الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات البلوش في وقائع رحلة محمد أسد الصحراوية

حكايات البلوش في وقائع رحلة محمد أسد الصحراوية
24 يوليو 2008 00:12
لئن ارتبط المستشرقون الجدد، كشأن بعض نظرائهم القدامى (منهم كارل بروكلمان، وكليما هوار ومونتجمري واط، وجوستاف لوبون، وكولد زيهر، وتيودور نولونه، وأوكست فيشر)، بصورة سلبية فى الذهن العربي، تعززت أكثر بفعل تداعيات الحادي عشر من سبتمبر نظراً للطابع الأيديولوجي والسياسي الذي وسم كتابات معظم رموزه وفي مقدمتهم برنارد لويس ودانيل بابيس، يضاف إليهم تيار عريض من منظرّي المحافظين الجدد، ربما لا يرقون إلى مرتبة المستشرقين، بيد أنهم لعبواً دوراً مهما فى رسم ملامح السياسة الأميركية تجاه الإسلام والمسلمين فى مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ،2001 أمثال وليام كريستول وروبرت كيجان وغيرهما··· فإن ثمة ملامح واضحة لتيار استشراقي جديد ينمو باضطراد، يمكن أن نطلق عليه تيار الاستشراق ''المحمود'' أو ''المحايد''، الذي أصبح بمثابة الذراع الأخرى للاستشراق الجديد· يشير خليل العناني في مقال له نشر في صحيفة ''الوطن'' العمانية (3/3/2008م) أنه ضمن هذا النمط تأتي رموز مثل جون اسبيزيتو أستاذ علم الأديان والعلاقات الدولية فى جامعة جورج تاون الأميركية، وله ما يقرب من خمسة عشر كتاباً تغطي شؤون الإسلام والمسلمين من زوايا مهمة، لعل آخرها صدر قبل أيام قليلة فقط ويحمل عنوان مثير ''من يتحدث باسم الإسلام·· كيف يفكر مليار مسلم؟'' Who Speaks for Isalm؟، الذي ألفّه مع داليا مجاهد مسؤول قسم الشرق الأوسط بمؤسسة ''جالوب'' الشهيرة لاستطلاعات الرأي· ويتميز طرح اسبزيتو بقدر من المنهجية العلمية والحياد الموضوعي، ما يعطي كتاباته نوعاً من الرصانة والجدية· كذلك تقف البريطانية كارن أرمسترونج، أستاذ علم الأديان المقارن وأحد المؤسسين لأطروحة ''تحالف الحضارات'' التي أطلقها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، باعتبارها أحد رموز الاستشراق ''المحمود''، وهي فى ذلك تقوم بدور ''المؤرخ المحايد'' الذي يسعي لإعادة النظر فى تاريخ الأديان دون تحيزات مسبقة أو مواقف سياسية وأيديولوجية، ولها مؤلفات كثيرة عن الإسلام والمسيحية واليهودية· ولعل أهم ما ألفتّه أرمسترونج عن الإسلام، كتابها الأخير ''محمد·· نبي لهذا الزمان'' Mohamed: A Prophet for Our Time، الذي نشر أواخر العام الماضي، وصدرت ترجمته العربية قبل أيام قليلة عن مكتبة الشروق الدولية (القاهرة ـ 2008)· وهو يمثل الجزء الثاني لكتابها الأول ''سيرة النبي محمد'' الذي صدر عام ·1993 ولم يكن غريباً أن يثير الجزء الأخير من كتاب أرمسترونج العديد من الانتقادات داخل دوائر الفكر الغربي منذ صدوره، وذلك نظراً لجرأته ولغته الراقية التي تتناول جوانب مهمة من شخصية نبينا الكريم· وهو ما دفع البعض لاعتبار الكتاب نوعا من الاعتذار ''الغربي'' المبطَن عن أزمة الرسوم الدانماركية الشهيرة· واذا كان هناك استشراق محمود و''مستشرق منصف'' و''مؤرخ محايد'' فهم في الحقيقة كُثر ولكننا لم نعتن بأعمالهم، وما