السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معيريض.. أول الوجد وآخر الوجود

معيريض.. أول الوجد وآخر الوجود
9 ابريل 2014 20:44
منذ الوهلة الأولى، منذ تفرع الأشجار وخروجها عن الطوق.. منذ أن استيقظ الهائم على وجه القوارب، كانت هناك لوزة ترشق العصافير بالدهشة، كانت العصافير تلملم أجنحتها عند فرع معقوف وتسرد النشيد كونياً. لا أحد يقف بمحاذاة اللوزة في الليل، الظلام يخلق أساطيره ويحفر في الذاكرة أخاديد الخوف، امرأة وحيدة عند كل مساء تفتل ضفائرها في العتمة وتناديها الجارات «بالخبلة».. تضحك كثيراً، بل تهزأ بالعقلاء الذين عرفوا الحشمة من أفواه تواريخ متلاطمة، والأيام كأنها بائعة «النخي» تضع اللحظات في صُرر، ثم تقذفها في بقجة أحلام أشبه باليقين المختبئ في معطف صوف عتيق. منذ ذلك الفرح والعفوية تتلاشى تحت غلاف عاصف يذر الغبار ويمزق غشاء السماء كأنه السكين في قلب منتحر بذيء. معيريض... عرفت الحزن كائناً يتمشى على التراب ويحثون العيون حثالة الركض بلا معنى... معيريض... عرفت الفرح أحفورة قديمة غصت بها الحناجر دون أن تنجب ابتسامة بلون أوراق اللوز أو حتى بريق الأزرق في شرايين الماء المالح. هنا تمرّ سفن، وأخرى تعبئ الأحشاء بالوهم لكن الشاطئ لم يزل يزخر برائحة العرق ودهن الأجساد المنقوعة بالتعب. هنا النورس لا يباغت السمكات بالألم. لا ينثر خوفه في أفئدة المحار. الأشياء هكذا تبدو واهنة تتداعى كأنها الأحلام المطلقة من قيد مكبوت سمج.. هكذا تمارس المحارة المعزولة عادتها المخضبة بلذة التصور، وتقذف بشهد الحياة عند السواحل المضطربة.. هكذا تغار المرأة عندما تتخلص المحارات الأخرى من ملابسها الداخلية، وتبدو في العري نخلة تتجرد من قوانين العيب، وما شابهها من أحافير الكون القديم. معيريض... من أول الوجد حتى آخر الوجود وبداية كنتِ الفيلسوف الذي ضل طريق الفلسفة، فاحتسى من كأس الخيبة مندساً في معطف الانكفاء الأزلي فغاب السؤال واختفى الموال حتى صار النشيد حشرجة في حناجر الطير، وخشخشة في أحراش تربة متوعكة. نافلة وفرض معيريض... مثل غيمة انسحبت على رصيف السماء ثم تداعت كأنها تبحث عن قطراتها المخطوفة ولم يستيقظ على الضجيج إلا طائر النورس الباحث عن أنثى متمردة غابت في العتمة، وانساب الصباح كالسيل العرم يخدش حياء الوديان والوجدان ويصب مداه في حدقة النهار.. النهار، ومعيريض نافلة وفرض، قافلة وغرض، والزلزلة على فروع الشجر أشبه بدغدغة تداعب طفولة باكرة. معيريض... في الوجد جدِ وجديد واستجداء يمجد حالة الذاكرة المثقوبة ويهدر ما فاض في الوعاء من بقايا صور ومشاهد، كانت بالأمس هنا، واليوم تهيم في براري النسيان كأنها القشة الضائعة.. كأنها الفراشة الهاربة من فيض الفراغات الواسعة. معيريض... معلم وهرم وقلم وخير الكلم. معيريض... القيمة والنجمة والخيمة والأبعاد المتراكمة على رمل الذاكرة. معيريض... الألم اللذيذ يفتح جرحه وفرحه ولا تشيخ الصورة رغم الغبار والسعار وسوء وضح النهار. معيريض... كأنها المرأة الفارعة تحلم بالجواد الملهم وتنتمي إلى نفسها وتغص بريقها لجفاف في الضفاف ولحرقة في المعنى ولغياب المطر الذي يزرع عشبه في الأفئدة ويروي العروق بالماء الفرات. معيريض... الوعد والبعد والسهد والرعد والنهد والخد، وكل ما يخصب الكلمات ويبلل ريق العبارة ويزخر بالأحلام، عندما تكون الأحلام علامة فارقة ما بين الحياة والموت. معيريض... التي لا تموت أشجارها ولا يجف بحرها رغم الشراسة في الجزر، رغم الفراسة في ذهنية الطير المتضور، ورغم كل ما يجيش بخاطر المحارات الهلوع. معيريض... تغدق المطر بالمطر وتلحف الغيمة بالغيمة، وتضيء وجه النجمة بالغيمة، ولا تنوء إلا بثقل الذين يذهبون ولا يعودون، والذين يغادرون الحلم ولا يستيقظون والذين يصحون باكراً، وفي عيونهم دمعة تلمع بخيوط الفراق، والذين يتركون المأوى بصرير يضج بالخواء، والذين يعزفون عن تلاوة ما تجليه الروح عن الروح وما يسفر عن لوعة في المهج. معيريض... لست أنت البندقية ولا اللاذقية، لكنك