الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الروائية عندما تتمرد

الروائية عندما تتمرد
29 مارس 2012
“الخطاب الروائي النسوي” للناقدة الدكتورة سهام أبو العمرين، هو أحدث الدراسات الصادرة في القاهرة في مجال النقد الأدبي، جاء في 220 صفحة بذلت الباحثة في أبوابه الثلاثة مجهودا مميزا من حيث شمولية التعاطي الفني والفكري، وقراءتها المتفحصة لـ15 رواية مصرية، صدرت في الفترة من 1960 إلى 2003 وهي: ابتهال سالم “نوافذ زرقاء” (2000). بهيجة حسين “مرايا الروح” (1997). رضوى عاشور “حجر دافئ” (1985). سحر الموجي “دارية” (2003). سعاد زهير “اعترافات امرأة مسترجلة” (1960). سلوى بكر “وصف البلبل” (1993). سمية رمضان “أوراق النرجس” (2003). صفاء عبد المنعم “ريح السموم” (2003). عفاف السيد “السيقان الرفيعة للكذب” (2003). لطيفة الزيات “صاحب البيت” (1994). مي التلمساني “دنيازاد” (1997). ميرال الطحاوي “الخباء” (1996). نعمات البحيري “أشجار قليلة عند المنحنى” (2000). نورا أمين “قميص وردي فارغ” (1998). نوال السعداوي “امرأة عند نقطة الصفر” (1975). وتقول الناقدة أبو العمرين في دراستها: “نعني بالرواية النسوية، الرواية التي تكتبها امرأة وتدور حول المرأة، وتهدف إلى إعادة صياغة المعارف الثابتة؛ لتقوم بتقويضها نصيًّا وفق رؤية جديدة، ووعي فكري مغاير لما عهدته المؤسسة الثقافية المهيمنة”، وقد تمَّ اختيار النصوص الروائية السابقة لتنوع المضامين والقضايا، وعدم الوقوف عند إنتاج الجيل الحديث من الكاتبات فحسب، مثل ميرال الطحاوي، ونورا أمين، ومي التلمسانى وغيرهن، بل الأخذ في الاعتبار إسهامات الجيل السابق، مثل لطيفة الزيات، وسعاد زهير، ونوال السعداوي، ومن جاء بعدهن مثل رضوى عاشور وسلوى بكر، والتعرض للنصوص الروائية التي تطرح إشكالية مسرحة الأحداث بين الداخل (المحدود) والخارج (اللامحدود) وتعدد البيئات المكانية، كالبيئة البدوية في “الخباء”، والريفية في “مرايا الروح”، والمدنية في “دارية” وغيرها، والاعتماد على النصوص الروائية التي تنهض دلالاتها على التوظيف التقني للزمن والمكان”. تقويض الفكر الذكوري وفي مدخل الدراسة الذي حمل عنوان “الكتابة النسوية وتقويض الفكر الذكوري”، تقول الناقدة إن تاريخ الكتابة عن المرأة هو تاريخ الرجل لا تاريخ المرأة عن ذاتها؛ فالصورة التي جاءتنا هي صورة مصطنعة من وجهة نظر ذكورية لا عبر تجربة أنثوية أصيلة، فقد اتصف خطاب الرجل ـ في ظل الأعراف القيمية التي أرساها ـ بالتعسف في نظرته إلى المرأة التي ربطها بالدونية، فنظر لها على كونها محض أداة للإمتاع الجنسي وعدها جسدًا لاعقل لها؛ فأضحت مفعولاً به في علاقة إشكالية لفاعل مذكر أضفى على ذاته سمات العبقرية، وحاصر المرأة بمقولة المرأة/ الأنثى الكائن الحسي الأضعف، بدلاً من مقولة المرأة/ الإنسان. ولقد احتفظ السجل التاريخي للذكورة ـ العربي والغربي على حد سواء ـ بصور عدة للمرأة تكرس من سلبيتها؛ فهي عند العرب الموؤودة والمعبودة والمعشوقة، هي نماذج كما يقول عبدالله الغذامي: “لم تتولد عن المرأة ذاتها أو عن ثقافتها ولا حتى عن أفعالها، ولكنها نماذج مصنوعة أو مصطنعة من الرجل صانع التاريخ ومالك اللغة. فهي في صيغة المفعول به موؤودة/ معشوقة/ معبودة...