الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المحامي لنكولن» البطل لا يمثل الطاقة الخيرة بالضرورة

«المحامي لنكولن» البطل لا يمثل الطاقة الخيرة بالضرورة
31 مارس 2011 20:51
ما هي الحدود الفاصلة بين الخير والشر؟ كيف يمكن التعامل مع التداخل الذي يطرأ بينهما أحياناً فيصير أحدهما معبراً إلزامياً للوصول إلى الآخر؟ الفواصل القاطعة بين هذين الأقنومين البشريين ليست واضحة دوماً، وأحياناً تكون الفرصة متاحة للالتباس المضلل، فبالرغم من تناقض جوهري معترف به يحيط بالتعريف المبدئي لكل من الخير والشر إلا انه يمكن أحيانا لشيء من التشابه المحير أن يطرح نفسه على العلاقة الضدية التي تحكم مساريهما.. قيل يوماً إن بلوغ الغايات السامية يحتاج إلى وسائل تضاهيها سمواً، ما يسعى اليه فيلم «لنكولن المحامي»، (إخراج براد فورمان، بطولة ماتيو ماك كونغي، وماريسا تومي)وينجح بإدراكه في مفاصل شتى، هو نزع الشرعية البديهية عن هذا القول، واخضاعه إلى منطق الظروف المتغيرة، ففي عالم يتجه حثيثاً نحو قعر الهاوية الاخلاقية لا بد أحياناً من مداواة العلة بالتي كانت هي الداء، أي أنه لا يضيرنا أن نكون وحوشاً في لحظات يتعين علينا خلالها أن نصارع الوحش.. شوائب المدنية بجرعة لافتة من الجرأة يقارب الفيلم محظورات شتى، ينزع صفة البطل كنموذج أخلاقي يصل إلى أهدافه الإيجابية بصعوبة لأنه يحرص على سلوك السبيل القويم في السير نحوها، هو كائن منحاز بالفطرة نحو الخير، لكنه يحمل في داخله كل ما أفرزته المدنية المعاصرة من شوائب سلوكية لا يعنيها الحرص الكلي والدائم على استقامة المسار، أي أنها تقبل تعرجات وانزياحات محسوبة ما دامت الغاية تمتلك سمات النبل والرفعة، تمثل واقعية البطل تيمة رئيسية في الخطاب السردي الذي ينهض «لنكولن المحامي» فوقه، وهي قد تسوغ لصنَّاعه الادعاء بمقاربة جديدة للخطاب السينمائي، أو لنقل أنها تضعنا أمام أسلوب ليس بالغ الشيوع في التعاطي مع المنجز المرئي، حامي القيم الخيرة ليس بالضرورة كتلة استثنائية من الخير، هو يسعه أن يخادع، كما يمكنه أن يستعين في تحقيق مآربه بنماذج بشرية ليست خارج نطاق الإدانة لما تنطوي عليه من أبعاد شريرة.. أكثر من مهنة ينطلق الفيلم من مايكل هالبر (ماتيو ماك كونغي)، محام يسعى للتفوق في مهنته، فيوفق حيناً ويحبط في حين آخر، تجرفه الطموحات المهنية بعض الوقت، فيكون حريصاً على إنجاز ما يتاح له من خلال الثغرات الضيقة التي تعتري نظاماً قضائياً قد لا يمكن الدفاع عنه بوصفه الأفضل، لكن لا بد من التعامل معه كمرجعية حاسمة.. كان هالبر منضوياً تحت سقف هذا النظام، قانعاً بما تمنحه إياه براعته المهنية وتجربته الثرية بعض الشيء، من إنجازات متفاوتة، عندما طرحت بعض الأسئلة المحرجة نفسها عليه من خارج حدود المتوقع. صفقة خاسرة بتفصيل أشد وضوحاً لم يتردد مايكل في اعتبار الصفقة التي عقدها مع الادعاء العام، والتي أنقذت موكلاً له يدعى مارتينيز من الإعدام