الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أمس البارحة» تلمس الحنين و «أخوان شما» تعرض صراع الأفكار

«أمس البارحة» تلمس الحنين و «أخوان شما» تعرض صراع الأفكار
28 مارس 2012
احتضنت القاعتان الأولى والثانية في معهد الشارقة المسرحي مساء أمس الأول آخر عروض المسابقة الرسمية للدورة الثانية والعشرين من أيام الشارقة المسرحية، والتي تختتم اليوم بحفل توزيع الجوائز، ويسبق الحفل عرض مسرحية “طورغوت” من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ومن إخراج الفنان المنصف السويسي الذي يدير المسرحية بطاقم فني وتمثيلي من تونس. العرضان اللذان قدما أمس الأول هما: “أمس البارحة” لفرقة جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، تأليف جمعة بن علي، وإخراج عبدالرحمن الملا، أما العرض الثاني فحمل عنوان “أخوان شما” لفرقة المسرح الحديث بالشارقة، تأليف مرعي الحليان، وإخراج إبراهيم سالم. “أمس البارحة” وانطلاقا من عنوانه يستثمر عرض “أمس البارحة” لعبة الزمن كي ينسج خيوطه حول حياة وذكريات وهواجس زوجين مسنين يعيشان حالة من النفور والكراهية وحالة أخرى متناقضة من الشغف والشوق، ويتلمس المتفرج أصداء وشرارات وألوان كلتا الحالتين في مناخ داكن، وفي بيئة أقرب إلى المكان الافتراضي منه إلى المكان الواقعي، فالزوج الذي يمتهن صناعة الفخار وبناء شواهد القبور (يقوم بدوره جمعة علي) يرى أنه يعيش في الحنين الخالص والمرتبط بهواياته وأحلامه ومشاغله التي لم يعد يهتم بها أحد، والتي تنتمي إلى زمن المثل والأخلاق الأصيلة والمنسية، أما الزوجة (تقوم بدورها الفنانة آلاء شاكر) فتمارس هوايتها في صناعة “التلي”، باستخدام “الكاجوجة”، ويعزلها عن الزوج حبال تبدو ضعيفة وواهنة من الخارج، ولكنها قوية ومهيمنة على مشاعر الزوجة من الداخل، ويكشف لنا المونولوج الذي تبوح به الزوجة أن زوجها هو المتسبب الرئيسي في تعاستها، واضطرابها النفسي، وحزنها المحفور في ضلوعها. المشهد التالي من العرض ينقلنا (بفلاش باك) خاطف إلى زمن سابق كانت العلاقة فيه بين الزوجين أكثر سوية، وأكثر اكتظاظا بمشاعر الألفة والتواصل الحسي والعاطفي والتي نكتشف من خلالها أن الزوج يسعى للمشاركة في حرب ضد من دنسوا الأرض وأهدروا دم أهله دون أن نعرف من هم هؤلاء الأعداء بالضبط، وفي المشهد الثالث والأخير في العرض يعود بنا الزمن إلى ماض أكثر غورا وبعدا، عندما يلتقي الزوجان لأول مرة في مراسيم الزواج، حيث يتصاعد النسق الدرامي في الأحداث ونكتشف مدى عمق الصراع المتشكل بين الزوجين، حيث ترفض الزوجة مغادرة زوجها للانتقام من أعدائه، خوفا عليه من الموت وعدم العودة إلى عش الزوجية، خصوصا أنهما ما زالا في طور اكتشاف ملامح علاقتهما الطرية والغامضة في ذات الوقت، ولكن عودة الزوج المفاجئة تضعه في قلب الشك والغيرة، اعتقادا منه بأن شخصا غريبا قام باقتحام منزله في غيابه، ورغم دفاع الزوجة عن نفسها، وتأكيدها على أن شرفها لم يمس، إلا أن الزوج يصر على ربطها بالحبال ودفنها حية في فناء المنزل تنفيذا لرغبة عارمة وجنون لحظي أصابه وأصاب زوجته المظلومة في مقتل. ورغم الانتقالات الزمنية التي أراد المخرج من خلالها أن يفاجئ المتفرج، بأن كل ما رآه من مشاهد أولي هي مجرد استراجاعات وهمية، لزوج محاصر بالندم والهلوسات السمعية والبصرية، تتعلق بزوجته التي ذهبت ضحية لغضب أعمى، وشك قائم على الظنون