إلخ، وهناك صور منمذجة عدة للمرأة طرحتها الثقافة الذكورية وباتت مستقرة في الوعي الجمعي كصورة المرأة/ الجسد، والمرأة/ الشيطان، والمرأة/ العاطفة، ولعل عبارة أوسكار وايلد الشهيرة: “ ليست ثمة امرأة عبقرية، المرأة زينة جنسية” تلخص خطاب الثقافة المهيمنة المتحيزة ضد المرأة، وتبرهن المنحوتات القديمة في بلاد الرافدين عن النظرة الاستهلاكية للمرأة باعتبارها جسداً، ويتعمق الشرخ الثقافي بالنظرة الذكورية للمرأة عندما تتحول الفروق البيولوجية النوعية إلى فروق عقلية وفكرية، وبما أن حجم مخ المرأة أقل من حجم مخ الرجل ـ كما قال عالم تشريح الجهاز العصبي بول بروكا، فقد اقتنعوا بتفوق مخ الرجل على مخ المرأة في قدرته الذكائية، وأن “البعض على الأقل من تلك الصفات العقلية التي تتفوق النساء فيها هي أيضًا صفات مميزة للأجناس المنحطة، كما قال تشارلز داروين، بينما تقول ماري استيل: “يجب على الرجل ألا يفخر أنه أكثر نبوغًا من المرأة مادام هو يحظى بفرص أكثر من التعليم العالي والعمل في الحياة الواسعة خارج البيت فكأنه يفخر بشجاعته لضرب رجل قيدت يداه وقدماه، والموقف ذاته هو الذي انطلق منه أرسطو عندما أقرَّ أن الرجل خُلق للأنشطة النبيلة والمعرفة الفكرية، أما المرأة فإنها وجدت من أجل الجنس؛ لحفظ النوع، ولا تنفصل رؤية نيتشه فيلسوف الشك الأكبر عن رؤية أسلافه من أقطاب الفلسفة عن المرأة؛ إذ يجعل نيتشه المرأة “مخلوقًا دونيًا فيها من أسباب الإمتاع للرجل كما أنها ذات عقل ضعيف. وتعد الحركة النسائية المصرية، كما ترى الناقدة د. سهام العمرين، من أقدم الحركات النسائية فى الوطن العربى، وقد انبثقت فى خضم الحركة الوطنية؛ إذ سارت قضية تحرير المرأة مع قضية التحرير الكبرى للوطن. إشكالية المصطلح وتناقش الناقدة العمرين موضوع إشكالية مصطلح “الأدب النسوي” وتستشهد بداية بما قالته الروائية لطيفة الزيات في مرحلة الريادة بقولها: “رفضت في إصرار أن تبوب كتاباتي الإبداعية في باب الأدب النسائي... إلا أنها عدلت عن هذا الموقف الرافض لاصطلاح “أدب المرأة” بعد أن اعتركت الحياة وطالها النضج الفني والفكري، إذ صرحت وأقرت ـ في الشهادة ذاتها ـ بمبدأ الاختلاف بين نمطي الأدب: الرجولي والنسوي، إلا أن هذا الاختلاف لا يعني تفضيلاً لنمط على آخر، تقول: “كان هذا هو موقفي الثابت والأكيد في الستينات. تخندقت في خندق الأدب، ورفضت إدراج كتاباتي الإبداعية في باب الأدب النسائي، ودأبت على القول أدب أو لا أدب، فن أو لا فن وما من أدب رجولي وآخر نسوي. ومر الزمن، وكان أن نضجت وتعلمت أن الإقرار بالندية ما بين الرجل والمرأة يعصف بالضرورة بالندية فيما بينهما، وأن الاختلاف لا يعني بالضرورة تفضيلاً لجانب على الآخر، ولا تميزًا فنيًا على الآخر”، إلا أن الإشكالية النقدية تتفاقم عندما نواجه أراء كثيرة ناقدة ترفض التسمية ومع هذا تصرح ببعض السمات الخاصة التي تميز إبداع المرأة، كالناقدة يمنى العيد التي ترفض التمييز بين الأدب كمفهوم عام والأدب الذي تكتبه