مخطوطات قرآنية مكتوبة بماء الذهب محفوظة في المجمع العلمي ببيروت

منذ بداية حياته، كانت الرؤية لديه حتى بالحلم، تؤكد أن لا شيء يستحيل على الإرادة والقدرة الإنسانية، باتجاه الحياة، حيث تحفر الذاكرة تصميماً تصعب إزالته. وعندما تأسس المجمع العلمي العربي الإسلامي في بيروت في منتصف السبعينيات، كانت باكورة أعماله هي إعداد طبعات كبيرة وفخمة من القرآن الكريم. واعتمد المجمع على مخطوطة للقرآن الكريم تعود إلى العصر العباسي، وكانت النتيجة 500 نسخة فخمة، كتبت حروفها بماء الذهب على صفحات ازدانت بزخرفة ملونة. «دنيا الاتحاد» التقت رئيس المجمع العلمي العربي الإسلامي د. محمد الداية، الذي يحتفظ بنسخ للراغبين باقتنائها، مؤكدا أن «القرآن يوهب ولا يباع»، وفق الشريعة الإسلامية، لذا فهو لا يحدد ثمناً إنما يوضح الكلفة، ويحتفظ الداية في منزله بنماذج متعددة الأحجام من المصحف الشريف، توزعت في صناديق على شكل تحف فنية من الخشب والكريستال، أو في صناديق غلّفت بجلد الثعبان، أو جلد الحية، وهي مزينة بالنحاس المطلي بالذهب. وتاليا نص الحوار: • من هو د. محمد الداية، وكيف ولدت فكرة إنتاج طبعة خاصة للقرآن الكريم؟ محمد الداية إعلامي قديم، وقد زاولت المهنة منذ شبابي وكان زميلي الدائم النقيب الحالي محمد البعلبكي. نلت شهادة السياسة والاقتصاد وانصرفت إلى التعاطي في أمور عادية، إلاّ أن طموحي وأهدافي كانت تتجه دائماً إلى تاريخ وخصائص القرآن الكريم وكل ما يتعلق بالشأن الإسلامي، وهذا الأمر أوصلني إلى تبوؤ رئاسة المجمع العلمي العربي الإسلامي الذي كان لي شرف تولي إدارة شؤونه ومسؤولياته. بعد ذلك، قمت بجولة على متاحف العالم، ووقع اختيار المجمع العلمي العربي الإسلامي في بيروت، الذي كان قد قرر إصدار طبعة فنية بالغة الروعة والقيمة للقرآن الكريم، كباكورة لأعماله في خدمة الشؤون الإسلامية، على مخطوطة نادرة للمصحف الشريف محفوظة في متحف لندن، ويعود تاريخها إلى سبعمائة سنة ونيف، أي إلى أواخر العصر العباسي، وهي بخط الخطاط الشهير أحمد القره حصاري. • حدثنا عن المخطوطة الإسلامية النادرة للمصحف الشريف؟ تقع المخطوطة في 707 صفحات، وهي بقطع من 30 إلى 40 سنتمترا. أما الخط فهو من نوع الثلث والنسخ، وتبلغ الصفحات المزخرفة في المخطوطة ست صفحات، اثنتان منها في أول المصحف، واثنتان في وسطه واثنتان في آخره. • هل واجهت معوقات ما؟ حصلت على إذن خاص من أجل تصوير المخطوطة بكاملها. وقد استعنت بأحد أمهر المصورين في لبنان والشرق الأوسط. واستمرت عملية التصوير ثلاث سنوات، وسجلت الصفحات في «سلايدات» خاصة بحجم 6 ضرب 6 سنتمترات. وفي المطابع الفنية الحديثة التابعة للمجمع العلمي العربي الإسلامي تم تكبير «السلايدات» الى حجم 70 ضرب 100 سنتمتر، وتم ترميمها على يد فريق من أمهر الخطاطين، استقدمهم المجمع من مختلف أنحاء البلاد العربية، وتقرر أن لا يكتفى بالزخرفة الموجودة في المخطوطة الأصلية في ست صفحات فقط، بل أن تزخرف على النمط نفسه وبالألوان نفسها جميع صفحات المصحف. • ما هي الإضافات التي أدخلتموها على المخطوطة؟جرى إعداد ورق خاص من نوع «وندرز» الألمانية بطبخة خصوصية لهذه الطبعة لا تستخدم لسواها على الإطلاق وهي تتميز بالمناعة الأكيدة ضد التآكل على مر السنين، وضد جميع أسباب التلف المعروفة. واستخدمت أيضاً في طباعة الألوان، أحبار خصوصية من ألمانيا، بحيث جاءت الطبعة بخمسة عشر لوناً، إضافة إلى الذهب عيار (24) مع طريقة خاصة تجعله ليناً وصالحاً للطباعة، دون أي تغيير مع الزمن. •كم استغرقت عملية التحضير لهذا المشروع القيم؟ عملية التحضير للشروع في الطباعة استمرت ست سنوات، وعملية الطباعة أربع سنوات، بالإضافة إلى السنوات الثلاث الأولى التي استغرقتها عملية التصوير. • والنسخ كم بلغ عددها؟ طبع من المصحف الشريف خمسمائة نسخة فقط. • وعملية التجليد؟ من ناحية التجليد، فقد اخترنا جلد النعام الحقيقي النادر الوجود. وقد زخرف باليد بورق الذهب عيار (24). واختير لداخل الغلاف جلد الغزال النعومة. واستمرت عملية التجليد هذه سنتين. • طبعاً هذا العمل النادر له تكاليف باهظة، هل لنا أن نعرف الرقم المالي؟ بلغ ما أنفق على النسخة الواحدة لإنجازها ما يقارب المائة ألف دولار أميركي. • هل من مشاريع أخرى على صعيد النتاج الإسلامي الغني قيد التحضير؟ أفتش حالياً عن مخطوطة «مملوكة» وهي مهمة جداً، ويعود تاريخها إلى أكثر من 900 سنة، وينصب اهتمامي على المتاحف الموجودة في أوروبا وتركيا، وإذا وفقني الله وعثرت عليها، فإن عملاً فنياً عظيماً سيشهده العالم. • يقال إن بعض القصور تحوي مخطوطات إسلامية أصلية، ورسائل تعود إلى الأئمة والأنبياء برأيك ما صحتها؟ قد يبالغ البعض في هذا الأمر، وسمعت بعض الأقاويل حول امتلاك البعض للنصوص والمراسلات الإسلامية ووجود بعضها مثل قصر فرعون، وأوكد أن هذه الرسائل هي ليست الأصلية بل نسخاً عنها. • من شجعك على نتاجك الفني الإسلامي، وأثنى على هذا العمل الدؤوب؟ أول شخص شجعني وأمسك بيدي كان صاحب السمو المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله، وكانت له الرعاية والضيافة الكريمة لمدة سنة وأكثر ثم دولة قطر والبحرين والمغرب. • حدثنا عن الصناديق المميزة التي صنعت خصيصاً من أجل وضع المصحف الكريم فيها؟ أحب أن أقول في هذا المجال إنه بعد القرآن الكريم، لا يعلو أي مشروع أو نتاج فني عليه. وهذا ما دفعني إلى القيام بتجديد متواصل للصناديق التي يوضع فيها المصحف الشريف، وأدخلت عليها تحسينات من أندر ما وجد لناحية القيمة والروعة وجودة العمل. • هل من معارض تنوي المشاركة فيها والقيام بعرض نتاجك لطبعات القرآن الكريم المستوحاة من مخطوطات تعود للعصر العباسي؟ حالياً، أنا بصدد التحضير لمعارض في قطر والبحرين بعد أبوظبي وباريس، حيث أقمت معرضاً في معهد العالم العربي، وأتلقى اتصالات عديدة من أميركا من دول أوروبا إلى جانب رؤساء دول عربية. • ما هي آخر عملية شراء تمت معك؟ طلب مني ملك المغرب الملك محمد السادس نسخة مذهبة من القرآن الكريم، بمناسبة ختان ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وهذه النسخة كتبت حروفها بماء الذهب على صفحات مزخرفة، وبما أن القرآن يوهب ولا يباع وفق الشريعة الإسلامية، لذا لم أحدد السعر مقابل النسخة. • كما نسخة باقية لديك؟ المشروع برمته شمل 500 نسخة لا يقل وزن الواحدة منها عن 15 كيلوجراماً، وما زالت لدينا نسخ للراغبين باقتنائها، أاحتفظ في منزلي بنماذج متعددة الأحجام من المصحف الشريف، تتوزع في صناديق على شكل تحف فنية من الخشب والكريستال أو في صناديق غلفت بجلد الثعبان أو جلد الحية، وهي مزينة بالنحاس المطلي بالذهب. •هل من هدايا قدمتها لشخصيات وزعماء ورؤساء دول؟ لا أحب أن أتكلم عن هذا الأمر، إلاّ أنني قدمت بعض النسخ كهدايا لزعماء تربطني وإياهم علاقات وطيدة. وأيضاً أهديت البطريرك الماروني نصرالله صفير نسخة قرآنية ليضعها في متحف الصرح في بكركي. وقدمت خزانة مزخرفة لضريح الرئيس رفيق الحريري، تحتوي على المصحف الشريف والأجزاء الأخرى وهي من أندر ما وجد، وحاليا أنوي زيارة الفاتيكان لتزويد قداسة البابا بنسخة من القرآن الكريم.