الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تفضح الروايات أسرار انهيار الاقتصاد؟

هل تفضح الروايات أسرار انهيار الاقتصاد؟
26 مايو 2010 20:15
هل يمكن للأدباء أن يسهموا في حل الأزمة الاقتصادية الحديثة؟ هل يمكن للقصص القصيرة أو الروايات، أن تشرح للقارئ تلك العلاقات المعقدة في أزمة الديون العالمية، انهيار المصارف وبيوت المال والشركات، وتسريح ملايين العاملين؟ ليس المقصود الشرح بالأرقام والإحصائيات، كما هو واضح، ولكن من خلال التغلغل في انعكاساتها على العلاقات البشرية، والبحث عن أسباب لجوء البشر إلى الاقتراض الكبير أو سوء استخدام المال، المعروف بعدم الأمانة، إلخ.. من قيم أخلاقية وسلوك بشري يؤدي إلى الانهيار المالي. بعض الأدباء أقدموا فعلاً على تلك المحاولة، فقد كتب الكاتب الأميركي إف. سكوت فيتزجرالد بعد الكساد الاقتصادي عام 1929 قصة طويلة باتت مثالاً في هذا المجال، وقبلها بأعوام كثيرة منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، كتب روائي إنجليزي من العهد الفيكتوري يدعى أنتوني ترولوب، رواية يفضح فيها مبكراً المشاريع الاقتصادية متعددة الجنسيات. ليس هذا كل شيء، فمنذ سنتين ومع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، وضع بعض الأدباء أقلامهم في المحبرة وسطروا روايات حاولوا أن يجتهدوا فيها وحللوا أسباب ما آل إليه المجتمع البريطاني من انهيار مالي. ودوماً، في القديم والحديث، هناك اتهامات من الأدباء تحوّم حول الأخلاق. إشباع من هؤلاء الكتاب، هنري ساتون الذي أصدر رواية كوميديا سوداء عنوانها “أخرجني من هنا”، بطلها رجل يخرج من حالة الفساد إلى الصلاح. بطل الرواية “مات فريمان”، رجل أعمال فاشل في حالة غضب دائم مع العالم الذي حرمه من تحقيق الإشباع المادي الذي يشعر أنه يستحقه. وهو كسارد بضمير المتكلم، لا يمكن الاعتماد عليه في معرفة حقيقة الأحداث تماماً؛ لأنه يخفي الحقيقة. الإخفاء وتبرير الأفعال الشخصية، يتراوح ما بين خداع الذات إلى فورة من العنف الجنسي والتدمير النفسي. الكاتب ساتون يضعنا هنا أمام معادلة” الفساد الذي يأتي مع الهجس بالماديات، أمام الانهيار التدريجي للقيم الحضارية. ويقول إن أي حضارة مستعبدة ـ بفتح الباء ـ بالمشاهير والمال، تعاني ولا بد من الإخفاق. في رواية تاليثا ستيفنسون “الاختفاء”، نحن أمام زوجين شابين يعيشان عيشة مرتاحة مادياً. شارلي يعمل مديراً لمحفظة استثمارية، وليلي تعمل في شركة عقارية. ولكن وفي زحمة ضغوطات الأزمة التي يمر بها السوق المالي التي تتطلب كامل الانتباه والوقت، ينسى الزوجان مقاربة أمور مهمة في حياتهما الشخصية. وتحت إنذار الزوجة لزوجها بضرورة الابتعاد قليلاً عن أجواء العمل، كي لا يفشل الزواج، يخرج الاثنان في إجازة إلى إسبانيا، حيث بيتهما الصيفي. هناك وعند مواجهة بعضهما البعض، تكتشف خيانته الزوجية وتعود إلى لندن، لتسكن مع شقيقتها التي تتعالج من الإدمان على الكحول وتحاول أن تساعدها مستعيدة بعض إنسانيتها ومسؤولياتها الأخلاقية. الرواية تذكرنا بأن البشر مثل المصارف، ليسوا معصومين من الانهيار. في رواية “الحياة اليائسة لشارلي سمرز”، يقدم الروائي بول تورداي، أوساطاً عاطفية واجتماعية أقل كرباً من سابقتها. فهي تحيل إلى فترة الازدهار الاقتصادي “المبالغ به”، والشخصية الأساسية المعروفة باسم مختصر هو إيك، كان ضابطاً سابقاً في الجيش البريطاني، تقاعد مبكراً قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو معجب بقريبته التي فقدت خطيبها في العراق. يعمل إيك الآن مسؤولاً مهماً في شركة استثمارات، رغم عدم تأهله لهذه المهنة، ولكن صديق الطفولة صاحب الشركة، يستخدمه كواجهة ومصيدة للشركة، يلتقط من خلاله الزبائن مستفيداً من معارفه والعلاقات التي كونها طوال سنوات خدمته في الجيش. تتداعى الأحداث حتى تصل إلى زمن الانهيار الحالي. ويقدم الكاتب نصه بسرد محكم ولغة لاذعة، ليذكرنا أن