ترجم من أعمالهم فهو شيء نزير لا يفيهم حقهم ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المستشرق محمد أسد· قرأت في الحقيقة بعض الاشارات والروايات المتناقلة عن وفاء البلوش، واشتهارهم بالبأس والشجاعة التي عرفوا بها متناثرة في كتب التاريخ وبعض كتب الرحلات التي دونها العديد من المستكشفين والرحالة الأجانب، سواء الذين جاب منهم انحاء الجزيرة العربية والخليج، وخاصة مناطق متفرقة من سلطنة عمان، أو الذين جابوا مناطق جنوب ايران، أتمنى أن تجمع ذات يوم في كتاب، ولعل من أجمل ما قرأت هو ما دونه هذا الرحالة والمفكر المسلم محمد اسد، وهو المستشرق والصحفي النمساوي ليوبولد فايس· أسد النمساوي دوّن المستشرق محمد أسد وقائع هذه الحكاية ـ التجربة التي حدثت معه ابان رحلة قام بها في مناطق جنوب ايران منطلقا من مدينة (بم) سنة 1925 م· يعتبر كتاب ''الطريق إلى مكة'' The Road to Mecca الذي دوّن فيه تفاصيل تلك الرحلة هو درّة أعمال المستشرق والرحالة النمساوي المبدع ليوبولد فايس أو محمد أسد كما سيعرف فيما بعد· فعندما صدر هذا الكتاب الدرة عام 1954م احتفلت به الأوساط الأدبية والنقدية في الغرب وكتبت عنه جريدة ''التايمز'' البريطانية في ملحقها الأدبي تقول: ''يحكي لنا التاريخ عن كثير من الأوروبيين الذين تحولوا إلى الإسلام ومنهم من ارتقى أرفع المناصب والسلطة في البلاد التي هاجروا إليها·· لكن قلما تجد واحدا من هؤلاء المتحولين وقد عكف على رصد مراحل هذا التحول خطوة من بعد خطوة·· بل واستطاع ـ وهذا هو الأهم ـ أن يفعل ذلك بقدر عظيم من جزالة المعنى وجمال الإبداع''· وفي نيويورك حيث نشر، رحبت به صحف مرموقة هنالك مثل The New York Herald Tribune Book Review وصحيفة The New York Times ووصفته صحيفة ''كرستيان ساينس مونيتور'' الأميركية قائلة: ''إن هذا الكتاب لينفذ إلى أعماق الحياة العربية والإسلامية؛ مما يعين على فهم أدق للعرب وللأرض التي يعيشون فيها''· وبعد عقود تقول عنه الكاتبة الروائية إيمانويل هدلاند: ''إن هذا الكتاب سرعان ما يحملني على جناح المودة نحو العالم الإسلامي''· ومن جهة أخرى فقد قيل أن محمد أسد في كتاب ''الطريق إلى مكة'' لا يعدو أن يكون صحفيًا، يسجل الأحداث الآنية التي سرعان ما تصير قديمة لا تستحق القراءة· وقيل إن كتابًا بقلم صحفي لابد أن يتسم بالسطحية، وما من رد على هذه الآراء سوى الدعوة إلى قراءة الكتاب ذاته؛ فإنه خير مجادل عن صاحبه· وبسبب تأثير الكتاب فيمن يقرؤه، فإن الهجوم عليه لا يتوقف· ولعل من حسن حظنا كقراء عرب ان مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالمملكة العربية السعودية قد أصدرت الطبعة الكاملة (1425 هجرية) لهذا السفر الجميل وبطبعة غاية في الاناقة مع الصور التاريخية التي وردت في النسخة الاصلية، كما تمت اضافة مجموعة من الصور من تصوير المؤلف أخذت من مجموعة السيدة بولا أسد من الأرشيف الوطني للصور التاريخية بمكتبة الملك فهد الوطنية· وهي طبعة منقحة ومزيدة، تتميز ترجمة هذا الكتاب الذي ترجم عن طبعة SIMON AND SCHUSTER الصادرة عام 1954 م، بأنها استكمال لأجزاء