شيء من ثمار الجنة يتساقط جنياً عندما يفكر النهار في أن يرسل خطابه الأخير عن آخر قرية في العالم، بقيت جدرانها تعج بالصمت، وصارت أبواب منازلها أشبه بالعيون المسغبة. معيريض... كأنك الوحي المؤجل أو كأنك الرسالة المخطوفة من يد نبي أو كأنك الخطاب المغلف بشمعة كتاب «الأمير»، كأنك الجبل راودته الأقدام الحافية عن رغبة كامنة فأنتِ الصخور إلا أن تكون كحد السكين، كأنك تمثال لبوذي قديم يتهاوى بعقل الزمن.. أو بأشياء أخرى لم تخطر على بال بشر. معيريض...: مثل لوحة تذكارية عند رصيف محتدم برطوبة خانقة تلملمين ثوبك المنحني على التراب وتذهبين بالمعاني لعل عيني ترى، أذناً تسمع، ولعلكِ تتخلصين من أزقة ضاقت بكائنات أشبه بالأشباح والأرواح الخفية.. معيريض... ماذا يعني أن تسبح قرية على فراغ لا نهائي وأن تمشي السفن على رقعة يابسة وتنام الطيور بلا غصن يدفئ الأجنحة. معيريض... كوني كما تكونين ولكن لن تكون الذاكرة سوى دفتر يخبئ بين أوراقه خربشة الصغار وصوراً تناهت في الكِبر ولم يبق سوى جبين ما بين تجاعيده تكمن قطرات العرق، وسحنة نحاسية في غاية التجذير.. اسمٌ في القلب معيريض... قلب ودرب وصخب وصحب وخصب وسرب وطريق يضج بهمس الكاعبات اللواتي لوّن الحياة بالورطة اللذيذة. معيريض... كأنك سحابة تمر على القلب بلا مطر فيجف العشب ولا تموت الجذور وتبقى الطيور بلا أجنحة، والبيوت أضرحة، تتهجى أسماء الذين غابوا والذين لم يحفظوا درس المجيء، الذين تلعثموا حين قراءة شعر بن ظاهر وتلاوات بن ماجد العريقة. معيريض... كأنك موجة مرت على ساحل أغر لونته بالزبد ثم راحت تتعكز على عصا الخذلان مقتفية أثر المراكب والمناكب والسواكب ورائحة «الصل» لم تزل تعبق في الأنوف و«الودك» يغسل الفراغ بدهن الأواصر القديمة.. معيريض... مثل قطرة في وعاء التضاريس نسخت الملوحة من رواية العيون المحملقة في نضوبها، الباقية كأنها أخاديد في جسد هامد.. معيريض... التي تفوح من أزقتها رائحة القطط المذعورة، وحكايات ترصفها ألسن مبعثرة في تجاويف لغات مبهمة. معيريض... لا ينساك الصمت حتى وإن ضجت ساحقات الأسفلت بصرامة الحمقى. معيريض... لا يذكرك سوى موقد لم يحرق بعد حطب النار ولم تطفر قدوره برغوة الأرز المفعم بأقفاس امرأة عكفت على قراءة الحبات الدقيقة حبة حبة، وحفنة حفنة.. معيريض... القديمة قدِم الوجود والفهود التي اكتظت برعشة المساءات المذهلة. معيريض... القديمة قِدم العيون التي حدقت في السواعد السمر حتى بللت الوجنات بقطر الندى ثم سبحت في خيال الأنوثة المبجلة محتفية بالكامن الرهيب بلا وجل أو خجل لأنه الكائن المقدس. معيريض... معيريض... معيريض... اسم تلهج به من وقفت عند حافة الشوق وأشعلت النيران في مواقد الوجد محملة بأوزار التاريخ وما فعلته التضاريس حين شاخ البحر وانحسر ثم انتحر، ثم كتب «رسالة الغفران» نقلاً عن رهين المحبسين، وما فتئ يقرض الشعر كأنه شاعر ملهم من أثر الولوج في غياهب التحسر. معيريض... ماذا يحدث تحت سقف الخيمة، فالعشاق كثر والأشواق طيور تغرد الأجنحة وترفرف عند أغصان القلب والقلب يفرش أوراقاً مبللة بالحنين، والحنين أسطورة الذين جاشوا ولم يتحاشوا عثرات الأزقة الموحشة. معيريض... ماذا يحدث في مساءاتك الناقمة على تراب وضباب، ماذا يحدث للغة الطيور الهائمة، ماذا يحدث حين يكون الصمت أحفورة قديمة تغرس أظفارها في فروة الرأس وتمضي في العميق حتى ينبت عشب التذكر، واستدراج زمن أصبح كالسفينة الهاربة من موجة عارمة.. معيريض... أنت مثل الفيلسوف الذي يقول: «نحتضن كل شيء ولا نملك إلا الهواء» والهواء في أرجائه ملمة مثل جسد امرأة غاربة هاربة من معنى الارتواء. معيريض... أراك الآن تغسلين ثوب العفة وتغتسلين من رضاب وخضاب وما بلل الروح في لحظة الانتماء إلى الوجود، لحظة الانتهاء من جود جاد به القلب وجوّد به الجسد.. معيريض... كلمة مثل شامة على وجنة أنثى تشابهت مع الكمال جمالاً واحتمالات أن تكون في القدسية أيقونة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©