الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللوَى...

سِقْط اللوَى...
24 سبتمبر 2009 02:26
لعلّ من حقّ أوّلِ أمير للشعراء العرب أن يحبُوَ منّا كلمةً نكتبها عن أحدِ دواوينه، بعد أن كنّا عايشناه، في الموسم الأوّل لمسابقة أمير الشعراء، طَوالَ شهرين ونصفٍ بمسرح شاطئ الراحة البديع... لم يكن عبدالكريم معتوق، أوّلُ أميرٍ للشعراء العرب في القرن الواحد والعشرين، مشهوراً في العالم العربيّ لنقص الترويج الإعلاميّ، ولم نكن نظنّ أنّ بالإمارات شاعراً بهذه القامة الفارعة، وبهذا الغَرْبِ السَّيّال، وبهذا الصوت الهدَّار، حتّى شاهدْنا وسمعنا!... غير أنّ الأمير نال بعضَ حقّه من الإعلام الأدبيّ منذ أن نال إمارة الشعر، فأمسى نجماً ثاقباً، وكوكباً ساطعاً، في نوادي الشعر العربيّ مشرقاً ومغرباً... وتلك مزيّة من مزايا مسابقة أمير الشعراء... وقد كان الأمير، عبدالكريم معتوق، أهداني ديوانه «أعصاب السكّر» منذ سنة على الأقلّ، وظلّ على مكتبي، لم أصفّفه في رفوف الكتب، حتّى أكتب عنه كلمة في هذا العمود الذي أجدّد تحيّتي إلى قرّائي من خلاله... واليوم سنحت الفرصة لذلك، فليتقبّلْ منّا الأمير هذه الكلمة الموجزة، ولو أنّها تأخّرت!... أشهد أنّ عبدالكريم معتوق يسيل غَرْبُه شِعراً، وتتبجّس قريحته إبداعاً وسِحراً، وكأنّي بالرجل وهو يشبه أبا العتاهية الذي كان يقول لأصحابه: لو شئت أن يكون كلامي كلّه شعراً، لفعلت! فهو يستطيع أن يرتجل القصائد الطِّوال دون أن يعاني في ذلك صعوبة، أو يكابدَ عَنَتاً. وهذا، وأبيك، الشاعر! فالشاعر ليس هو الذي ينحت من صخر، ولكنّه الذي يغترف من نهْر! وعلى أنّ من الشعراء من يستطيع ذلك ولكنْ نظماً! وشتّان بين من ينظم كلاماً فيركّبه تركيباً، وبين من ينسج شعراً فيحبّره تحبيراً، على لغة أبي موسى الأشعريّ... وقد صدر للشاعر بعدُ طائفة من الدواوين منها: «مناهل»، و»طوّقتْني»، و»طفولة»، و»هذا أنا!»... وأمّا ديوان «أعصاب السكّر» فيشتمل على ثمانٍ وثلاثين قصيدةً، أتوقّف لدى واحدةٍ منهنّ هي قصيدة «الشاي الأخضر»، ربما لأنّي أوثِر الشاي الأخضر على سواه من أنواع الشاي، وخصوصاً في فصل الصيف حيث يزهو النعناع فيبلغ غايته من العبق الذي يسيل له اللّعاب، وتتلمّظ لشرابه الشفاه، في المغرب العربيّ... ويبدو أنّ الشاعر قضّى أمسيّة من تلك الأمسيّات التي قلّما يجود الدهرُ بمثلها، في مدينة الدار البيضاء المغربيّة (التي سَمّاها الإسبانُ: «كازا بْلانْكا»، ويختصرها المغاربة بقولهم: «كازا»، فجاراهم الشاعر على استعمالهم الشعبيّ)، وفي مجلس من مجالس الأنس التي تُدارُ فيها كؤوس الشاي المنعنع... الذي يذكّر بأمّ عَمرٍو، ساقية عمرو بن كلثوم، التي اتّهمها بأنّها كانت تَصْبِنُ عنها الكاسَ فلا تَصْبَحُه بها، لأنّها كانت تُؤْثر صاحِبَيْهِ عليه إِيثاراً، فصوّر بعضَ تلك اللحظاتِ السعيدة التي كان الشاعر يغتبق فيها شاياً مُنَعْنَعاً مُشَعشَعاً، ويتذوّق سعادة معسولة أثْمَلتْه بالمشروب الحلال! فصوّر بعض ذلك في قصيدة قصيرة، يقول في بعضها: فمِن كأسِ شايٍ صغيرٍ بمقهى تذكّرتُ «كازا» وما مرّ فيها تذكّرتُ يا حزن تلك الليالي وما يعتريني إذا قلت «كازا» وما يعتريها (...) أغُصّ بصمتي أغُصّ بماءْ إذا ما تذكّرتُ والشايُ حولي أحاديث «كازا» بذاك المساءْ...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©