المرأة كمفهوم خاص، وإن رأت في الأدب الأخير خصوصية ما، ولكنها ليست “خصوصية طبيعية ثابتة، بل هي ظاهرة تجد أساسها في الواقع الاجتماعي التاريخي الذي عاشته المرأة”، أي أن تلك الخصوصية ليست فنية بل خصوصية، بينما يرى الناقد حسام الخطيب، إن المصطلح لن يكتسب مشروعيته النقدية إلا إذا كان يعكس المشكلات الخاصة بالمرأة، أما الناقد سعيد يقطين فيرى أن إسقاط الأيديولوجيا على الأدب أمر ينحى المقاربة الموضوعية للنصوص الأدبية التي تنتجها المرأة، ومن ثم فالبحث في الأنساق النصية (الداخلية) ومحاولة استجلاء مكونات النص الفكرية والجمالية كفيل بإبراز خصوصية النص الذي تنتجه المرأة. كتابة الجسد وتناقش الباحثة في كتابها قضية مهمة تطلق عليها “كتابة الجسد” وتبدأ بما قاله (فيلسوف الشك الأكبر) نيتشه: “يوجد خلف أفكارك ومشاعرك سيد قوي وحكيم اسمه الذات، إنه يسكن في جسدك، بل هو جسدك”، وتنطلق بعد ذلك لتقول حول “كتابة الجسد المؤنث” بأن المرأة باعتبارها جسدًا هي الصورة التي اختمرت في الفكر العربي والغربي على حد سواء، حيث سيطرة النظام الأبوي الذي ينطلق من تراتبية قهرية يقوم فيها الرجل بدور الفاعل والمحرك لمنظومة القيم، في مقابل وضعية المرأة الأدنى والتي حُدِّدت مسبقًا بالنظرة الاستهلاكية لجسدها باعتباره محض أداه متعة، وتقوم المرأة/ الكاتبة عبر سرودها بتقويض تلك الصورة، وذلك بتفريغ الجسد من دلائله الجنسية، وتشكيله معرفيًّا وفق تصورات الذات المؤنثة له، ليتلازم مفهوم الجسد مع مفهوم الذات في الإشارة إلى الإنسان معرفيًّا، وتذكر رواية ميرال الطحاوي الأولى المعنونة بـ”الخباء”، لتظهر مدى قمع المرأة جسديًّا/ نفسيًّا في مجتمع البدو القبلي الذي يمثل نموذجًا مميزًا لتصلب بنية الوعي ضد المرأة بتكريس سلطة الذكور، كما تتحدث الباحثة عن “الجنس فعل تدميري”، و”الافتتان بالجسد/ الأنا الآخر”، وتذكر في الموضوع الأخير الشخصية “مايسة” ساردة رواية “مرايا الروح” لبهيجة حسين التي تنظر لجسدها بوله وافتتان باعتباره علامة تفرد”، كما تتحدث عن “الجسد الآلة” كما طرحته رواية “دنيازاد” فجاء محض آلة، جهاز عضوي، جثة مكونة من عظم ولحم ذات ميكانيك خاص يقوم بمهمة ما، والمهمة الموكلة للجسد الأنثوي هي مهمة صناعة الأطفال، وفي رواية “اعترافات امرأة مسترجلة” لسعاد زهير تقف الساردة التي دخلت لتوها عالم الأنوثة بنضوجها أمام المرآة لتكتشف اختلافًا جسديًّا لم تعهده من قبل؛ إذ عاشت طفولتها بنفسية الذكور، تقول: “أمام المرآة وقفت أتفرس جسدي بعينين ذاهلتين كمن يبحث عن سر خطير أدهشتني الصورة المرتسمة أمامي”. وفي السياق ذاته، تتحدث عن “كتابة الجسد المذكر”، وتقول بأن الكاتب/ الرجل أخضع المرأة نصيًّا قرونًا عدة، وذلك بتشكيل صورتها بقلمه المذكر، وبسلاح الكتابة ذاته أعادت المرأة/ الكاتبة نفسها إلى الوجود، فعبرت بقلمها عن ذاتها، ولم تكتفِ بذلك بل جعلت من الرجل في إبداعها موضوعًا لها بالتبئير على مفردات عالمه: تكوينه الجسدي، حركته، ملابسه، نبرة صوته، رائحته، فأصبح مرسومًا من وجهة نظر نسوية، فامتلكته في الخطاب مثلما استعبدها نصيًّا من قبل، هذا