ناقصة في الاعمال المترجمة سابقا (واهمها طبعة وترجمة دار العلم للملايين ببيروت التي حذفت أجزاء من الكتاب منها فصل كامل بعنوان: رسالة فارسية، ارتأى ناشر الطبعة اللبنانية ربما إنها لا تمت للموضوع بصلة حيث العنوان هو ''الطريق إلى مكة'' - نشر بعنوان آخر هو ''الطريق إلى الاسلام'' ـ لذلك اقتصرت الترجمة الاولى التي قام بها عفيف بعلبكي على المقدمة والرحلات التي قام بها المؤلف داخل حدود الجزيرة العربية) وفي هذا الفصل الذي ترجم وورد في طبعة مكتبة الملك عبدالعزيز تجربة المؤلف مع مجموعة من رفاقه وأدلائه من البلوش الاوفياء خلال اسفاره في مناطق جنوب ايران· المتصفح لكتاب ''الطريق الى مكة'' للرحالة والمفكر محمد أسد أو ليوبولد فايس المستشرق النمساوي الذي قضى سنوات شبابه في الشرق الاوسط والجزيرة العربية، لابد أن يأسره أسلوب الرجل الأدبي الأخاذ في وصفه لأدق المشاعر والخلجات الانسانية، وتفاصيل قلقه وهواجسه وهو يجوب صحارى الجزيرة العربية على ظهور الجمال مع دليله البدوي الشمري زيد· أسلوبه إلى الشعر أقرب منه الى السرد العلمي الجاف الذي دأب عليه اغلب الرحالة الاجانب الذين جابوا الجزيرة العربية قبله وبعده· انطلاقا من (بم) يسرد وقائع رحلة له على ظهور الجمال قام بها سنة 1925م بدأت من مدينة (بم) النائية في جنوب ايران في ذلك الوقت وهي مدينة مشهورة اليوم وقد ضربها زلزال مدمر قبل سنوات تناقلت أخباره وسائل الاعلام المختلفة ويجد الزائر للجناح الايراني في القرية العالمية في دبي (قبل سنتين خلت) أنه قد صمم على هيئة احدى القلاع الطينية لهذه المدينة· وكان صديقه علي أغا قائد الحامية المحلية في هذه المدينة آنئذ، وهو يصفه بأنه ''شاب في السادسة والعشرين من عمره في ذلك الوقت، إلا أن ماضيه كان حافلا بالإثارة والحركة والنشاط، وكان يمكن له ان يؤدي دورا مهما في طهران لو لم ينغمس في حياة اللهو والعبث، وكان وجوده في ذلك الوقت في مدينة (بم) النائية غير المؤثرة في الأحداث في جنوب ايران، بوازع من أبيه الذي كان واسع النفوذ، على أمل ان ينصلح حال ابنه اذا ابتعد عن متع طهران ومسراتها وملذاتها· إلا أن علي أغا وجد في (بم) ما يعوضه مما افتقده في طهران، وجد النساء والخمر، ومخدر الأفيون الذي كان يتعاطاه بكثرة· في ذلك الوقت من سنة 1343 (1925م)، كان علي أغا قائد الحامية المحلية بمدينة (بم) برتبة ملازم· كنت حينها أستعد لعبور صحراء ''داشيلوت'' وتوجهت إليه بخطاب توصية من حاكم ولاية ''كرمان''· وكان بدوره قد تلقى خطاب توصية من رضا خان رئيس الوزراء· يصف بعدها محمد أسد صحراء داشيلوت التي ينوي عبورها على ظهور الجمال فيقول: ''رأيت في أعماق ذاكرتي صحراء داشيلوت الخالية، أو ''الصحراء الخاوية'' التي تنشر خواءها اللانهائي من بلوشستان الى قلب إيران، كنت أنوي عبور تلك الصحراء للوصول الى ''سيستان'' أقصى حدود شرق أيران، ومنها أواصل رحيلي إلى آسيا الوسطى، وعندما كنت قادما من ''كرمان'' لم يكن يوجد مسار آخر· توقفت أنا وعلي أغا والحراس البلوش الذين كانوا معنا عند حافة واحة خضراء على حافة الصحراء لنكتري جمالا، ونشتري مؤنا لطريق طويل