الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

امرأة المبدع

امرأة المبدع
21 يوليو 2008 23:07
من هذه المرأة التي تعيد ترتيبك ولملمتك يا عزيزي؟ من هذه المرأة التي تتكرر ملامحها في لوحاتك؟ من هذه الساحرة التي تظهر وتختفي في قصصك ورواياتك؟ وينتهي كل سؤال بتحذير: لا تقل إنها أنا، لن أصدقك أبداً· حوار أزلي يدور بين المبدع وامرأته، لا ينتهي إلا بانتهاء أحدهما، وغالباً ما يسبقها، وتكون تداعيات السؤال خراباً على أجواء العلاقة· للوهلة الأولى، وتجنباً للمزيد من الأسئلة والمحاكمات والاتهامات، يعتقد الشاعر، الفنان، القاص، أنه لو شرح المسألة لامرأته سيهنأ في ما تبقى من حياته، لكنه يفاجأ حين يكتشف أن إجاباته تزيد المسألة تعقيداً، وإنه قد يدين نفسه من حيث لا يدري، فهو يدافع عن امرأة يعرفها ولا يعرفها: ساحرة تتلبسه وتسكنه في أوقات، وتتركه في أوقات أخرى، امرأة تعيد تشكيله ولا يشعر بها إلا في لحظة (لملمته)، امرأة تلح عليه وهو يملأ فراغ لوحته فلا تغيب إلا حين يسجنها في إطار، ثم يعود المبدع بعدها لممارسة حياته الطبيعية من وظيفة ومسؤوليات وأولاد وواجبات اجتماعية ومشاوير للأسواق وغيرها· امرأة المبدع سر من أسرار الإبداع، لا يدركها المبدع نفسه، ومحاولته للحديث عنها كمحاولته تفسير العملية الإبداعية برمتها، وهي عملية عجز عن إدراك كنهها وجوهرها علماء النفس، على الرغم من اجتهادهم وخروجهم بتفسيرات ونظريات وتحليلات شتى، بل إن العملية الإبداعية تدهش المبدع ذاته، من خلال دهشته حين يقرأ ما أنتج بعد مرور وقت على إنجازه لعمله· الناقد يقع في الورطة ذاتها حين يقدم على تفسير الإبداع، خاصة حين يدخل النص، اللوحة، القصيدة، وهو مسلح برؤية نمطية مسبقة لأشكال الإبداع، فإذا وقعت عيناه على استعارة غريبة، أو شخصية لا نمطية، أو لون أو مساحة خارجة عن المألوف، فإنه يستل مشرطه مستهجناً، ليقوم بمذبحة على الملأ، قد تطول المبدع ذاته، ويسميها نقداً· إن ورطة امرأة المبدع تكمن في شخصنة الإبداع واستبعاد نفسها من النص، على الرغم من وجودها فيه، وورطة الناقد تكمن في ابتداع الشخصنة، ويكون المبدع في كل الحالات ضحية جهل جوهر العملية الإبداعية· إن قبول المبدع كما هو، من دون محاولات تدجينه وتعليمه وفرض الإملاءات عليه وتصنيفه في خانات، ومن دون توصيفه أخلاقياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً، هو احترام لتفاصيل حياته وقراءاته ورؤيته وأحاسيسه ومشاعره ومعاناته، والدخول إلى عمله من دون معرفة مسبقة، يسهل على المتلقي، المرأة، الناقد، التعامل معه واكتساب صداقته، إذ يفترض في العمل الإبداعي أن يتضمن معرفته الخاصة وأجواءه ورموزه، وفهمه يكمن فقط في الإنصات إليه، والاستماع إلى تدفقه وهو ينهمر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©