الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسامة حبشي: الكتابة عن الثورات خطأ

أسامة حبشي: الكتابة عن الثورات خطأ
29 مارس 2012
يحلم الأديب المصري الشاب أسامة حبشي بكتابة الوطن العربي في روايات عدة، وبدأ بالفعل برواية “موسم الفراشات الحزين” عن القضية الفلسطينية، وتبعها برواية “مسيح بلا توراة” عن الثورة التونسية، ويكتب الآن رواية جديدة تتناول الصراع في الصحراء المغربية، ومن المقرر أن يتبعها برواية تدور حول أحداث العنف والمذابح التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وقتل فيها حوالي 200 ألف جزائري. يؤكد حبشي ضرورة فصل الدين عن السياسة، مشيرا إلى أن الدين هو علاقة خاصة بين العبد وربه، ولا يجب الزج به في معترك السياسة، مبدياً تخوفه من النجاحات الكبيرة التي أحرزها الإسلاميون. في ما يلي حوار معه حول تجربته الإبداعية. ? استدعيت في روايتك الأخيرة “مسيح بلا توراة” جملة ساراماجو “المتشائمون مهتمون بتغيير العالم.. والمتفائلون سعداء بما يملكون”، وقلت إن ساراماجو يقصد الفقراء لا المتشائمين.. فهل الفقراء فقط هم وقود الثورات وما الأسباب الأخرى الملحة التي تدفع في اتجاه الثورات؟ ? الحقيقة إنني أدين لساراماجو بالكثير خاصة فى روايته “ثورة الأرض” التي منها هذه الجملة، وبالطبع الجملة حادة وقاطعة وتمثل ما نحن فيه سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، فالعدل الاجتماعي عندما يغيب يزيد الفقر وتزيد المشاكل الاجتماعية توترا وتصاعدا، ولكن الأغنياء “ضمنا المتفائلون” هم من يسعدون بما يملكون وبما تحت أيديهم من إنجازات بل والأكثر يفعلون المستحيل لبقاء الأوضاع كما هي من دون تغيير، ومن هنا تنشأ ضرورة الثورة لتحسين وضع ظالم قائم بذاته. ? انطلقت الثورة التونسية من مدينة سيدي بوزيد التي تقع في جنوب تونس الفقير.. فهل يعني ذلك أن الفقر قد يدفع في اتجاه قيام ثورات في دول عربية أخرى؟ ? في حال المجتمعات العربية بالطبع الفقر هو المحرك الأساسي للثورات، فالثورة هي تبديل نظام قائم بنظام آخر أكثر وعيا وأكثر حرية، ولا ننسى أن كثيرا من البلاد العربية تتغافل أننا في عصر تبادل المعرفة والمعلومات ولسنا في زمن الكهوف وحجب المعرفة، وفي حالة تونس كان المنبع للثورة هي المكان الأكثر فقرا ولا ننسى أن تونس تتمتع بنسبة عالية من التعليم وأيضا لا ننسى أن بتونس كانت الطبقة الوسطى حاضرة حتى قبل الثورة بعكس مصر التي بها الكثير من التعقيدات لذا لم تنبع ثورة مصر من الفقراء وإن اشتركوا بها فيما بعد. ? أشرت في “مسيح بلا توراة” إلى تعدد الاختلافات الإثنية والعرقية وكذا الحضارية والثقافية لتونس من خلال الفتاة هدى.. فهل ترى أن هذا الأمر قد يسبب في المستقبل خطرا على الثورة التونسية، أو على الأقل قد تظهر مشكلات بسبب هذا الأمر؟ ? لا أعتقد ذلك، ولكن الخوف كل الخوف من أن يتجه الإسلاميون فيما بعد لتأسيس الخلافة الإسلامية وترك تونس في غياهب قد تعود بالبلاد لمساوئ نظام بن على واكثر، وهذا الأمر جدير بالتأمل خاصة وأن التيارات الإسلامية قد نجحت في تونس ومصر وغيرهما، وهذا النجاح الجماعي سيضعنا من جديد أمام تكرار أخطاء التاريخ. ? نجد كذلك في “مسيح بلا توراة” وجودا لبعض الاسماء التونسية الشهيرة أو التي صارت مشهورة مثل المخرج التونسي ناصر خمير ومفجر الثورة التونسية محمد البوعزيزي.. فماذا قصدت من ذلك؟ وهل خدم ذلك الأمر العمل الروائي أم أضره؟ وما الإضافة التي أضافها إلي العمل؟ ? كان مقصودا بلا شك، ومن جهة إضافتها للعمل فأعتقد أنها أضافت، فناصر خمير هو رائد في السينما السياسية وصاحب مشروع يمكن أن نسميه تنويرا في السينما، وبناء الرواية كان أشبه بالفيلم السينمائي لذا كان مقصودا أن يكون في خاتمة الرواية ذكر لناصر خمير وأيضا رغبة في عمل قصة محمد البوعزيزي فيلما، وهذا ما حدث في تونس حيث افتتح مهرجان كان السينمائي لعام 2012 بفيلم عن البوعزيزي. ? كان محمد البوعزيزي في “مسيح بلا توراة” هو المسيح الذي افتدى شعبه بنفسه ولكن بلا توراة.. فماذا عن توراته وأدواته ورسالته؟ ? البوعزيزي حمل توكيلا من قبل مأساته ومعاناته، واصبح مشعلا لثورات اطاحت برؤساء كنا نعتقد أننا سنموت وهم ما زالوا حكامنا. ? جاء في “مسيح بلا توراة” أنه عندما أفاق محمد البوعزيزي من غيبوته بعد إحراق نفسه قال “تصبحون على وطن أجمل”.. فمتى، بحسك الروائي والإنساني، ستصبح كل الاوطان العربية أجمل؟ ? الأوطان العربية ستصبح أجمل بعد سنوات قد تصل للعشر بعدما تعيش تجربتها الحالية وتدرك أن العلم والمعرفة هما الأساس للتطور والتنمية، وانه لا يجب زج الدين في تفاصيل السياسة.. ? لماذا كتبت عن الثورة التونسية وليس المصرية؟ ? أنا لم اكتب عن الثورة التونسية وإنما كتبت عن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه، وبموته اكتملت بالنسبة لي شخصية روايتي، انا لم أتكلم عن الثورة التونسية بعد موت البوعزيزي وان اشرت لبدء اندلاعها، الكتابة عن الثورات الآن أمر خاطئ فهي لم تكتمل والأوضاع في تغير كل يوم، ومصر بالتحديد أمر ملغز فانظر بعد عام من قيام الثورة ماذا جرى؟ عامة الكتابة عن الثورات تحتاج لتأمل وتحتاج لفترة تفصلك عن الحدث، لذا تعمدت اختيار شخصية هي توفيت بالفعل وماضيها أصبح بالتالي مشاعاً للجميع، وإذا فكرت في الكتابة عن الثورة المصرية الآن لن أفكر إلا في خالد سعيد أو الشيخ عماد عفت مثلا. ? تناولت القضية الفلسطينية في “موسم الفراشات الحزين” والثورة التونسية في “مسيح بلا توراة”.. فهل هذا الأمر مخطط لديك وتوجه عندك ووحدة إنسانية أم ماذا؟ ? أحلم بكتابة الوطن العربي في رواية كبيرة من خلال روايات مجزأة عدة، وبالفعل عندي رواية قررت تأجيل نشرها عن الجزائر في التسعينات لحظة وصول الإسلاميين للانتخابات ثم إلغائها ومن ثم المذابح التي تلتها. ورواية أخرى اكتب فيها الآن صحراء المغرب والنزاع حولها. ? ما رأيك في جائزة البوكر العربية؟ ولماذا لم تصل روايتك “موسم الفراشات الحزين” إلى القائمة الطويلة للبوكر على الرغم من تناولها لهم عربي كبير وطويل وهو القضية الفلسطينية؟ ? بالنسبة للبوكر، فالجوائز في العالم العربي غريبة الأقدار ولا أعلم شيئا عن روايتي “موسم الفراشات” ولا أحب التعليق على ذلك، إنني أكتب فقط أما الجوائز فهي لا تشغلني سواء من فاز بها أو من سيفوز بها. ? فهمنا جميعا من بعض الإشارات والدلالات في “موسم الفراشات الحزين” أنك تقصد فلسطين.. فلماذا لم تشر إليها مباشرة وبالاسم؟ وماذا قصدت من وراء ذلك؟ ? لم انطق بكلمة فلسطين بالرواية ونطقت بكلمة القدس بآخر صفحة بالرواية رغبة في التأكيد على أن الرواية تصلح لكل مكان ولكل زمان، والمقاومة الآن في العالم اجمع لن تفلح بقوة السلاح فأنا اميل للغاندية في المقاومة ولروح السلام العالمي الذي نحن بأوج الحاجة إليه الآن. ? نرى في “موسم الفراشات الحزين” أطيافا للواقعية السحرية.. فماذا قصدت من لجوئك لهذا الأمر؟ وهل يعد ذلك في صالح العمل الابداعي أم ضده؟ ? الأمر ليس بالواقعية السحرية او عدمه، إنني أميل للغة الشعرية في الكتابة، أميل لجمالية اللغة ولايقاعها الموسيقي، أما التصنيف بالواقعية السحرية أو غيرها فأنا لا أهتم بذلك ولا أقصده.. إنني أحكي كما كان أبي يحكي، فكان يخلط الواقع بالخيال والحب بالجنون. ? نلاحظ أن لغة “موسم الفراشات الحزين” تتميز بشعرية عالية ومكثفة على الرغم من موضوعها السياسي الذي يتناول القضية الفلسطينية.. فهل كان ذلك في صالح الرواية أم ضدها؟ ? الشعر لا يفسد الموضوع وانا لا أتعمد الكتابة بالشعر.. المسألة تأتي عفوية، ورواية “الأبله” لدستوفيسكي أراها رواية شعرية بامتياز مثل روايات كاواباتا خاصة “الجميلات النائمات” ولم يفسد الشعر الموضوع.. أما مسألة السياسة فكانت في الرواية لا تعنيني، بالعكس تجنبتها لأن الموضوع بالنسبة لي كان إنسانيا بحتا. ? خفة العمى” اسم روايتك الاولى.. هل تعتبر العمى خفة؟ أو ماذا قصدت بهذا الأمر ومتى يصبح الإبصار حملا ومشقة؟ ? العمى عندما يكون عن اختيار فهو خفة مؤكدة، وايضا العمى لا يعنى الحرمان من البصر فقط وانما يعني الحرمان من البصيرة ايضا، ولعبة الرواية في “خفة العمى” هي التفريق بين الحرمان من البصر والحرمان من البصيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©