الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات العربية ويوتوبيا النزعة الإنسانية

1 ابريل 2011 23:03
علينا إعادة الفضاء الفكري ليصبح اللغة المفضلة للدراسات الثقافية والسياسية، وإن أدى ذلك إلى جعل الاستعارة تحتل مكان الصدارة. وإذا كان الاهتمام ما زال أكبر في مجال السياسة، منه بالنسبة لمفهوم الفضاء. حيث إنه، كي نفهم واقع العالم العربي الذي نعيش فيه الآن، علينا أن نتعامل مباشرة مع الدعائم النظرية المتنوعة، وتوجيه الميول الفلسفية والنوازع السياسية، نحو اكتشاف الفضاء في إطار عملية التنظير السياسي. فإضفاء الطابع الفضائي على العملية الثورية اليوتوبية ينطوي بالضرورة على تفضيل أحد الأشكال على الآخر، أي ينطوي على قرار من نوع إما/أو وإذا كانت الجغرافيات الثورية الجديدة واقعية بشكل عام، فإن اختيار أحد الأشكال الفكرية هو بحد ذاته، اختيار قوي بين بدائل. وبتعبير مختلف، هو يشكـل مجـازاً دقيقـاً يمكن القول فيه إن ” الفضائيات الشيطانية للثورة ” قد تعمق بدلاً من أن تخفف المآسي التي وعدت تلك النزعة اليوتوبية بأن تزيلها. فالواقع الثوري كان تعبيراً عن حالة استثنائية من التوجس، دعمته طبقة حاكمة عربية متسلطة من حيث لا تدري، وإن لم تكن ترغب بذلك، حيث ظنت تلك الحكومات أنها ترى أمامها طريقاً يخلو من أية تحديات ذات قيمة على مستوى شعوبها. وتلك هي اليوتوبيا التي تصبح فيها خياراتهم هي المستقبل الوحيد الممكن. والعقبات من كل الأنواع تتفتت بفعل التآكل الذي يحدث، لدرجة المصير الحتمي أصبح قائم تحت شعار ” ليس هناك من أي بديل”. وتلك الرؤية أو الحقبة انتهت بمؤشرات وافرة، تدل على هشاشة تلك اليوتوبيا، فانفجار الثورات العربية تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والسياسية، ونجاح بعضها خارج كـادر التدخلات الخارجية، كان بمثابة بيان بأنه حتى داخل النظام نفسه هناك البدائل الممكنة. واليوتوبيا لا تتجاوز الاختيار لكنها تعانقه، فالمخاطر المصاحبة لاقتراح نزعة يوتوبية حذرة، تحمل مخاطر جمة في الوقت الراهن. وتبني اللحظة الثورية يعني في الوقت نفسه، لا مفر من السلطوية قرار إما / أو . لكن الخطر هو أن تمتد السلطوية إلى ما بعد اللحظة، أن تتكاثر وتصبح عادة مستقرة، أن تتمأسس وهذا الوصف يمكن أن ينطبق على التاريخ المأساوي لتاريخنا منذ عصر الخلافة، وهذه المتاهات بالتحديد هي ما تتطلب مفهوم الدفاع عن الثورة الدائمة. إذ أن تفتيت القضايا تجعل من تفتيت الاختلاف عليها، علامة على التمايز الثقافي. فهذا هو زمن إعادة الاتصال السياسي، والرؤى المتعددة للبدائل، وهو زمن اليوتوبيا المتجددة، حتى وإن كانت حذرة ونقدية. يوتوبيا تنطوي ليس فقط على تفاؤل الإرادة، بل تنطوي أيضا،ً على تفاؤل العقل، وهو أمر أصبح الحاجة الملحة للعصر. أحد أكثر المناطق خصوبة في النظرية الثورية اليوم، تتعلق بمسألة المقياس الفضائي. فالمقياس يعامل بصفة عامة على أنه ثابت بدرجة أو أخرى. لكنه من الناحية العملية معطى أيضاً. والمقياس لا ينظر إليه عموماً على أنه مسألة فلسفية أو نظرية مهمة، وإنما يعتبر في أحسن الأحوال، سؤالاً منهجياً، يتصل باختيار المقياس الذي يمكن للمرء من خلاله، أن ينظر إلى مشكلة ما، وأن يجري بحثاً ما. فالمناقشات حول الخصوصية والثورة، وحول مصير دولنا العربية، توحي بغير ذلك، فالمسألة لا تتحدد ببساطة في إعادة بناء الترتيب الفضائي، بل تتحدد في أن المقاييس التي يتم من خلالها تجميع تلك العمليات في وحدات فضائية مستقلة ومتامسكة ومتمايزة، إقليمية، قومية، هي نفسها تتطلب أن يعاد بناؤها. وعلى ذلك، فالنظرية العربية المعاصرة ترى أن الشبكة التراتبية للمقاييس الفضائية، هي نتيجة للعمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهي في الوقت ذاته، فاعل يؤطر ويشكل تلك العمليات المختلفة، وصنع المقاييس الفضائية من المفترض أن يضمن هذه الاختلافات. فالمقياس هو الوسيلة التي تستطيع المجتمعات بواسطتها أن تنتج وتنظم الاختلاف الفكري. فإنتاج المقياس إذن ليس مجرد شيء تاريخي قابل للتحول، بل هو أمر غاية في الأهمية بالنسبة للسياسة. وهو البنية التحتية التي تنظم الاختلاف، محولة إياه إلى اختلاف فكري، ثم تجعله يرتد ثانية كجزء طبيعي وثابت من المشهد الأصلي. وعلى ذلك، فإنتاج المقياس هو وسيلة لتشكيل واحتواء الخيارات، ووسيلة لتقوية صراعات معينة في آن واحد. فعملية وضع المناقشات حول المستقبلات المحتملة في إطار مقياسي، عملية ضرورية للملائمة المتزايدة للقيم في عالم العرب اليوم. ومسألة الخصوصيات في مواجهة الثورات، أصبحت ذات أهمية سياسية في الوقت الراهن، بالنسبة للفصل في المزاعم القائمة بين مختلف الهويات المضطهدة والمهمشة والمستغلة، والأهم من ذلك، بالنسبة لأي مشروع مقترح لأنظمة بديلة. فإضفاء الطابع اليوتوبي على الثورات العربية المعاصرة، هو طابع سحري، يعبر عن المستقبل بلغة عالمية متخفية تحت قناع اختلاف الوقائع، ويكشف عن المدى الذي تكمن فيه مشكلة الخصوصية، في قلب أية رؤية للمستقبل المصنوع، أو المرغوب فيه. فكلنا يستطيع أن يحلم بآفاق مستقبلية شديدة الاختلاف فيما بيننا، ومعظمنا يفعل ذلك لكن : كيف نتمكن من جعل ذلك حقيقة واقعة؟ سلام الربضي - كاتب أردني ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©