الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثمن الرفاهية.. ومصيبتها

ثمن الرفاهية.. ومصيبتها
26 مايو 2010 20:13
عن دار الفارابي بيروت صدر كتاب جديد للمؤلف د. حسن خليل بعنوان “ديمقراطية، عولمة... وحروب”. جاء في الكتاب أنه في خلال الندوة التي عقدت في باريس، في نوفمبر من العام 2008، قبل الأزمة الحالية للرأسمالية العالمية، كان الهم الطاغي على المشاركين من قوى اليسار في العالم يتمحور حول ضرورة الانتقال من حال الدفاع السلبي عن حق الوجود، إلى حال الهجوم لهذا التيار في النوادي الأيديولوجية والسياسية، أي الانتقال من حق الوجود بأبعاده التاريخية إلى واجب الفعل بأبعاده المبررة حاضراً، والحاملة هم المستقبل، ليس فقط مستقبل اليسار، بل مستقبل البشرية جمعاء التي بدأت أزمة الرأسمالية، نعم أزمتها، تهدد مصيرها على الكرة الأرضية بشكل عام. رؤى ومعايير يحاول حسن خليل تقديم نفسه ماركسياً في مواجهة المفاهيم المتغيرة، لذا نراه يسعى إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم، وتوصيف معاييرها الابستمية ضمن حراك الواقع السياسي ـ الاقتصادي عالمياً وفي العالم العربي، ولبنان، معيداً للبراكسيس لمعانه كأساس في الفكر الماركسي. رحلة المفاهيم تلك بدأت مع مفهوم اليسار، في محاولة لإعادة تحديد أصله، انطلاقاً من الموقع الطبقي في مواجهة موجة من التحديات التي اضاعت أساسه الطبقي في بحر من المعايير، استجلبها بعضهم لجعل هذا المفهوم ملتبساً، يضيع بين تشي غيفارا وطوني بلير، وفي هذه المحاولة منطلق ودعوة لنهج يجب التركيز عليه بإستعادة الموقع الطبقي لليسار بأبعاده السياسية والاجتماعية والوطنية. من المفاهيم التي ظهرت ملامحها، والتي نرى ضرورة التركيز عليها لاحقاً، محاولته إعادة تحديد معنى الإرهاب والأصوليات، مستعيناً بالتاريخ والوظيفة، استناداً إلى تأمين الغطاء الايديولوجي والسياسي لنموها منذ النازية حتى الفكر الصهيوني كأول نتاج إرهابي مستند إلى فكر ديني أصولي، وصولاً إلى ارتكاز جورج بوش الإسلامي الممتد من ممالك الخليج العربي إلى افغانستان وباكستان وحلقة ربطها في مركز البنتاجون. لم يكن مفهوم الديمقراطية أقل شأناً في التركيز عند المؤلف، ولا استعادته كأداة مفاهيمية لليسار، ذلك أنه تحول على يد الرأسمالية منذ أوائل القرن الماضي حتى مشروع جورج بوش من أداة تطوير سياسي واجتماعي إلى أداة تحكم وسيطرة، من أداة بناء إلى أداة هدم، ومن أداة سلم واستقرار اجتماعي إلى أداة قتل جماعي، حتى بتنا في عالم يحكمه، ويتحكم به، الخوف والقمع والجوع والنهب والحروب. لقد أصبغت الرأسمالية قيمها اللاانسانية على الديمقراطية حتى غدت مسلوبة من معاني الحقوق والأخلاق والعدالة والمدنية. اليست هذه هي ديمقراطيتها؟ فهل يعقل مثلاً أن من يكون همه الوحيد امتلاك وسائل الإنتاج والربح بغض النظر عن الوسيلة وأداة السيطرة، يلتفت إلى تلك القيم ويدافع عنها؟ في مواجهة الديمقراطيات القاتلة المحملة على صواريخ القتل والتدمير استعاد مفهوم الديمقراطية الحقوق، وإن كان مفهوماً غير جديد، مكانته عند العديد من المفكرين في العالم في تركيز على البعد الاجتماعي والحقوق الطبيعية للبشر، وصولاً إلى حقوق الأرض والطبيعة، التي طالها النهب والتدمير من قبل ورثة الرأسمالية الأوائل. إن هذا المفهوم الذي تناوله تفصيلاً جون كين في كتابه عن حياة الديمقراطية وموتها مستعيداً كتابة تاريخها على أساسه وعلاقاته بالعقل المشرقي القديم قبل اليونان، يلامسه حسن خليل بما يستدعي أبحاثاً مطورة له، ومركزة على جوانب طالها التشويه في هذا المجال من قبل الفكر البرجوازي، وأيضاً من قبل التجربة الاشتراكية المحققة. ومما يستدعي بحثاً خاصاً تلك الفكرة المسمومة عن مجافاة العقل المشرقي، عموماً، والعربي خصوصاً لفكرة الديمقراطية. لقد ربحت الرأسمالية منذ مدة هذه المعركة، وللأسف، قدمها اليسار أو القوى المناهضة لها دون مقابل. فاستعادة هذه القيم يجب أن تكون الممر الإلزامي لحل أزمة اليسار والبديل، والاستعادة هنا لا تعني أخذ ما ليس لنا، وإنما استعادة ما سلب منا، في غفلة من الزمن، ومن أصحاب اليسار، أو لنقل من بعضهم. ورشة الحداثة تبقى استعادة الحديث عن الحداثة في العالم العربي ماضياً وحاضراً أول ما يمكن البناء عليه تناوله د. خليل في كتابه الراهن. بداية ورشة، بدأ فيها المؤلف، لكن لن يبقى وحيداً، إنها محاولة لا بد من استكمالها. الأمل كبير ببداية شباب فكيف بنهاية شيب. لقد عرض المؤلف تمهيد كتابه هذا بسؤال يتبادر إلى الذهن مباشرة، هل انتهى فعلاً عصر الثورات؟ بعد مشاهدة حجم المتغيرات التي طرأت على جميع القضايا والأمور التي شغلت العالم طيلة قرون من الزمن، أمور طبعت بطابعها المتقلب شكل ومميزات ما كان يحدث: فمن ثورة سبارتاكوس وما قبلها إلى غيفارا وما بعده وما بينهما، تاريخ عنيف ومتغير وجميل من الرفض والانتفاض على مفاهيم الظلم والعبودية، من التوق إلى الحرية والتحرر، وأيضاً من الحلم بعالم آخر. واقع فرض طابعه وسلوكه على الجميع، غنّت له ملايين الحناجر وسالت لأجله دماء غزيرة، حمله الشباب أيقونة على صدورهم وأحلاماً في عقولهم، وهماً نضالياً مارسوه واقتنعوا به، وحافزاً محدداً لسلوكهم. واقع فرض طابعه بقوة المتغيرات التي أحدثها، شرقاً وغرباً، في الفكر والممارسة، للفقراء وغيرهم، لا تستطيع البشرية التغاضي عنه ولا المرور عليه بشكل عارض. واقع لم تستطع وقفة بوريس يلتسين على ظهر دبابة وسط موسكو في مطلع تسعينات القرن الماضي إلغاءه أو الغاء حلم الاشتراكية الحقيقية والإنسانية، ولا ادعاءات الإدارات الأميركية المتلاحقة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التقليل من حضوره وتأثيراته، ولا الأساطيل الغربية ستستطيع اغتياله واغتيال روح الثورة والتمرد على الظلم. فلا غيفارا سيستقيل ولا حلم الثورة سينتهي؛ إنه الواقع وسنة الحياة والتاريخ والمنطق، فلا يمكن مواجهة الظلم والاحتلال بالورود كما لا يمكن مواجهة الفقر والجوع بوضع الوسائد البالية على البطون الفارغة. ما أراد قوله المؤلف في هذا الكتاب ليس سوى محاولة لاستكشاف