الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الشمالية... ودروس المحنة الكمبودية

كوريا الشمالية... ودروس المحنة الكمبودية
26 مايو 2010 20:00
هل يمكن اعتبار نظام "كيم يونج إيل" في كوريا الشمالية الأكثر وحشية في العالم منذ ظهور هتلر في ألمانيا وستالين في الاتحاد السوفييتي السابق؟ الجواب على رغم كل ما يسمعه العالم عن التجاوزات التي تشهدها البلاد والمعاناة التي يكابدها سكانها تظل بكل تأكيد "لا"، ذلك أن الوحشية ربما تكون وصفاً أقرب إلى نظام "الخمير الحمر" في كمبوديا بزعامة "بول بوت"، حيث اجتاح "الخمير" كمبوديا في عام 1975 وحكموا البلاد بقبضة من حديد ونار انطلاقاً من عاصمتها الهادئة "بنوم بنه" وذلك حتى عام 1978 عندما دخلت القوات الفيتنامية إلى البلاد وأطاحت بنظام "الخمير الحمر" الوحشي، وخلال تلك الفترة الحالكة من تاريخ كمبوديا تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن مليوني شخص لقوا حتفهم بسبب المجاعات والأمراض وعمليات الإعدام الجماعي والتعذيب الوحشي التي أشرف عليها النظام. والحقيقة أن المعاناة الرهيبة التي تعرض لها الكمبوديون على يد نظامهم الدموي يشبهها البعض، إلى حد كبير، بالمعاناة التي يقاسيها اليوم سكان كوريا الشمالية تحت النظام الحالي. ولكن عندما ننظر الآن إلى ما آلت إليه عاصمة كمبوديا، بعد كل ذلك العنف المجنون الذي عاشته، نجدها وقد تحولت إلى مدينة مزدهرة تزخر بمظاهر الحياة المعاصرة من متاجر وبضائع متنوعة تتراوح بين الحرير والتذكارات الغالية وغيرها، فضلا عن المطاعم المتميزة التي تقدم شتى أنواع المأكولات لزبائنها من مختلف الطبقات. وفي الليل تنتشر أماكن الترفيه، هذا بالإضافة إلى مقاهي الإنترنت التي تبقي الكمبوديين على تواصل مع العالم، دون أن ننسى المعالم الأثرية مثل المتحف الوطني والقصر الرئاسي اللذين يحفظان الموروث الحضاري لشعب كمبوديا بتاريخه العريق الذي يرجع إلى أكثر من ألفي سنة. ولكن ما هو الدرس المستفاد من تجربة كمبوديا، الذي يمكن لكوريا الشمالية أن تضعه نصب عينها؟ وكيف يمكن تحقيق هذا التحول من نظام ديكتاتوري قاسٍ إلى بلد منفتح على منجزات الحضارة الإنسانية حتى وإن كان ما يزال متعثراً من الناحية الديمقراطية، ولم يصل بعد مرحلة النضج والكمال؟ ولكن على رغم كل ذلك، وفي عالمنا البعيد عن المثالية والكمال، استطاعت كمبوديا استعادة سمعتها كواحة للسلام، وهو التعبير الذي استخدمه الأمير "نورودوم سيهانوك" لوصف مملكته عندما كان يوازن بمشقة وعنت خلال الحرب الصعبة التي دارت رحاها بين القوات الأميركية والفيتنامية الجنوبية وبين غريمتها الشيوعية في فيتنام الشمالية، محاولا الحفاظ على حيادية بلاده قدر الإمكان وعدم التورط في صراع أكبر من إمكانيات كمبوديا المتواضعة، ولكن بالطبع لم يستطع الأمير إبقاء بلاده بمنأى عن الحرب، حيث سقطت العاصمة في أيدي "الخمير الحمر" في عام 1975 ليعقبها بعد أسبوعين سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين والإطاحة بنظام القسم الجنوبي من البلاد والانسحاب المخزي والمذل للقوات الأميركية. وقد أبدى الأمير "سيهانوك" قدرة كبيرة على التكيف والبقاء على قيد الحياة إذ استطاع الرجوع إلى البلاد، وإن كان ذلك بصلاحيات أقل وحكم صوري، وكان عليه التعالي على الصراعات السياسية التي عصفت بالنخبة السياسية في البلاد التي توجت بتولي نجله "نورودوم سيهاموني" للحكم، كما كان على العرش تقديم تنازلات كبرى قبل أن تبدأ كمبوديا في استعادة بعض من ازدهارها وتعود إلى حالتها الطبيعية التي ما كان لها أن تتبلور دون سقوط نظام "بول بوت" وفرار الرجال الأشرار الذين أحاطوا به ممن تورطوا في عمليات القتل الواسعة والتعذيب. وتلك التطورات التي عاشتها كمبوديا تتعين الاستفادة منها أيضاً بالنسبة لأميركا وكوريا الجنوبية وهما تبحثان في إمكانية التصالح مع كوريا الشمالية، لأنه في لحظة معينة لابد من طرح السؤال الصعب: في أية نقطة زمنية يصبح التدخل ضروريّاً؟ وهنا يكتسي المسار الكمبودي أهميته وتفرض المقارنة بينه وبين كوريا الشمالية نفسها. والسؤال الآخر الذي يتعين طرحه هو: كيف أمكن للقوات الشيوعية الفيتنامية التي أطاحت بنظام "الخمير"، والتي حاربتها القوات الأميركية ومعها قوات فيتنام الجنوبية بمشاركة فرقتين من كوريا الجنوبية تحقيق النجاح في كمبوديا وتخليص الشعب من وحشية "بول بوت"؟ الحقيقة أن التطورات التي عاشتها فيتنام نفسها والتغيرات السياسية التي قادت إلى انفتاح اقتصادي وازدهار الرأسمالية خلقت نوعاً من الوعي الاقتصادي والثقافي لدى الفيتناميين لم يكن موجوداً قبل عام 1975. وعلى رغم الصعوبات النظرية التي تنطوي عليها عملية المقارنة هنا بين مجتمعات مختلفة وثقافات متباينة في كوريا الشمالية وفيتنام وكمبوديا، إلا أن الدرس يبقى واضحاً مع ذلك، ومفاده أنه لا تسوية أبداً يمكن أن تتبلور مع نظام "كيم يونج إيل"، فتاريخ أنظمة كتلك التي حكمت كمبوديا يخبرنا بأنها غير مستعدة للقبول بالسياسات الإنسانية والتخلي عن أركان حكمها، وبخاصة إذا تعلق الأمر بالأسلحة، ولذا من السذاجة بمكان أن نتوقع تغيير كوريا الشمالية لسياساتها، والالتزام بتعهداتها الدولية بشأن برنامجها النووي، فقد تطلب الأمر اضطرابات كبيرة في كمبوديا حتى تنتهي معاناة الشعب، وسيتطلب الأمر اضطراباً بنفس الحجم لينطلق الإصلاح أيضاً في كوريا الشمالية. دونالد كيرك كاتب أميركي متخصص في شؤون كوريا الشمالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©