره تحت مسمى الارتباط الأسري الذي يتذرعون به للتخلص منها.. وكلما ابتدعوا وسيلة ووصلوا إلى حيلة..زاد تحملها والتغاضي عن أفعالهم حتى وصفوها بالبرود لانها لم تعلن الثورة ولم تغصب ولم تنفجر في وجوههم كما كانوا يخططون ليجدوا سببا مقنعا لطردها.. بل زاد غضبهم لأنهم شعروا بأنهم فاشلون في تخطيطهم وتدبيرهم. بعد هذا كله لم يستسلموا ولم يفقدوا الأمل في الوصول إلى تحقيق هدفهم.. وقرروا «الكفاح» من أجله.. عقدوا الكثير من جلسات العمل والتفكير والتدبير والتفنن حتى قرروا استخدام طرق مختلفة وجديدة وفعالة.. ومؤكدة النتيجة وهي أن يجعلوها تكره البيت ولا تستطيع الإقامة فيه.. وأن يزرعوا الرعب والخوف في نفسها في كل لحظة في نومها ويقظتها وفي حضورها وغيابها.. فعندما عادت من العمل بعد يوم شاق.. وتوجهت إلى شقتها لتبديل ملابسها والنزول إلى الطابق الأرضي لتناول الغداء معهم في الطقوس اليومية المعتادة.. ارتمت فوق سريرها لتلتقط أنفاسها وتستعد لمزيد من التقريع على المائدة.. وإذا بها تقع على شيء يتحرك تحت ملاءة السرير.. ففزعت واقفة.. وشدت الملاءة لتتبين ما تحتها.. فإذا به ثعبان يتلوى.. كادت أن تفقد الوعي وان يتوقف قلبها. لم يكن أمامها غير الصراخ الهستيري وهي تسابق الريح بخطوات متلاحقة على السلم هربا من الثعبان.. لكن المفاجأة أنها عندما وصلت اليهم في الطابق الأرضي لم يحرك مشهدها هذا عندهم ساكناً ولم يحاولوا تهدئتها أو حتى الاستفسار عما حدث.. بل إن إحدى شقيقات زوجها كانت تضحك عليها وتتندر من خوفها من «ثعبان» مما جعل الجميع ينفجرون في الضحك.. ويحولون الموقف إلى مهزلة هي بطلتها.. شعرت أن كرامتها قد جرحت وأن الإهانة كبيرة.. خاصة بعدما علمت أنهم وراء هذه الفعلة الشنعاء.. لم تستطع العودة إلى شقتها وعادت إلى بيت أبيها حتى جاء زوجها ليعيدها وعلى الرغم من كل ما حدث أبدت استعدادها للعودة إليه فهو لا ذنب له فيما يفعلون.. كان مطلبها الوحيد أن يعد لها مسكنا خاصا بها وبعيدا عنهم لتعيش حياتها وتشعر بحقوقها في الإقامة بحرية مع حماية خصوصياتها.. لكنه فاجأها بعدم قدرته على ترك أسرته.. فهو أكبر الأبناء ولا يجوز أن يعلن الانفصال والاستقلال في هذا الوقت فقطعت معه الكلام.. وتوجهت إلى محكمة الأسرة تطلب خلعه.. ولم يكن أمامها غير هذا الطريق لتعود إلى بيت أسرتها وتندم صديقاتها الآن على أنهن في لحظة تمنين أن يكن مكانها أما الآن فلا.. لقد كن مخطئات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©