أمامنا· كنا ننزل في محطة البرق ''الهند - أوربية''· أفادنا ذكاء مدير المحطة إفادة جمة، تمكن من العثور لنا على جملين من أفضل جمال الركوب، وقضينا ما تبقى من اليوم في شراء قرب الماء، وحبال من وبر الجمال، وأرز، وسمن، وسكر وأغراض أخرى لازمة لرحلة عبور الصحراء· تحركنا عصر اليوم التالي، سبقنا علي أغا بصحبة أربعة من الحرس لتهيئة مكان نحط فيه رحالنا في أثناء الليل، وسرعان ما تلاشت جمالهم واختفت في الأفق البعيد، أما أنا وابراهيم والحارس الخامس فقد تبعناهم على مهل· تأرجحنا على الجمال الرشيقة الأطراف (كانت أول مرة أركب فيها جملا)، سرنا في البداية عبر كثبان رملية صفراء لاتنمو فيها الا أعشاب قليلة، ثم دخلنا في صحراء مكشوفة، واد صامت أجرد لاتبدو له نهاية، مسطح تماما وخال من أي نتوء أو بروز، بدا كأنه هو الذي ينطبق على الأفق، لاحجر، ولاصخرة، ولانبتة عشب، لاصوت لحيوان، ولاصوت لطير أو حتى خنفساء يكسر ذلك الموت القاحل· حتى الريح ضاع زخمها، كانت تسعى من دون صوت، كما يهبط حجر من حافة هاوية·· لم يكن ذلك مايطلق عليه صوت الموت، بل كان مالم يولد بعد، ذلك الذي لم تدب فيه حياة، الصمت الذي سبق في الوجود الكلمة الأولى''· الصحراء الخالية يتابع الرحالة والمستشرق النمساوي محمد اسد او ليوبولد فايس وصفه لأولى رحلاته الصحراوية على ظهور الجمال مع صديقه على اغا قائد حامية مدينة (بم) في جنوب ايران وحراسهم من البلوش منطلقا من هذه المدينة لعبور صحراء داشيلوت الخالية قاصدا منطقة سيستان اقصى حدود شرق ايران ليواصل رحلته تلك التي بدأها سنة 1925م إلى آسيا الوسطى· بعد أن يصف صمت الصحراء يقول: ''انبعث صوت وحطم الصمت، تصاعد صوت بشري مفاجئ، مرح، مبتهج، صعد في الهواء الساكن وظل معلقا في الفراغ حيث صعد، يبدو كأنك لاتسمعه فقط، بل تراه، صوت وحيد، لايشوبه ولايتداخل معه أي صوت في ذلك السكون البدائي الأول، ثم تدفق عبر سهوب الصحراء· كان صوت الحارس البلوشي· كان يغني أغنية من أغاني ارتحالاتهم القبلية القديمة، جزء من ملحمة شبه مغناة· كان ذلك الموضع من الصحراء الذي كنا نمضي فيه في ذلك الوقت يطلق عليه ''أجراس أحمد''، وصلنا بعد غروب الشمس مباشرة الى الموضع الذي اختاره علي اغا والحراس لإقامة خيمتنا وسط منطقة تنمو فيها أعشاب الكاهور، وهي آخر اعشاب نراها على مدى الأيام التي سنقطع فيها الصحراء، أشعلنا نارا من أعشاب جافة، وصنعوا الشاي الذي لامفر منه، بينما كان علي يدخن من غليونه، أطعمنا الجمال شعيرا مجروشا وأنخناها في دائرة من حولنا، وعين علي أغا ثلاثة من الحراس على قمم التلال من حولنا للحراسة· كانت الليلة مظلمة بلون القار، فقد كانت السحب كثيفة ومنخفضة، وتحجب نور القمر والنجوم· وكما هو معروف من الافضل السفر ليلا في الصحراء في موسم الصيف، ولكن في ظروف عادية لم نكن لنخاطر بالمسير في تلك العتمة خشية أن نضل الطريق· في الماضي، اعتاد ملوك ايران السابقون وضع أعمدة ارشادية ترشد القوافل، ولكن مثل أشياء كثيرة، اختفت تلك الأعمدة، وعلى أي حال لم تعد لها الاهمية نفسها، فأعمدة أسلاك البرق التي مدها البريطانيون في بداية القرن