الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مزيج مدهش من المرح والعبادة في عيد الفطر الفاطمي

مزيج مدهش من المرح والعبادة في عيد الفطر الفاطمي
22 سبتمبر 2009 01:19
لم تنعم مصر خلال العصر الفاطمي ببهجة استطلاع هلال شهر شوال الذي كان في سجل الادب العربي أحد الأهلة المحببة إلى الناس بعامة، والى الشعراء بخاصة، لانه يأتي بعيد الفطر وجائزة الصائمين. والسبب في ذلك هو اعتماد الفاطميين على الحسابات الفلكية في تحديد اوائل الشهور الهجرية، فكان الامر بناء على هذه الحسابات يأتي من القصر الفاطمي بتعيين يوم الفطر، ولكن الدولة الفاطمية حاولت تعويض تلك البهجة المصاحبة لاستطلاع هلال شوال بعدد من المظاهر الاحتفالية التي مازالت بقاياها قائمة الى اليوم في حياة المصريين. ويقع الاهتمام بعيد الفطر منذ بداية شهر رجب حتى منتصف رمضان، حيث تقوم «دار الفطرة» بإعداد كعك العيد، وحلوى وكعب الغزال، بكميات هائلة لتوزيعها واعداد سماط العيد، أو الوليمة التي سيدعو الخليفة اليها كبار رجال دولته. ولاعداد هذه الاصناف كانت ترصد ميزانيات كبيرة، بلغت في بعض السنوات ستة عشر ألف دينار ذهباً لشراء الدقيق وقناطير السكر واللوز والجوز والفستق والسيرج والسمسم والعسل وماء الورد والمسك والكافور والمناديل والمفارش الحريرية لاعداد السماط والفوط التي يغطى بها الكعك عند توزيعه على الخاصة والعامة. وكان الاحتفال بعيد الفطر يبدأ بعد صلاة العشاء الأخيرة في شهر رمضان، فيذهب الوزير في آخر النهار الى القصر للفطور مع الخليفة في آخر اسمطة الشهر الكريم، ثم يبدأ القراء والمؤذنون التوافد للسلام على الخليفة، ويجلسون تحت المقعد المعد لجلوس الخليفة، وكان من المعتاد ان ترسل سيدات القصر اواني الماء ملفوفة في الحرير لتوضع امام القراء لتشملها بركة ختم القرآن، وبعد ان تنتهي التلاوة يرفع الفراشون أواني الماء تلك لتحمل إلى نساء القصر، ويأخذ المؤذنون في التكبير والتهليل وانشاد الادعية الدينية، ويكون قيام الخليفة بنثر الدراهم والدنانير عليهم ايذانا بانتهاء عملهم، ويغادرون القصر بعد ان توزع عليهم اطباق القطائف مع الحلوى وخلع العيد ومبالغ نقدية اضافية، ويعد سماط الافطار في آخر أيام رمضان مناسبة لاظهار الفرح بمقدم عيد الفطر، ولاستعراض ثراء الخلافة الفاطمية. وتحمل انواع الكعك والحلويات الى القاعة الرئيسية في القصر الفاطمي والمعروفة بقاعة الذهب ويمد السماط في قاعة العرش مع تماثيل الحلوى، وحينما يجلس الخليفة في الايوان يجلس على يمينه الوزير ثم الامراء، بعد أداء التحية كل في المكان المسموح له، ويتبعهم الرسل الواصلون بين جميع الاقاليم وهم في آخر الايوان. ثم يستعرض الخليفة ومن معه الدواب بفرسانها وملابسهم المهداة لهم، الى ان يتم عرض جميع ما احضروه وهو ما يزيد على ألف فرس. وبعد ذلك يستعرض الخليفة الديباج والدبيقي وقباب الذهب ثم يستعرض السلاح والات الموكب كلها. ويجري ذلك بينما الموسيقى تعزف على باب العيد، وهو باب القصر المخصص لخروج الخليفة لأداء صلوات العيدين، والخليفة جالس في المنظرة بين باب الذهب وباب البحر من القصور الفاطمية، وبعد ان يحمل الى الخليفة فطوره الخاص المعطر بالمسك والعود والكافور والزعفران، مع انواع البلح الملونة التي يستخرج ما فيها وتحشى بالطيب وغيره وتعبأ في اطباق الذهب المكللة بالجوهر يستعرض الوزير سماط العيد بقاعة الذهب ويعتلي الخليفة سرير ملكه ويقدم إليه فطوره، فيجلس عن يمينه الوزير بعد تأدية التحية والسلام ثم يأمر بإحضار الامراء المميزين والقاضي والضيوف والرسل ويكشف الغطاء عن فطور الخليفة فيأخذ ثمرة يفطر عليها ويناول منها للوزير، ويتناول الخليفة من جميع ما يقدم له من اصناف الطعام ويناول وزيره منه فيقبله، ويحمله في كمه، وهكذا مع بقية المدعوين يناولهم الخليفة بيده فيحملونه في أكمامهم بعد تقبيله. ويأذن الوزير بناء على امر الخليفة بافتتاح السماط والسماح للحاضرين بالاكل منه، واخذ ما يشتهون معهم، ولا حرج من ذلك بل انه من دواعي الشرف والميزة، وبعد ذلك يؤذن للناس بالدخول لأخذ ما