الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لي كوان يو».. وألق القيم الآسيوية

27 مارس 2015 22:29
لأسباب وجيهة، تتدفق عبارات النعي والرثاء للزعيم «لي كوان يو»، مؤسس دولة سنغافورة الحديثة. فهناك عدد قليل من قادة العالم الذين مثلوا منعطفاً في التاريخ على نحو ما حقق هذا الرجل، وقليل منهم أيضاً قدموا الكثير لأوطانهم مثلما هو الحال مع «لي». وفي وقت لاحق من هذا العام، ستحتفل سنغافورة بالذكرى الخمسين للاستقلال الكامل - نصف قرن من الزمن ميزتها رؤية وحكم «لي». وقد تحول «لي»، الذي وافته المنية مؤخراً عن 91 عاماً، من مدافع عن النقابيين والاشتراكيين إلى قومي يبني بلداً ليصبح نموذجاً للحكم الرشيد، ويرجع إليه الفضل في تحويل دولته الصغيرة من منطقة هادئة منعزلة إلى مركز تجاري عالمي متقدم وثري. ويعد «لي» زعيماً مثالياً لفترة ما بعد الاستعمار وشخصية وطنية من النوع الرفيع. كما أصبح في سنواته الأخيرة مصدراً لا ينضب من الحكمة العالمية، يشيد به الساسة الغربيون ومعلمو إدارة الأعمال على حد السواء. بيد أنه سيظل هناك دائماً ظل معلق فوق إرث «لي» المذهل: وهذا الظل هو وجهات نظره بشأن الديمقراطية، والأساليب القاسية التي كانت تلجأ إليها حكومته أحياناً لخنقها. وأثناء تولي «لي»، كانت سنغافورة تدار كدولة ذات حزب واحد. وقد تقلصت حرية التعبير، على رغم الإصلاحات البطيئة، وأدت قوانين التشهير المكثفة إلى إفلاس وتهميش بعض السياسيين المعارضين. وكان «لي»، وهو شخص مثقف وواسع المعرفة، واضحاً في موقفه من الديمقراطية كنظام سياسي. وقد نقل عنه قوله «إن زيادة الديمقراطية تؤدي إلى ظروف غير منضبطة وغير منتظمة، وهذا أمر معادٍ للتنمية. والاختبار النهائي لقيمة النظام السياسي هو ما إذا كان يساعد المجتمع على تهيئة ظروف من شأنها تحسين مستوى المعيشة لغالبية الشعب». وتحت إدارة «لي»، أصبحت سنغافورة نموذجاً للنمو الاقتصادي المرتفع والكفاءة، وأصبح مخططها للتنمية معروفاً في العالم بأسره. فقد كانت دولة صغيرة يقودها زعماء تكنوقراط غير سياسيين. ويعتقد أن رحلة «دينج زياو بينج» إلى سنغافورة عام 1978 قد فتحت عينيْ الزعيم الصيني على فوائد اقتصاد السوق في سياق سلطوي. وفيما بعد ذكر «دينج» أن «سنغافورة تتمتع بنظام اجتماعي لا بأس به ويدار بشكل جيد. وينبغي علينا الاستفادة من تجربتها وأن نتعلم كيف ندير الأمور أفضل منها». وقد تحول نموذج سنغافورة إلى درس أكبر للعالم: لكي تحقق التقدم، كانت المجتمعات الآسيوية في حاجة إلى تجنب مخاطر النظم الليبرالية الغربية. ومما لا يثير الدهشة أن رثاء وكالة أنباء الصين الرسمية «شينخوا» للزعيم «لي» كان مصحوباً بهذه السطور: «إنه بفضل إيمانه الراسخ وتنفيذه المديد للقيم الآسيوية، تمكن لي من تأسيس قوة صغيرة آسيوية مع نظام جيد، واقتصاد مزدهر وثقافة غنية». يذكر أن الزهو بـ«القيم الآسيوية» قد نما في العقد الأول من القرن الـ20، أثناء انطلاق اقتصادات شرق وجنوب شرق آسيا. وكانت هذه العقيدة محل دفاع قوي من قبل الزعيم الماليزي «مهاتير محمد»، بينما فقدت بعض مصداقيتها بعد أن كشفت الأزمة المالية الآسيوية في 1997 هشاشة بعض هذه الحكومات. بيد أن أخلاقيات هذه العقيدة ظلت جزءاً أساسياً من نظرة «لي». وقد قال «لي» في مقابلة مع الكاتب «فريد زكريا» عام 1994 ما نصه: «لا أعتقد أن هناك نموذجاً آسيوياً مثل هذا. ولكن المجتمعات الآسيوية تختلف عن المجتمعات الغربية». وكما هو الحال مع «مهاتير»، فقد أشار أيضاً إلى وجود اختلافات بالغة وواضحة بين الثقافتين الشرقية والغربية: ففي الأولى يكون الاهتمام بالفرد أقل مما هو عليه في الثانية، ونتيجة لذلك، فإن حقوق الإنسان قد تبدو أقل أهمية في الثقافة الشرقية من الحاجة إلى الأمن الجماعي والنمو الاقتصادي. وهذه الحجة قد تجد أنصاراً لها في دول آسيا، ولكنها أيضاً تواجه انتقادات في الغرب. وهناك آخرون، من بينهم الخبير الاقتصادي الهندي «أمارتيا سين»، يشيرون إلى أن تقاليد الحوار، والإيمان بالقيم العالمية، هي أمور متأصلة في الثقافات الآسيوية كما في الغرب. وبدورها أكدت «أونج سان سو كي»، السجينة السياسية السابقة في ميانمار والحائزة على جائزة نوبل، أن «أولئك الذين يرغبون في حرماننا من بعض الحقوق السياسية يحاولون إقناعنا بأن هذه ليست قيماً آسيوية. وفي نضالنا من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، نريد دعماً آسيوياً أكبر». أما «مارتن لي»، وهو ناشط ديمقراطي رائد في هونج كونج، فيعتبر أن فكرة القيم الآسيوية هي «أسطورة خبيثة». لقد كان «لي» رجلًا فريداً ومقتدراً، وهو جدير بأن نتذكره كشخصية لا تتكرر كثيراً في التاريخ، وليس كرمز لتقدم الحضارة بأسرها. إيشان ثارور* * محرر الشؤون الخارجية في «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©