من الهند عبر صحراء داشيلوت الى كرمان، كانت تؤدي الغرض نفسه، بل كانت وسيلة ارشاد جيدة، ولكن في مثل تلك الليلة، لم تكن أعمدة البرق ظاهرة في ذلك الظلام الدامس· اكتشفنا أننا فقدنا أثر أعمدة البرق فأصابنا الفزع، وبعد نصف ساعة، قال الحارس البلوشي الذي كان يسير بناقته في المقدمة لعلي آغا: ''حضرت، لم أعد أرى الأسلاك···''· صمتنا من الفزع لحظات، فآبار الماء موجودة فقط على مسار أعمدة البرق، وعلى مسافات كبيرة بعضها من بعض، فإن ضللنا الطريق فمن المقدر أننا سنموت عطشا مثل قافلة أحمد الأسطورية· تحدث علي آغا بطريقة لم أعهدها منه، من المؤكد ان الأفيون والخمر كانا وراء ذلك، فقد أخرج مسدسه من جرابه وصرخ في الحارس: ''أين الأسلاك يابن الكلب؟ آه·· أنا أعرف·· أنت متواطئ مع العصابات، وتضللنا حتى نتوه ونموت عطشا، وبذلك نكون ضحية سهلة''· كان ذلك التوبيخ والتأنيب غير عادلين بكل تأكيد، فالبلوشي لايمكن أن يخون من أكل معه خبزا وملحا· كان من الواضح أن الحراس يؤلمهم ذلك الاتهام لزميلهم، وأكدوا لنا براءتهم، الا أن علي آغا انفجر من جديد: ''اخرسوا·· عليكم بالعثور على الأسلاك فورا، والا سأقتلكم واحدا بعد الآخر، أحرق الله آباءكم''· لم أتبين وجوههم في الظلام، ولكني كنت أعرف كيف يشعر البلوشي تجاه الاهانة· لم يهتموا حتى بالاجابة ولا بالرد· براءة البلوشي ثم فجأة فصل أحدهم نفسه عن تجمعنا - وكان هو الحارس الذي فقد أثر اسلاك البرق، وضرب جمله بسوطه واختفى في الظلام· صاح علي آغا ''الى أين تذهب؟'' ولم يتلق الا كلمات غير واضحة لثوان، على وقع أقدام جمله المسموعة على حصى الأرض، ثم غاص الصوت في ظلام الليل، ولم يعد له وجود· على الرغم من اقتناعي التام منذ دقيقة مضت ببراءة البلوشي مما نسبه علي آغا اليه، إلا أن الشكوك راودتني: لقد ذهب الآن الى رجال العصابات، كان علي آغا على حق، بعد فترة سمعت علي آغا يسحب ذراع أمان مسدسه وفعلت مثله، أما ابراهيم - أحد الحراس - فمازال يخلع بندقيته المعلقة، جلسنا بلا حركة على ظهور الجمال، زمجر أحد الجمال بنعومة لما اصطدم مقبض بندقية الحارس برجله· مرت دقائق طويلة، كنت أسمع فيها صوت تنفس الرجال· ثم فجأة، جاءت صيحة من مسافة بعيدة، بالنسبة إلي لم تبد الا ''أووو وو وا''، إلا أن البلوش كانوا يفهمون مغزى تلك الصيحة، اذ كوّر أحدهم كفيه حول فمه، وصاح بحماس باتجاه الصوت بكلمات، من جديد جاء ذلك الصوت البعيد· استدار أحد الحراس الى علي آغا، وقال بالفارسية: ''الأسلاك ياحضرات، لقد وجد الأسلاك''· انزاح التوتر، وتبعنا مصدر الصوت، ونحن نشعر بارتياح كبير، وراح يوجهنا بصوته من آن الى آخر وعندما وصلنا اليه، شبّ على رجله، وأشار في الظلام: ''هذا هو سلك البرق''· وبالفعل، بعد عدة لحظات كدنا نصطدم بعمود أسلاك البرق· ما فعله علي أغا في تلك اللحظة كان من السلوكيات المميزة له، فقد أمسك بالحارس الذي سبق ان وجّه اليه الإهانة، أمسكه من حزامه، وجذبه باتجاهه، ومال على رجله، وقبّله على وجنتيه وهو يقول: ''انّه أنا لا أنت، أنا ابن الكلب، سامحني يا أخي''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©