بقي في السماط. وكان الوزير يعد في داره سماطا مثل هذا السماط لا ينقصه الا الفطور الخاص بالخليفة، وبعد انصرافه من القصر يفتح سماطه الخاص ثم يبيحه للعامة. وتوزع بقية الخلع على الجند والمستخدمين ليخرجوا بها في موكب صلاة العيد، وهو المظهر الاول من مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في العصر الفاطمي. وكانت صلاة العيد تؤدى في الخلاء خارج اسوار القاهرة الشمالية حيث كان مصلى العيد خارج باب النصر وهو مصلى كبير على ربوة مبني بالحجر ومحاط بسور وعلى بابه قلعة وفي صدره قبة كبيرة وبه المحراب والمنبر الى جانب القبة وهو مكشوف وارتفاعه ثلاثون درجة وعرضه ثلاثة أذرع وفي أعلاه جلسة الخطيب. فإذا كان اليوم الاول من شوال ذهب صاحب بيت المال الى المصلى خارج باب النصر وفرش السجاد بالمحراب، وعلق سترين يمينا ويسارا نقشت على الايمن منهما سورتا الفاتحة والاعلى، وفي الستر الايسر سورتا الفاتحة والغاشية، وفي جانبي المصلى لواءان مشدودان على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة ويوضع على ذروة المنبر طراحة من حرير ويفرش درج المنبر بحرير مثبت فيه. وفي ذلك اليوم يسير الوزير من منزله ومعه كبار الموظفين واولاده واخوته في ملابسهم الجديدة الى باب القصر، ويركب الخليفة وتكون ملابسه بيضاء موشحة بالذهب ومظلته كذلك، ويخرج من باب العيد على عادته في ركوب المواكب، الا ان العساكر في هذا اليوم من الامراء والاجناد والركبان والمشاة يكونون اكثر وينتظم الجند له في صفين من باب النصر الى المصلى، فيركب الخليفة الى المصلى فيدخل من شرقيها الى مكان يستريح فيه لبعض الوقت. ثم يخرج محفوفاً بحاشيته قاصدا المحراب والوزير والقاضي خلفه، فيصلي صلاة العيد ويقرأ في الركعة الاولى ما هو مكتوب في الستر على يمينه، وفي الثانية ما هو مكتوب في الستر الذي على يساره. فاذا انتهت الصلاة وسلم صعد المنبر لخطبة العيد، ويجلس في ذروة المنبر على الطراحة الحريرية المفروشة بحيث يراه الناس. وللخطبة رسومها الدقيقة المعدة وفقا لسيناريو محكم يبرز هيبة الخليفة، بقدر ما يسبغ عليه هالة من القداسة والغموض معاً. فأسفل المنبر يقف الوزير وقاضي القضاة وكبار الموظفين ونقيب الاشراف الطالبيين، ثم يشير الخليفة إلى الوزير بالصعود فيصعد حتى ينتهي الى الخليفة وبعد تقبيل يده يقف على يمينه ويشير إلى قاضي القضاة فيصعد الى سابع درجة مقدما الى الخليفة نص الخطبة التي اعدها ديوان الانشاء وسبق عرضها على الخليفة لاقرارها، وبعد مقدمات واشارات يستر الخليفة باللواءين المركزين في جانبي المصلى وينادى على الناس بالإنصات فيخطب الخليفة خطبة مناسبة للعيد يقرأها من النص الذي قدم له. فإذا فرغ من الخطبة ازيح اللواء خارج المنبر فينزل القاضي ثم الوزير، فإذا اخلي المنبر للخليفة هبط ودخل المكان الذي خرج منه فيستريح قليلاً ثم يركب بالهيئة التي قدم بها إلى المصلى ويعود في طريقه الذي جاء منه، فإذا اقترب من القصر تقدمه الوزير لتمهيد الطريق امامه ثم يدخل من باب العيد الذي خرج منه فيجلس في الديوان الكبير، وقد مد فيه سماط فيه انواع الكعك، فيأكل من يأكل وينقل من ينقل بلا حرج ولا مانع، ثم يقوم من الديوان فيركب الى قاعة الذهب وبها سرير الملك وبوسطها مائدة من فضة اقيم بجانبها سماط كبير، فيترجل من على السرير ويجلس الى المائدة، ويستدعي الوزير فيجلس معه ويجلس الامراء على السماط، وينتهي سماط الفطر قُرب صلاة الظهر. وكانت مواكب العيد تحاط بأنواع من المرح فقد كان من أهل برقة طائفة تعرف بصبيان الخف، يقومون بألعاب بهلوانية في الحفلات فيمدون حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر الى الارض، فاذا عاد الخليفة من صلاة العيد مارا بباب النصر، نزل على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب مدهون، وفي أيديهم الرايات، وخلف كل واحد منهم رديف وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه، ويأتون بحركات تذهل العقول فضلا عن استعراض مهارات ركوب الخيل.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©