الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعمار الناس

أعمار الناس
3 يناير 2008 00:36
مازال الشعر العربى مرآة الحياة العقلية ومجلي الصور الإنسانية في العصور المختلفة، وقد كانت فطنة الشعراء ودقة ملاحظاتهم وشغفهم بتمثيل حيواتهم تهديهم إلى فنون من القول تضيء جوانب عديدة في أحوال مجتمعاتهم، مما أصبح موضوع علوم إنسانية متعددة في العصور الحديثة· فنحن لا نعرف بدقة كيف تغيّر متوسط أعمار الناس في مراحل التاريخ، ولا بأي نسبة أخذ يتصاعد في العقود الأخيرة بعد تقدم الطب وانتشار الرعاية الصحية في المجتمعات المتحضرة· لكننا نقرأ بعض أبيات واحد من كبار شعراء العربية المهجنين في العصر العباسي، وهو ابن الرومي الذي كان أبوه رومياً وأمه فارسية فنرى صورة طريفة لأعمار الناس في عصره (القرن الثالث الهجري) إذ يقول: يا ابن عِشرينَ لاتُغرَّنَّ بالدهر فقد تُكْسرُ الغصون الرِّطابُ يا من استكمل الثلاثينَ ما أسرع ما يُستردُّ منك الشبابُ يا أخا الأربعينَ قد نزل الشَّيْب ُ وما بعد ذاك إلا الذَّهابُ يا ابن خمسينَ عزِّ نفسك بالصبر فلا يُرجِعُ الشَّبابَ الخضابُ يا ابن ستِّيِن قد توفيْتَ عُمريين وما أن أقْلَعْتَ عمّا يُغابُ يا ابن سبعينَ توّبتك الليالي أفلا تُبتَ حين فيك متابُ يا من استنفذ الثمانين عُمِّرْتَ ومات الإخوان والأصحابُ ويروي الزوزني، صاحب حماسة الظرفاء، الذي أورد هذه الأبيات، والذي عاش في القرن الخامس الهجري، أي بعد ابن الرومي بقرنين تطوّر فيهما نسبياً متوسط الأعمار، أن هذه الأبيات قد زيد فيها بيتان هما: ياابن تسعين قد أتملَّكَ جسمٌ واهنٌ أيدُهُ وعقْلٌ مصابُ ولَقَلَّ الذي يعيش فيُحصِي عُشر ألفٍ من عمره الحسَّابُ ونستطيع أن نستخلص من هذه الأبيات أن عمر الفرد أيام ابن الرومي كان ثلاثين عاماً، لأنه يقول بحدسه عن ابن الستين إنه قد استوفى عمرين، بينما كان يؤثر عن المتنبي الذي عاش بعد ذلك في القرن الرابع أن عمر الإنسان يستوفي في الأربعين، وأن قصيدة الشاعر تكتمل بمثل هذا العدد من الأبيات· أما أن يكون هناك معمرون في كل العصور فهذا مما تتواتر فيه الأخبار، لكنْ لا أحد يستطيع تحديد نسبتهم، إذ لم يكن الإحصاء قد أصبح من مناهج العلوم، أما شعر ابن الرومي الذي يتسم بدقة البناء المنطقي المتدرج، وعدم النفور من تكرار حرف النداء في مطلع الأبيات كلها، ونفاذ التعليقات المتصلة بكل عمر بعد ترتيبها على العقود المتوالية فهو نموذج لخطاب شعري مختلف عن المزاج البلاغي العربي الذي كان يمارسه صنوه ومنافسه الكبير ''البحتري''، مما يكشف عن اختلاف المنظورين والأسلوبين في المذهب الشعري وطريقة التشكيل والتعبير، لكن الطريف أن ابن الرومي نفسه قد عاش فاستوفى عمرين، بينما عاش أبو تمام أربعين عاماً فحسب وزاد عليه المتنبي عقداً فمات في الخمسين، وتجاوزهم البحتري فامتدت به الحياة إلى الثمانين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©