الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء الخشبة ورجالاتها

نساء الخشبة ورجالاتها
9 ابريل 2014 20:53
محمود عبدالله كتاب «رواد المسرح والرقص الحديث في القرن العشرين - النظرية والتطبيق» للدكتورة مجد القصص الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، من المراجع المهمة كونه، وبحسب التقدمة التي وضعها الكاتب والناقد فيصل درّاج، يحتفي بالمسرح مرتين، مرة أولى وهو يعرض بوضوح تجارب مسرحية عديدة في القرن العشرين، ومرة ثانية وهو يقدّم معرفة ضرورية للمهتمين بالثقافة بعامة، وبالمسرح وقضاياه خاصة. يقول الكاتب: «في الحالتين، لا إمكانية لتعامل مسؤول مع المسرح إلا بمعرفة مسرحية، فهو حقل فني متميز له موضوعه وأدواته ووسائله الفنية، وهو إبداع له نظرياته وسبل تقويمه التي لا يمكن اختصارها إلى انطباعات عامة، يتوجه الكتاب بهذا المعنى إلى المختصين في فن المسرح، ويتوجه أولاً إلى الاعتراف بالمسرح ككيان فني متميز الملامح والشخصيات. بيد أن تميّز المسرح من حيث هو ممارسة فنية لا يحجب امتداده في فنون أخرى وامتداد الفنون الأخرى فيه، موسيقى كانت أو رسماً أو غناء، وهذا التكامل الذي لا تكون الفنون إلا به، هو الذي جعل هذا الكتاب يوحّد بين المسرح والرقص»، مشيراً إلى العلاقة بين التربية والإمتاع، وبين التربية الممتعة وتوق الإنسان إلى الحرية وفضاء الانطلاق. جاء في مقدمة الكاتبة الكثير مما يمكن استخلاصه حول أهمية كتابها، ومن ذلك التركيز في قضية الممثل والتمثيل الخلاّق عند خمسة عشر مبدعاً من رواد المسرح وفن الرقص في القرن العشرين. وترى الدكتورة مجد القصص أن من الأهمية بمكان الجمع بين مبدعي المسرح والرقص في كتاب واحد من منظورات مختلفة: «أما فيما يتعلق برواد الرقص الحديث في القرن العشرين ولماذا جمعتهم في كتاب واحد مع رواد المسرح، فمن الجدير بالذكر أن الاثنين قد تأثرا ببعضهما بعضاً، فالسيدة (إزادورا دنكن) على سبيل المثال كانت قد تأثرت بكل من قسطنطين ستانسلافسكي، وإدوارد جون غريج، وكذلك نرى أن فلاديمير ستانويسكي، قد تأثر بشكل واضح بجيرزي جروتفسكي، فكان لا بأس من جمعهما معاً حتى نرى أن الفنون تتكامل، علما بأن بداية المسرح عند الإغريق بدأت برقص الديثرامبوس قبل الكلمة، ولاحقا أتت الأعمال الكلاسيكية القديمة الخالدة عند كل من إسخيلوس وسوفوكليس وغيرهما. هذا من ناحية، ومن جانب آخر فإن إدراج الرقص الحديث في الكتاب له سبب آخر، حيث إننا في العالم العربي لا نعرف إلا القليل عنه، باستثناء الأقلية التي تعرضت للثقافة الغربية من خلال الدراسة أو السفر أو مشاهدة الأفلام الغربية، والسبب في قلة المعلومات عن هذا الموضوع كما في غيره، يكمن في قرارات تتجنب المكاشفة الثقافية وخشية المواجهة المباشرة خوفا من أو درءاً لمفاهيم اجتماعية قائمة تنقص من قيمة فن الرقص وتضعه في زاوية الترفية المعيب». إدوارد جوردون كريغ استهلت الكاتبة حديثها عن الرواد بالفنان الإنجليزي «إدوارد جوردون كريغ 1872 - 1966»، متناولة سيرته الذاتية، ومنجزاته، وأهمها ما تعلق بمناهضته لكل من الواقعية والطبيعية في المسرح، ومن ثم شهرته في تصميم الديكور والملابس والحركة على المسرح، كما انشغاله بقضيتين رئيستين هما: الممثل واعتقاده بقوته الإبداعية، وكذلك تبنّيه لفكرة أن النص المسرحي لم يعد هو المسيطر على خشبة المسرح ومن ثم تأكيده على أن المخرج هو أصل العملية الإبداعية في المسرح وله السلطة الأولى والنهائية في تشكيل العرض على الخشبة، وتخلص في النهاية إلى أن كريغ هو مؤسس المسرح الابتكاري الخلاّق، وتقول: «كما أن المسرح الابتكاري الخلاق والذي ما تزال كثيرة من الفرق أمثال فرقة بينا باوش الألمانية ومسرح بيتر بروك الذي يعمل حتى يومنا هذا، وفرقة 8 في دي، لمؤسسها لويد نيوسن الاسترالي الذي يعمل في إنجلترا حالياً، كل هذه الفرق ومنهجها ما هو إلا نتاج فكر جورودون كريغ». إيزادورا دنكن المبدعة الثانية هي «إيزادورا دنكن 1878 - 1927» الأيرلندية الأصل والأمريكية المنشأ، وواحدة من أهم الرواد الذين أسسوا مدارس الرقص الحديث والمسرح الراقص في العالم، والتي فقدها عالم الإبداع إثر حادثة مأساوية قد يعرفها البعض من خلال مشاهدتهم لفيلم (إيزادورا) التي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية