الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغد لمن يصنعه اليوم

الغد لمن يصنعه اليوم
9 ابريل 2014 20:43
«الغد لمن يصنعه اليوم».. هذا هو شرط الاستمرار اللازم. في زمن لم تعد فيه هناك فسحة من وقت للوقوف. كي تغير واقعك فأنت ملزم بأن تفكر وتعمل لتغير وأنت تركض، وإلا اجتاحتك عجلة عملاقة هوجاء لم يشهد لها التاريخ سابقة، مع عصر هيمنة قوة المال والمعلومات والاتصالات التي تدعم القوى العالمية المتمثلة في النخب الرأسمالية الممثلة لثقافة العصر، والساعية أبداً إلى تكريس مصالحها بفرض هيمنة شمولية على الثقافات الأخرى. ما زلنا نشغل باجترار قضايا وإشكاليات تحصر العقل العربي ما بين الأفكار الميتة التي يتم تحريكها من داخل التراث، والأفكار الميتة التي يتم استيرادها من الخارج. ويتم اختزال المواضيع وتغليب المفاهيم السياسية، وربط كل عناصر الإصلاح بها مع تجاهل بقية الأبعاد والمكونات. نشغل عن أمور جوهرية، مثل فقدان المشروع القومي أو الحلم الوطني أو مفهوم الدور الحضاري، ونبعد أكثر وأكثر عن استشراف المستقبل والتخطيط له، ويكون فقدان الوجهة واختلاط الأولويات متعمداً. سمر الشيشكلي سيكون الحديث في هذا المقال مركزاً على عنصر هام واحد من عناصر المجتمع العربي المهمشة، وطبعاً هناك، العناصر الأخرى (مثل العناصر المبدعة مثلاً) التي نأمل في تناولها والحديث عن واقعها في مناسبة أخرى. ثمة شعور يخامرنا في كثير من الأحيان أن هناك مؤامرة لهدم الذات (مع أن الكثير من المثقفين يترفعون عن الإيمان بها) وذلك بطرق شتى، منها عرقلة عملية تعاطي الأمة مع الواقع، عن طريق أساليب عدة، لإهدار طاقات الأمة، عن طريق إزاحة عناصرها الواعية أو شرذمتها، بالتهميش والقمع بمختلف أشكاله وأساليبه، واستلاب الحريات الفاعلة ضمن مخطط يؤثر في حياة الفرد في جميع أطوارها. تبدأ بالحط من قيمة الفرد بطرق فنية، بقصد الغض من قيمته الإيجابية، وتحطيم القوى الكامنة فيه كي يستمر في معاناته في عدم الوصول إلى تحقيق عناصر بناء حياته (شراء، بيع، سفر، تعليم، سكن، كتابة، قراءة، لقمة عيش....) إلا بشق الأنفس، من خلال شبكة دقيقة مسمومة تنشر من حوله الأفكار المحطمة لقيمته والمعرقلة لمصالحه، فلا يبقى سبيل له لأن يحيا إلا بالقدر الذي رسم له. يجري هذا على أبناء الوطن كلهم رجالاً ونساءً. وتشكل المرأة نصف هؤلاء الأبناء الذين لن تتم نهضة حقيقية بدونهم. وما واقع المرأة العربية الحالي إلا نتيجة لواقع الأمة بكاملها. وليس تحليل الواقع المر بسرده بلغة مرة هو المنهج السليم، بل بمعرفة المرض لتشخيص العلاج الصحيح. جذور التمييز تدرك الغالبية من النساء المثقفات إيجابيات اختلافهن مع الرجل كعنصرين إنسانيين يكمل أحدهما الآخر. وتعي أن هدفها من مطالبتها بالحرية والمساواة العادلة ليس التحلل من الواجبات العائلية وتفكيك الأسرة كبنية اجتماعية أولى، يقدر ما يكمن في أنها تريد أن تكون إنساناً يرفض الوأد والتهميش، للسعي إلى العيش المتكامل مع الرجل، وليس للعزلة عنه أو لعكس معادلة اللامساواة. ولكن تقصينا أصل هذا التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين، بنيّة شرح الاختلاف بين منطلق المبادئ الإنسانية العادلة التي يخاطب فيها القرآن المرأة وبين الثقافات المحلية التي شكلتها ممارسات تاريخية، لا تمت للأصول الثقافية بصلة، من قبيل الموروثات والتقاليد الاجتماعية التي يرجع بعضها إلى عادات قبلية تنتمي لعصور الجاهلية، وأخرى وافدة دخلت مع بعض المؤثرات الثقافية للمجتمعات التي دخلت الإسلام فيما بعد (المجتمع الإغريقي ونظريات أرسطو عن دونية جنس النساء عن الرجال من النواحي البيولوجية والنفسية والعقلية، ومثلها نظرة كل حضارات البحر المتوسط للمرأة)، التي أصبحت تؤثر في كيفية فهم النصوص وتطبيقها، ومن ثم استبطانها داخل الخطاب الديني وكأنها جزء من الدين الذي لا يصح الاقتراب منه أو مناقشته. والأمثلة كثيرة على أرض الواقع، استغل فيها المقدس لضمان سلطة وهيمنة الرجل في كل مواقعه المشرفة على حياة المرأة، منها: عدم إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح في البرلمان في بعض البلاد، أو منعها من قيادة السيارة، أو الزواج بالإكراه، والحرمان من التعليم والعمل، أو العنف، أو منعها من الممارسات الفعلية الخاصة بحرية واستقلالية في ذمتها المالية مثلاً، أو اغتصاب إرثها الشرعي أو العضل، وذلك لتقديم تنازلات، ثم التفاوت في قانون العقوبات بين الرجال والنساء أو التراخي في تنفيذ أحكام الأحوال الشخصية، ثم التشدد في سن التشريعات التي تقيد حركتها وتفرض السيطرة عليها، وتميز بين الرجل والمرأة حتى في المعيار الأخلاقي والسلوكي. وما يغفر للرجل من زلات لا يمكن أن يغفر للمرأة، وما يحق للرجل لا يحق للمرأة بحجة أنها حصن التماسك الأسري، ووعاء حفظ منظومة القيم التقليدية والمعنوية للمجتمع، وبحجة حفظ نقائها بعيداً عن التلوث القيمي والأخلاقي في تعاملات الخارج. ولكي يظل هذا النقاء يؤدي وظيفته استلزم عزله وحجبه والتقرير بعدم صلاحية رمزه، أي المرأة، وذلك للبقاء في الخوض بما هو عام وإلا فقدت هذا النقاء. حتى تقسيم الحياة إلى حيّزين تقسيماً صارماً، الحيز العام خارج المنزل، والحيز الخاص داخله، وتحول هذا الفصل إلى ما يشبه الأيديولوجية التي يتم فرضها في شكل أسلوب حياة مسلم به، لم تفرضه الشريعة. وقد ندهش حين نعرف أن هذا التشكيل الاجتماعي بالتحديد قد رصده الدارسون أيضاً في المجتمع الغربي، مع بدء انطلاق مرحلة التصنيع. وإذا كان في إرجاع الدافع النفسي للذين يطالبون بإخراج المرأة لسوق العمل بانفلات ما للغريزة، فإننا لن نجد غرابة في إرجاع الدافع النفسي لأولئك الذين يتمسكون بإبعاد المرأة عن المجتمع، ويصرون على ضرورة إبقائها في سجنها التقليدي، حيث تبدو الغريزة نفسها الدافع الأساس أيضاً. وقد يكون في منعها مسوغ خفي لما يستقر في نفس الرجل من الخوف على أنثاه، في أن يشاركه فيها غيره. من هنا فهو يبدو يدافع عن أنثاه، متجاهلاً تكليفها الديني المباشر الخاص بها وحدها، في مسئوليتها عن سلوكها أمام الخالق. وهكذا نرى أن كلا الفريقين قد يخرج برأيه من اعتبار مرفوض. لا إفراط ولا تفريط لسنا مع استسهال القبول بتقليد حال المرأة الأوروبية التي خرجت لسوق العمل، وهي في حالة لا تحسد عليها. فمشكلة المرأة الأوروبية خطيرة حتى في ذهن المرأة ذاتها، فكيف تتحقق كمثل أعلى، خلقي وجمالي لحضارة فقدت أو كادت، تنظيمها الاجتماعي، وقد تركت في حرية مشؤومة، غيبتها عن حضور حقيقي عادل في مجتمعها في معظم الحالات. الأمر يجري بين المرأتين، العربية والغربية، بين إفراط وتفريط. إن ظاهرة استلاب المرأة وتغريبها عن دورها الفاعل أعقد من أن نلصقها بالفكر المتأخر الرجعي المحافظ، أو من أن نضع نقيضه (العلمانية التقدمية)، كطريق مضمون إلى الحل. ولا بد لنا من أن نعي ونعترف بأن النخب العلمانية محدودة الحجم والتأثير، في مقابل قاعدة عريضة من الشعوب العربية التي تعرف نفسها في إطار الرؤية الدينية، مسيحية كانت أم إسلامية. لا بد من أن دراسة المشكلة بموضوعية وعلميه لا يناقض الدراسات النسوية التي تهدف إلى كشف آليات القهر والتمييز والدعوة إلى التحرر منها. ورغم حقيقة أن رؤى بعض النسوة في التشريع الإسلامي قد همشت ولم يسمح لها بالتأثير في التشريع الذي قام عليه الرجال دائماً، واتهمت فيها محاولات المرأة بالمطالبة بما هو حق لها بالاسترجال، حتى غدا تفهم الرجل لمشكلات المرأة تهمة بالخنوثة أو بالتبعية الفكرية، وضعت قيمتهم موضع الشك. وفي كل الأحوال، فإن الحرية تؤخذ ولا تعطى. بمعنى أن المرأة معنية بدراسة واقعها، من خلال وعيها بذاتها وحقوقها ودورها الملائم، ودراسة الشريعة بعيداً عن شبهة تسلط الرجل، ورفض تسيير حياتها في قالب جامد لا يمت للدين بصلة، والإصرار على العدالة، من دون إذكاء روح التصادم مع طرف الرجل أو المجتمع ككل. وهو أمر يستدعي أن تظل المؤسسات الاجتماعية معنية بتوفير الدعم والعون لها، لعلها تسهم في عملية إنقاذ السفينة من غرق ما زلنا غير بعيدين عنه ونحن نعيش تخبطاً وتناقضات بين اتجاهات متصارعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©