الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بهاء طاهر لم يعرف أن الطواويس تطير

بهاء طاهر لم يعرف أن الطواويس تطير
24 سبتمبر 2009 02:27
عاد الروائي والفنان بهاء طاهر إلى حيث بداياته الأولى، بهاء الذي حاز شهرة واسعة بين قراء العربية كروائي، هو في الأصل قصاص، وعلى الرغم من أنه فاز بجائزة البوكر العربية، بروايته البديعة «واحة الغروب» لكنه لا ينسى أبداً أنه قصاص، فقد بدأ بكتابة القصة القصيرة واصدر مجموعته الأولى «الخطوبة» عام 1972، واتبعها بمجموعته «بالأمس حلمت بك» والتي صدرت عام 1984، وكانت آخر مجموعة اصدرها قبل 11 عاما وهي «ذهبت إلى شلال» أما مجموعته التي صدرت هذا الأسبوع عن دار الشروق فهي بعنوان «لم اعرف أن الطاوويس تطير» وتضم المجموعة ست قصص من بينها «سكان القصر» وكلاب مستوردة.. قطط لا تصلح.. الجارة». تطل من قصص المجموعة الأفكار التي يلح عليها بهاء في حياته وأعماله ولعل اهمها الحرية.. حب الحياة.. الألم والمرارة من الغربة، وغيرها. القصة الأولى بطلها طفل، هو الحفيد احمد، والقصة الأخيرة «جارتنا» بطلتها سيدة عجوز تقترب من الثمانين وربما تجاوزتها.. وهنا شيء مشترك يجمع القصتين معا، في القصة الأولى، نجد الحفيد، الذي يبلغ من العمر سنتين، وهو يفعل ما يحلو له، أو يحاول أن يكون كذلك، يقوم بتمزيق أغلفة كتب جده في المكتبة لكن الجد يتصدى له، ليس بالعنف، ولكن بإزالة الكتب والأشياء كلها من أمامه، وفي مرة يطلب الطفل أن يركب مع جده سيارة ويفسحه بها، الجد تصور انه يريد عربته اللعبة، لكن الحفيد يقذف باللعبة وتنتبه امه إلى ما يطلبه، وتنصح الجد بأن يشغله عما يريد، بأن يلفتا انتباهه إلى أشياء أخرى، لكن الطفل يصر على رغبته، وهنا تتركه الأم وتذهب إلى المطبخ، قائلة له «اتفلق!».. ويحاول الجد المسكين إرضاء الحفيد، دون ان يحقق له مطلبه، لكن الحفيد لا يرضى، وينتهي الأمر بأن يدمر الطفل سماعة التليفون! في القصة الأخيرة نجد السيدة العجوز»ايفيت» تعيش وحدها، في شقة بسيطة وعلى معاش زوجها، وهناك ابنها «جاك» يعيش في نفس المدينة ونادرا ما يزورها، زوجته لا تحبها، ورغم ذلك لم تغضب إيفيت، نسيت هي الأمر كله، وقررت أن تعيش حياتها، هي سيدة محبة للحياة، وللحرية، لكن ابنها يريد أن ينقلها لتعيش في بيت للمسنين، هو يتصور انه بذلك يضعها في مكان يؤمنها، حيث يوجد من يرعاها، وهي وتعتبر ذلك سجنا لها وقيدا عليها، ولعله يريد أن يتخلص من عبئها، على الرغم أنها ليست عبئاً على أحد تقول هي لجارها المصري ـ القصة تدور في مدينة فرنسية ـ «لاحظت أن بعض الناس يضايقهم جدا أن تكون عجوزا وحرا أو ألا تحتاج اليهم. ربما يزعجهم انك تستمتع بحياتك لأنهم هم لم يعرفوا أبدا كيف يستمتعون بحياتهم» تعلمت هي حب الحياة من زوجها الذي عاش الفرح والحرية حتى آخر أيامه على الرغم من آلام المرض. بينما زوجة ابنها التي على الرغم من كل ما لديها ولدى زوجها من ثراء ومال تخرج من علاج نوبة اكتئاب لتدخل في نوبة أخرى. ذات مرة تصاب الجارة «ايفيت» بأزمة صحية، فينزعج الجار عليها، ربما انزعاجه نحو نفسه هو «لا تخذليني يا جارتي الشجاعة! أنا التمس من شجاعتك الأمل الذي ضاع مع عمر انقضى دون معنى ولا فرح فلا تتركيني وحيدا..»! تدخل السيدة المستشفى ويكتشف الأطباء أنها بحاجة إلى إجراء جراحة صغيرة لتوسيع شرايين القلب، فترفض، الأطباء يرون أنها جراحة ليست خطيرة بالمرة، لكنها تصر، وتقول لجارها وزوجته الذين تدخلا لإقناعها بالموافقة على الجراحة «هل تعرف ما هو عمري؟ انا لا أريد أن أموت وأنا مخدرة. أريد أن أكون مفتوحة العينين وأنا أودع الدنيا.. ولا أريد أن أودعها باختياري. لن اجري الجراحة لأني لا أريد أن افرط في يوم يمكن أن أعيشه ولن افرط في هذه الهدية باختياري» وتضيف «ما أهمية أن أعيش على هذا السرير أو على سرير مثله في أي مكان؟ هل يساوي هذا نهارا من نزهة في حديقة وسط خضرة الأشجار وجمال الأزهار؟ هل يساوي وقفة ساعة على شاطئ البحر؟ هذا يا صديقي هو الألف عام الحقيقي.. أن نفرح بكل دقيقة في هذه الدنيا قبل أن نودعها.. الفرح بالحياة هو الذي دفع هذه السيدة إلى أن تترك المستشفى، وتوقع على قرار بأنها تخرج على مسؤوليتها، وتعود إلى بيتها، تمارس حياتها، وما بها من طقوس، تعرف أن هناك من لا يفهمها «أليس من الأفضل لها أن تبقى في المستشفى او تذهب إلى بيت المسنين إلى أن يحين يومها فتختفي بسلام؟ تختفي دون ان تزعج ابنها او جيرانها؟ اذا كانت هذه السيدة العجوز، انتصرت بحبها للحياة وتمسكها بحريتها على رغبة ابنها وزوجته ورغبة أطباء المستشفى فإن الصورة ليست هكذا دائما ففي قصة «لم اعرف ان الطواويس تطير» والتي تحمل المجموعة اسمها تجد الهزيمة للطاووس الذي يبحث عن حريته وتمرد على المألوف عنه حيث طار على الشجرة، فيخاف مسؤولي الحديقة عليه من ان يسقط وتتهدد حياته، فيستدعي رجال المطافئ كي يصلوا إليه على غصن الشجرة بالسلم ويظل الطاووس يطير ويرتفع الى غصن أعلى باحثا عن حريته ومكان آمن ويتجنب القيود ويجد التشجيع والتصفيق من الجمهور المراقب لكن يتم توجيه نداء من الشرطة إلى هذا الجمهور للانسحاب وينسحب ثم يتمكن احد رجال الإطفاء من اصطياد الطاووس والعودة به ثانية حيث يراد له أن يكون ويبدو أن الطائر، كان قد تعب ويقف بطل القصة يتابع المشهد حزينا «انتصر رأي ضابط المطافئ وأعيد تحريك السلم نحو شجرة التنوب واختار الضابط واحدا اخر من رجاله صعد السلم بخفة وتوقف قليلا قبل ان يصل الى محاذاة الطاووس الذي ظل ساكنا وغمغمت بإلحاح تحرك! قاوم.. طر لكنه عندما وصل اليه الصائد ورمي شبكة لم يتحرك الطائر كأنه كان ينتظر، كأنه كان يلقي بنفسه مختارا في الشبكة!! وحين كان الصائد ينزل به وهو في الشبكة تحسر البطل متذكرا نفسه «قلت لنفسي وأنا انصرف: يا طائري العجوز أشباه عوادينا». قصص المجموعة بها درجة ليست قليلة من الرمز، مثل قصة «سكان القصر» حيث يعيش سكان الحي بجوار القصر الملفوف بالصمت التام، ولا يعرفون أي شيء عنه وعن ساكنيه، منهم.. وكيف جاؤوا وحتى أن بعض الحكايات والتصورات انطلقت حولهم ومعظمها لا يثبت للمنطق مثل أن هناك نفقاً تحت القصر يدخلون ويخرجون منه كي لا يراهم احد الجيران وأبناء المنطقة لا يرون سوى أنوار القصر والحراسة المكثفة حوله، حتى الحراس لا يعرفون شيئاً وحين يقع حادث إرهابي بجوار القصر لا يتبين أحد ما الذي حدث بالضبط. وتنتهي القصة بصرخة لمعرفة من بالداخل وماذا يجري ولكن لا يأتي رد فقط الصمت ويمكن استنتاج معانٍ كثيرة سياسية واجتماعية، خاصة أن القصر يقع في منطقة «جاردن سيتي»، هناك كذلك قصة «قطط لا تصلح» وتتحدث عن قطط مستوردة تقوم سيدة الفندق بإعدادها على نحو معين لا تصلح معه حتى لمواجهة فأر ويقول أحد أبطال القصة إنها «قطط مضروبة» فيرد البطل أننا جميعا «قطط مضروبة». قصص المجموعة فيها الكثير من أجواء وعالم بهاء طاهر الإبداعي والأهم أسلوبه الرصين والجميل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©