هذه الرواية هي لهذا الزمن تحديداً. نزف أما الرواية الأولى للروائي والاقتصادي الشاب كريس بريستون “هذه المدينة النازفة”، فتركز على انهيار سوق الأسهم والسندات وتجفيف السيولة المالية من المصارف، بقيمة الملايين بل والمليارات من الجنيهات الإسترلينية، ويكون هذا الحدث قلب الرواية التي تلامس الواقع الحالي. ومثل السارد في رواية تورداي، يعمل بطل الرواية شارلي ويلز في شركة استثمارات، ولكنه في داخل الأنشطة التي تحرك الأحداث المالية. وعلى خلفية هذا المشهد، هناك قصة حب مع زميلة الدراسة الجامعية الفرنسية الأصل فيرونيك. وتذكير بأن بطل الرواية قادم في الأساس من مدينة بحرية صغيرة، وكان التقى في الجامعة بطلبة أثرياء شكلوا رمزاً أعلى له ليصل إلى مستواهم. بعد التخرج انتقل إلى لندن وعاش مع زميل دراسة من هؤلاء الأثرياء يملك والده مؤسسة صحيفة. تتداعى الأحداث وتصل إلى لحظة الانهيار المالي، وتنهار الشخصيات واحدة تلو الأخرى. شارلي ويلز البطل الانتهازي، تنطبق عليه تسمية “آنتي هيرو” أو البطل المضاد الذي لا يمكن التعاطف معه لا داخل الرواية، ولا في الحياة طبعاً. إن شخصيات الرواية تدمر أخلاقيات السوق بسلوكها الذي كان يقطف ثمرات الانفجار المالي طوال عقد من الزمن، مدعية أنها مدركة لما تفعل، بينما هي في الحقيقة لم تكن تدرك شيئاً من عواقب أفعالها. على الرغم أن الروائية الأيرلندية المقيمة في بريطانيا إيفريك كامبل مثل بريستون، لديها تجربة عملية في حي المال في لندن، إلا أن روايتها “مقيّمة الخسارة” بالكاد ترتبط بذلك العالم. إننا هنا أمام امرأة تدعى كارو، تجد نفسها تواجه مرحلة طفولتها بعد موت إحدى صديقات الطفولة. تعمل كارو في شركة تأمين كبيرة بوظيفة يكون دروها فيها تقييم الخسارة التي يطالب بها العميل المشترك في خدمة التأمين. ومع تداعيات الأحدث، تجد نفسها أمام مهمة مقابلة تقيّم خلالها الخسارة التي مُنيت بها في حياتها الشخصية، رغم أن المهمة الثانية أكثر تعقيداً من مجرد تقييم طلبات الزبائن لتعويضهم عن فقد مالي. كامب تتمتع بخيال خصب وقدرة إبداعية تتجاوز أحياناً زملاءها الآخرين ممن كتبوا عن هذا العالم. استعارة ديفيد هورسبول المحرر في ملحق “التايمز” الأدبي، لاحظ تأثر بعض الكتاب البريطانيين ممن أصدروا روايات تتناول الكساد الاقتصادي العالمي، بقصة “بابل زيارة أخرى” للكاتب الأميركي المرموق إف. سكوت فيتزجرالد. رغم أن المقارنة ليست لصالحهم؛ لأن أحداً منهم لم يصل لمستوى هذا الكاتب بأسلوبه الجذاب في السرد، بل ان بعضهم، مثل بترسون، لم يستعر فقط اسم الشخصية الرئيسة عند فيتزجرالد، بل استعار تعابير رددها بطله شارلي ويلز. تقع أحداث قصة “بابل زيارة أخرى” التي تعدّ من أجمل قصصه، في أعقاب الكساد الاقتصادي في 1929 ومحاولة بطلها أن يواجه ماضيه مرة أخرى الذي يرمز لضياع ماضي جيل بأكمله. وبابل هنا رمز ديني مستوحي من حكايات التوراة عن حضارة أفسدها الثراء وسوء استخدام ناسها للأموال التي حصلوا عليها. وفي قصته، يعكس فيتزجيرالد مصائر بشر دفعهم المستوى المادي العالي جداً، إلى التشوش ومحاولة البحث عن معاني روحية لهذا الحياة. نشرت القصة في صحيفة أميركية عام 1931 قبل أن تنشر مستقلة في كتاب عام 1940. وإن كانت الرواية المنشودة التي تقارب الكساد الاقتصادي لم تولد بعد، فإننا نكرر مع مجلة “ذي إيكونومست” أمنية أطلقتها في أحد أعدادها الأخيرة، تقول إن رواية عظيمة ستكتب يوماً ما حول انهيار الديون وتوابعه، رواية تماثل “الطريقة التي نعيشها الآن” لأنتوني ترولوب التي كتبها قبل مائة وخمسين سنة. في الحقيقة، لا تأتي تلك الأمنية من فراغ، فالأوضاع الاقتصادية الأخيرة المفاجئة التي تسببت في تسريح ما يقارب المليونين ونصف المليون عامل من وظائفهم، وضعت المجتمع أمام تساؤلات كثيرة، بعضها لا علاقة له بالأرقام مباشرة، ويستعين بالخيال الأدبي لتفسيره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©