المخضرمة «فانيسا ريديغريف». تحدثت الكاتبة عن تأثيرات المسرح الإغريقي في عملها، وتأثر البيئة الطبيعية في تجربتها والإفادة من القيم والأشكال الفنية المعاصرة: «قامت دنكن بعد ذلك بتطوير أسلوبها ليصبح مستمداً من منحوتات معاصرة للتعبير من خلال الجسد والإشارة والإيماءة عن مفاهيم مرتبطة بالحرية، فعلى سبيل المثال في إحدى رقصاتها، عام 1915، قامت باستعارة وضع المرأة المجسدة لتمثال الحرية في نيويورك مستخدمة جسدها كوسيلة للتعبير عن حركة هذا التمثال الذي يجسد قيما متعددة للأمريكيين تتعلق بالتحرر والحرية والأمومة وغيرها. وتعرفنا الكاتبة بالمبدع السويسري (أدولف آبيا - 1862 - 1928) الذي نجح عبر مسيرته في وضع مجموعة من النظريات في طريقة التعامل مع خشبة المسرح، وتخلص في نهاية الحديث عن تجربته أنه كان واحدا من أهم من أكدوا أن الإضاءة هي لغة مسرحية بحد ذاتها، لا تقل أهمية عن اللغة المنطوقة أو اللغة الموسيقية. ماري ويغمان من الشخصيات المهمة التي يتناولها الكتاب (ماري ويغمان 1886 - 1973) الألمانية الأصل، إحدى رائدات الرقص الحديث في بدايات القرن العشرين، فهي في تجربتها، بحسب الكاتبة، تدلل أن «الرقص هو رد فعل جسدي للتجربة الإنسانية، حيث إن البهجة والنشوة الروحية تقوم بتحويل خطوات الإنسان إلى خطوات راقصة، لقد قدمت لوحات كثيرة تدعو إلى الحياة ومنها لوحة بعنوان (مقدمة احتفالية) عام 1926، وأخرى بعنوان احتفال عام 1928، وثالثة بعنوان رقصة الأمومة 1934، ولكن لم تكن البهجة مصدر إلهامها الوحيد، بل كان للمصائب التي حلّت بأوروبا، أثرها في أعمالها ومحاولتها اكتشاف النطاق المظلم والداكن للعواطف البشرية». كما تناولت القصص تجارب كل من: برتولد بريخت، قسطنطين ستناسلافسكي، فيسفولد ميرخولد، مارسي كننغهام، مارثا غرامام، جيرزي جروتوفسكي مؤسس المسرح الفقير في بولندا، فلاديمير ستانويسكي، آنا هالبرن، وهي من أشهر الفنانات الأميركيات اللواتي ما زلن على قيد الحياة ويقمن بدورهن في إغناء حركة الرقص الحديث من حيث التدريب وتخريج أجيال جديدة تهتم بهذا اللون الصعب من فنون الحركة البصرية، وتطرقت الكاتبة إلى تجربتها في استخدام الرقص كعلاج من مرض السرطان، وتقول عنها: «يبقى أن أذكر كيف أن هالبرن قد نجحت في التعاون مع أكثر من عشرين فرقة عالمية من خلال تقديمها مخطط رقصة (السلام ليقوموا بالتدرب عليها وتقديمها للجمهور المعاصر، بحيث يأخذ الرقص حسب منهجها دوراً إنسانياً، يلعب على طريقته في تطهير النفوس من شرور صناعة الدمار والحرب». بيتر بروك في الكتاب أيضاً حديث شائق وممتع عن كل من الفنان جاك لاكوك، بينا باوش، يوجين باريا، وأخيراً عن المخرج والممثل والمصمم البريطاني الشهير (بيتر بروك - مواليد عام 1925) أحد أعلام المسرح في القر ن العشرين وصدر عنه جملة كتب أهمها: المساحة الفارغة، النقطة المتحولة، وهنا تحاول الكاتبة استنباط الكثير من تجربته حول تدريبات وإعداد الممثل، كذلك الأهداف التي سعى إلى تحقيقها في المركز الدولي لأبحاث المسرح، حول ثلاثة أقطاب: الطاقة، الحركة، العلاقات المتداخلة مع الممثلين، والعلاقة مع النص والعلاقة مع الجمهور في صالة المسرح. يقول أحد ممثلي بيتر بروك: «إن بروك يرفض أن يجلس ممثلوه في غرف الاستراحة، ويطلب منهم الوجود الدائم بين الأجنحة على المسرح أثناء سير العرض، حيث يستطيع كل واحد أن يشاهد كيفية سير التتابع الزمني لحين دخوله إلى خشبة المسرح حتى لا يفقد التواصل». هنا يستطيع الدارس لبروك أن يستشف أن ديناميكية العلاقة بين الداخل والخارج (الشفافية)، التي تبرز دائما نفسها عند بروك في كل المستويات بداية من إحساس الممثل بدوافعه، ودوافع الآخرين لميثيولوجيا الكشف عن الطبقات المخفية في النص، وانتهاء بتطوير الشخصية الذي لا يعتمد على الذاتية. كتاب الدكتورة مجد حمدي القصص في الواقع يحمل هامشاً جديداً في مسألة النبش في سير بعض المبدعين الذين لم تستوف حقوقهم في القراءة والتحليل، كما أن قراءتها بهذه الطريقة البديعة من التناول والطرح والمقاربات والتوثيق والتحليل الوصفي في أكثر المواقع يجعل من كتابها مرجعاً إضافياً ونوعياً في مجال الرقص والمسرح للمكتبة العربية التي تفتقر إلى مثل هذا اللون من الكتب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©