ما آلت اليه حالة عالم ما بعد انهيار بعض المنظومات الضابطة سواء في الفكر أو الممارسة، أو شكل الحكم وانهيار القيم ومقولات الأخلاق وممارستها في السياسة والاجتماع وغيرها، واستبدالها بلغة المصالح. محاولة لا تبتغي زيادة في الكلام أو التحليل بقصد التبرير أو الانتقاد، بل إن ما يود الكاتب هو وضع الأمور في نصابها المنطقي المعاش، قراءتها، تحليلها ومن ثم التوصل إلى استنتاج العبر بقصد البناء. يمكن لهذه المحاولة أن تؤدي إلى نقاش مؤسس إذا ما استتبعت بأعمال أخرى، وبذلك تكون، ويكون ما يليها، قد شكل بداية تلمس طريق واضح وجلي لإنضاج البديل المطلوب وبشكل ملح في هذه الأيام نظراً لخطورة ما يمر به عالمنا المعاصر. توارث وتراكم يستعرض المؤلف عن ما يشهده العالم من أزمات متعددة ومتنوعة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ما هو الا نتيجة طبيعية لتراكم السلوك العام للنظام الحاكم والمتوارث. فكثرة الحروب وتنوعها ليست سوى ترجمة لذهنية السيطرة بالقوة على مقدرات العالم ومحاولة سلبها لصالح مجموعات متحكمة. والأزمة الاقتصادية الحالية ما هي الا امتداد طبيعي لسلوك وسياسة العالم المعولم بأوجهه كافة، فسياسة النهب الرأسمالي تستوجب، من حين لآخر، تغيير وتبديل نمط أو أنماط ممارستها، وبذلك تتحول من ممارسة وسلوك شرس إلى آخر أشرس. فالفروقات بين أغنياء العالم وفقرائه كما بين شماله وجنوبه، ستزداد، وبشكل خطير، نتيجة لمثل تلك السياسات المتبعة. وإن من حق الحكومات الأميركية المتعاقبة أن تحافظ على رفاهية شعبها من خلال عدم القبول بتغيير بعض السلوكيات المجتمعية والصناعية التي تؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض، لكن تلك الرفاهية المؤقتة، ستنتفي عاجلاً ام آجلاً، وبالانتظار فإن ملايين فقراء العالم يعانون، من قلة الطعام والماء والخدمات والهواء النظيف. وأيضاً من كثرة الحروب. يؤكد المؤلف على أن من يتحكم بالعالم يدري ويعلم ويدرك ماذا يفعل وأنها مصيبة. فهل تستحق تلك الرفاهية كل هذا الثمن والمصيبة الأكبر كما يروي ان هناك صمتا عن عدم وجود جواب لمثل هذا السؤال. واقع مأزوم ويجب إيجاد بديل منطقي ومعقول. إن العالم ليس ملكاً لأحد، إنه لمن يعيشون عليه. لقد أبرز المؤلف الحالة الراهنة ليس بهدف الإحباط كما ذكر في كتابه هذا بل هي دعوة لإعادة تشكيل البديل الإنساني المنحاز إلى أكثرية اجتماعية لا تمتلك حالياً حق العيش الكريم. هي دعوة لإعادة الاعتبار إلى الصراع الاجتماعي القائم على القضية وليس المصلحة. يذكر الكاتب القضايا المطروحة في كتابه ما هي الا نماذج يمكن أن تكون أكثر، تستوجب النقاش والتحليل، وإعادة التركيب واستخلاص العبر. هي دعوة للفعل والعمل والنضال من أجل القيم والأفكار التي ناضل واستشهد من أجلها ملايين الناس على امتداد الحياة الإنسانية. هي دعوة لإعادة الاعتبار للهم الاجتماعي وكيفية تحويله إلى فعل يومي يأخذ بالاعتبار حجم المتغيرات الحاصلة وشكلها ونوعها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©