والتفاسير الخاطئة، وكان الأجدر بالمؤلف جمعة بن علي التركيز على هذه الحبكة الدرامية المكثفة، بدل الاسترسال في هوامش وتفاصيل زائدة متعلقة بالحنين إلى مكونات الماضي والظواهر التراثية الغائبة، والتي تخللتها القفشات الكوميدية التي لم تناسب الطرح المأساوي الداكن للقضية الأساسية في العرض. “أخوان شما” في المقابل جاءت مسرحية “أخوان شما” للمخرج إبراهيم سالم كي تقدم الفرجة الشعبية في إطارها المتخفف من الفذلكات الإخراجية، والمبالغة الرمزية، فجاء العرض سلسا ومتوازيا في خطوطه السردية، وحتى الكوميديا التي تسيدت وطغت على عدة مشاهد في العرض، جاءت موظفة لخدمة العرض، ونبعت من داخل النسيج الدرامي للقضية المطروحة، وكان للفنان المتألق حسن رجب دور في إخراج العمل من جو الرتابة التي كانت ستصيبه، حيث ساهم بأدائه الكوميدي المتقن والعفوي، في ربط جمهور الصالة بمضامين العرض والتي أتت في النهاية كي تقدم لنا تساؤلات مقلقة وجريئة ومصاغة بشكل متماسك كي تلقي ضوءا مكثفاً على إشكالية اجتماعية حاضرة ومشتبكة بهوية وقيمة المكان، وتلامس بدقة أزمة تصادم الأفكار وصراع الأجيال ووجهات النظر المتعاكسة بين جيل الإنترنت والوسائط الحديثة، وبين جيل ما زال يحتفظ في وعيه وسلوكه بمكونات وتفاصيل الزمن الجميل، المحتشد بالرومانسية والترابط العائلي والاجتماعي، هذا السلوك الذي رأيناه واضحا في حوارات الأخوين حميد (مرعي الحليان)، وعبدالله (حسن رجب)، في مقابل السلوك المتمرد والأفكار والتصورات الجديدة للأخ الأصغر جاسم (إبراهيم استادي)، وفي مسار آخر من خطوط العرض نرى الصراع المحتدم بين زوجة حميد (سلوى الأميري) وزوجة عبدالله (بدور الساعي)، حيث تصر الأولى على أنها سيدة المنزل المشترك للإخوة، بينما تعاني زوجة عبدالله من ازدحام المنزل بأطفال حميد وعدم شعورها بالاستقلالية، واعتمد المخرج إبراهيم سالم على رمزية حبل الغسيل الذي يتصارع عليه الجميع لتعليق ملابسهم، كي يكون هذا الحبل هو أساس ومغزى ومكمن القضية التي يطرحها العرض، والمتمثلة في الرباط العائلي والأخوي الذي يجب أن يسود ويطغى على كل الخلافات النابعة من تبدل الظروف والأزمنة، ودخول سلوكيات غريبة وصادمة مثل الطمع والجشع والأنانية والتي باتت تعيق العلاقات السوية بين الأشقاء وتدمر القيم الإنسانية النبيلة والجليلة التي تركها لنا الآباء والأجداد بعفويتهم ونقاء سريرتهم وخلو حياتهم من العقد والأنماط السلوكية المتطرفة. امتاز عرض “أخوان شما” بلغته المحلية الخالصة والمتخلصة من اللكنات الدخيلة، ومن المفردات المستهجنة الطاغية على النصوص المكتوبة للمسرح والتلفزيون أيضاً، وهو أمر يحسب لمرعي الحليان الغيور على اللهجة الإماراتية والذي يكتب نصوصه بوعي ودراية عالية تتعلق بخصوصية وجمالية المفردة الشعبية وطاقتها المستعادة من إرث شعري وشفاهي وحكائي ثري وغني بالأخيلة والإيقاعات والجرس اللفظي المتميز. وعلى مستوى الإخراج نجح إبراهيم سالم في استغلال زوايا الإضاءة المكثفة والعلوية والجانبية، لخلق التنويع المشهدي المتناوب بين الكوميديا والتراجيديا، وبين اللحظات الحالمة والأخرى الخشنة والواقعية، كما استطاع أن يوظف الديكورات لإيصال فكرة الاحتشاد والازدحام في المنزل، ومن دون أن تؤثر كتل السينوغرافيا هذه على إيقاع الأداء وعلى حركة الممثلين في مقدمة الخشبة وفي عمقها.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©