السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمر والقضاء الكندي

23 يوليو 2008 23:53
بعد معارك قانونية ضارية، نجح محامو الطفل الكندي ''عمر سعيد قادر'' المعتقل في جوانتانامو، والذي يحاكم أمام محكمة عسكرية أميركية بقتل جندي أميركي خلال معركة عسكرية في أفغانستان''، نجحوا في استصدار حكم قضائي نافذ من قاضي المحكمة العليا الفيدرالية ''ريتشارد موسلي'' بإرغام الحكومة الكندية بتسليم ''الملف السري'' وشريط فيديو الذي بحوزتهــا والذي ظلت الحكومـــات الكندية المتعاقبة (حكومات الحزب الليبرالي وحكومة المحافظين الحالية)، ترفض بشدة تسليمهم إياه بالحجة التقليدية (ضرورات الأمن القومي)! هذا الشريط المسجل الذي وصفته بعض الصحف الكندية بأنه فضيحة وعار، والذي أذاع محامو عمر قادر بعض أجزائه، والذي شاهده الملايين من مشاهدي التلفزيون في العالم وفتح صفحة مأساوية، أصبح فجـــأة اليوم قضيـــة رأي عـــام قسمـــت المجتمع الكندي وأرهقت وعذبت ضمائر كثير من المواطنين الكنديين الحريصين على معاني العدل وحماية حقوق الإنسان، حتى المتهم بأكبر الجرائم، فالمتهم في عرف القانون بريء حتى تثبت إدانته أمام محكمة طبيعية وقانونية· وقصة الطفل ''عمر'' الذي أسرته القوات الأميركية في أفغانستان قبل خمس سنوات -كان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً- أصبحت معلومة اليوم وكثير من تفاصيلها نشرت وأذيعت قبل إذاعة شريط الفيديو الفضيحة، لكن ما وثق له وسجله حكم قاضي المحكمة العليا الفيدرالية في حيثياته هو دور الموظفين الكنديين المناط بهم قانوناً الدفاع عن حقوق ''مواطنهم''، الذي حسب ما ورد في الوثيقة المسجلة، تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، وعاملته السلطات العسكرية الأميركية معاملة لا يقرها حتى القانون العسكري الأميركي، هذه المعاملة وصفها القاضي بأنها: ''خرق صريح لقانون حقوق الإنسان العالمي، ووصف الدور الكندي في التحقيق مع المتهم المعتقل الذي أجراه الموظفون الكنديون بأنه ''يضع كندا في دور الشريك في التعدي وخرق القانون الدولي''· وهذا بالضبط هو محور النقاش والجدل والتعليقات الصحفية والسياسية الدائرة اليوم في كندا، بعد أن تفجرت الفضيحة، فالقضية كما عبّر رئيس حكومة ''أونتاريو'' -المتحدث باسم الحزب الليبرالي-: ''ليست قضية ''عمر'' ولكنها قضية انتهاك القيم والأصول القانونية الكندية التي جرى انتهاكها بعلمنا''، فالحكومات الكندية المتعاقبة ظلت تكذب على الرأي العام وظلت كلما أثارت جماعات حقوق الإنسان ومن بينها منظمات دولية محترمة، قضية التعذيب والمعاملة غير القانونية والإنسانية التي تعرض لها ''طفل كندي'' في المعتقل الأميركي الرهيب، تعلن بدون خجل أو حياء عن ثقتها في أن المواطن الكندي المعتقل يعامل معاملة قانونية وإنسانية من قبل السلطات الأميركية، وأنها تلقت وتأكدت من ذلك من السلطات الأميركية! ولقد ظل رئيس الحكومة الحالية حتى قبيل أسابيع من إذاعة الشريط-الوثيقة، يرفض بإصرار التدخل لدى السلطات الأميركية وترحيل ''عمر'' لمحاكمته أمام محكمة كندية أسوة بما فعلته حكومات بريطانيا واستراليا وغيرهما، عندما أقنعت ''بوش'' بترحيل بعض رعاياها المعتقلين ليحاكموا في بلدانهم· وبرغم ما تحفل به هذه القضية من جوانب مأساوية وإنسانية، وبرغم ما يبدو في كثير من التعليقات من اختلاف وجهات النظر من الكتاب والقراء، إلا أن هناك إجماعا كاملا تقريباً حول تقييم وتثمين دور القضاء الكندي الذي يعتبر أحد الدعامات الأساسية في الدولة الديمقراطية، فعندما تفرض ''الضرورات الأمنية'' على الحكام المنتخبين ديمقراطياً ''التجاوز'' عن القيم والمبادئ التي يدعون الناس إليها، وعندما تطغى سطوة الدولة والمؤسسات الأمنية على حق مواطن فرد لا حول له ولا قوة، فإن القضاء العادل النزيه والمستقل هو سياج الأمان للمواطنين، وذلك كان الدرس المستفاد الأول من قضية الطفل الكندي ''عمر'' الذي يعيد الطمأنينة والثقة في نفوس المواطنين في دولة القانون والعدل· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©