هو حال الرجل في نص “قميص وردي فارغ” لنورا أمين. اللغة والسياق الثقافي وتولي الباحثة موضوع “اللغة والسياق الثقافي” أهمية بالغة كون اللغة ليست منبتة الصلة عن الثقافة، بل هي تعبير عنها، وهي وسيط متغير، وتغيرها مرتبط بتغير السياق التاريخي والاجتماعي لاستعمالاتها، وقد حددت اللغة مسبقًا موقع المرأة ووظائفها داخل المجتمع، فالتحليل المعجمي لكلمات من قبيل “المرأة”، “النساء”، “الأم” يكشف عن تحيز الثقافة اللغوية ضد المرأة وحصارها بمقولات من شأنها أن تدعم من دونيتها وهامشيتها مقارنة بالرجل/ مركز القيم الإيجابية؛ فكلمة “امرأة في اللغة، مشتقة من فعل “مرأ” أي طعم، ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالطعام. ويقال مرأ فلان مرءًا أي صار كالمرأة هيئة أو حديثًا. وتجمع المرأة من غير اشتقاقها فيقال نسا ونسوة. وتعرف المرأة بأنها مؤنث الرجل. والنساء تعني (المناكح)، ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالجنس. وتقول الناقدة أننا لا نستطيع بحال ونحن بصدد أدب المرأة أن نتغافل الخصوصية التي تطرحها المرأة عبر كتاباتها والتي تنبثق من سياق حياتها المغاير للسياق الثقافي للرجل، فاختلاف السياق الثقافي هو المسؤول عن خصوصية الكتابة النسوية، والاختلاف لا يرجع فحسب إلى الاختلاف البيولوجي بل إلى التركيب النفسي الذي يؤدي حتمًا إلى الاختلاف في الرؤية؛ وبهذا الشأن تقول كارمن بستاني: “ليس لنا نحن والرجل الماضي نفسه، ولا الثقافة نفسها، ولا التجربة نفسها، فكيف يكون لنا، والحالة هذه، التفكير نفسه والأسلوب نفسه”، وتضيف بأن الرواية النسوية تتميز بحضور مرتفع لدور المرسلـ(ة) التي تبني نصها انطلاقًا من تلك المنطقة البرية التي تخصها دون الرجل. الكتابة عن الكتابة في الصفحات الأخيرة من دراستها تتحدث الباحثة سهام أبو العمرين عن “الكتابة عن الكتابة” وتذكر ما كتبته شاعرة في قصيدة لها: “أكتب لأني امرأة/ أكتب لأنني يجب أن أقول صمت المرأة”، وهذا ما يجعل الباحثة تقول بأن المرأة تكتب عن ذاتها وعن علاقتها بالآخر كي تحطم حاجز الصمت الذي قبعت خلفه قرونًا عدة؛ إذ كان لزامًا عليها أن تستيقظ على الوعي بذاتها عبر الكتابة؛ لأن الكتابة هي الوجود كما يقول جورج جوسدروف: “أكتب إذن أنا موجود، أكتب إذن أنا كنت موجودًا. أكتب إذن سأكون موجودًا، فالكتابة تدعم هذا الظل الذي هو أنا”، أما فى رواية “ دنيازاد” لمي التلمساني تأتي الكتابة لتكون ضربًا من ضروب جلد الذات التي عمدت إلى هذه الوسيلة لاستبقاء ذكرى أن رحمها كان قبرًا لابنتها المتوفاة، تقول: “يجب أن تعيش قصة موت وتكتبها في رغبة خالصة لاستبقاء الذكرى، فلجأت الساردة/ الأم للكتابة لمقاومة النسيان، الأمر الذي أبرز تشرذم الذات في ظل مساءلة هذه الذات عن كنه الكتابة التي تطمح أن تكون: “أكتب عن الانتظار... أو أكتب عن ذاكرة خائبة، تحتفظ بوجه أزرق فوق صفحة سماء زرقاء... أو أكتب عن قهر الخوف بخوف آخر... أو أكتب عن حلول بديلة، عن حب بديل، عن مغامرة بديلة لمغامرة الخلق... أكتب أي شيء غير الموت الآن”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©