بالحقنة السامة لتدخله السجن المؤبد، لم يتردد في اعتبار تلك الصفقة ناجحة ورابحة بالرغم من اقتناعه، الضمني والكلي، أن موكله بريئاً من التهمة التي وجهت إليه، والتي تدور حول مقتل إحدى بائعات الهوى. رأى أن ذلك أفضل ما يمكن فعله في سياق نظام قضائي لا يمانع في صياغة حقائقه النسبية المبنية على الظن والتكهن عندما تعوزه الحقيقة المطلقة. محام في الفخ هو كان يحسب نفسه يتلقى قضية جديدة، أي يمارس عمله التقليدي، عندما اتصل به أحد معارفه يخبره أن شخصاً ثرياً يدعى لويس يرغب في توكيله للدفاع عنه في تهمة جنائية موجهة إليه، التقى لويس بحضور مساعده فرنك، واستمع منه إلى تفاصيل الحادثة التي جعلت منه متهماً، هو فعل ذلك باحترافية مهنية لم تجعله يبدي علامات التأثر مع تفاصيل حادثة متسمة بقدر من الدموية، لويس الفتى الثري والوسيم، خرج ذات ليلة مع إحدى فتيات الليل، وبمجرد دخوله منزلها تلقى ضربة على رأسه أفقدته الوعي، عندما عاد إلى رشده وجد نفسه مطوقاً برجال الشرطة الذين وجهوا له تهمة الاعتداء على ريجينا كامبو، الصور التي رفعت في قاعة المحكمة لريجينا كانت تظهرها مشوهة الوجه جراء اعتداء قاس. براعة واثقة لم يستدع الأمر الكثير من التحليل لدى مايكل ومساعده فرنك للجزم بأن فتاة الليل، مدفوعة برغبتها في جني المال، قد استدرجت لويس إلى منزلها، حيث جهزت له كميناً بالتعاون مع أحد أصدقائها، وهنا صار متاحاً لها أن تضعه أمام مساءلة قانونية يميل الأثرياء عادة لتفاديها عبر دفع بعض المبالغ المالية التي تعتبر زهيدة مقارنة بما يملكونه، وذلك تحاشياً للفضيحة، وقد عزز من تلك القناعة أن كامبو فاوضت لويس على تعويض مالي قبل أن تسير في ملاحقته قضائياً. منسوب الاحترافية العالية التي تميز المحامي ومساعده أظهرت القضية غير ذات شأن، إذ سرعان ما حصل فرنك على شريط مصور للنادي الليلي الذي تعمل فيه ريجينا، جرى تصويره في ليلة تعارفها على لويس وذهابه إلى شقتها، الشريط يظهر اهتمام ريجينا بلويس، ويرصد لحظة إعطائها اياه منديلاً ورقياً كتبت عليه عنوانها، والأهم هو أنه يكشف بوضوح حواراً ملتبساً بين ريجينا وأحد الأشخاص المتواجدين في الملهى، إذن فقد أصبح من المتيسر كشف النقاط الغامضة في ملابسات القضية، وتبرئة المتهم، وتقاضي مبلغ محترم يؤمن لمايكل مزيداً من الاستغراق في حياته الباذخة.. نزاع مهني كان إيقاع الفيلم متسماً بالكثير من الهدوء وانعدام الجاذبية عندما تلقى مايكل ما يشبه التأنيب من أحد رجال الشرطة الذين يجدون في المحامين خصوماً بديهيين لهم، هم يبذلون الكثير من الجهد ويدخلون في مخاطرات ومجازفات كثيرة للقبض على مجرم، فيأتي أحد هؤلاء المحامين ليمارس براعته المتحاذقة، ويستغل بعض الثغرات القانونية في الإفراج عنه، الشرطي يسأل هالبر بقدر جلي من التعالي: كيف يمكنك أن تنام مع هذا القدر من المجرمين الذين تدافع عنهم. وتسعى لتخليصهم من العقاب؟! السؤال محرج دون شك، وتتناسل منه أسئلة شتى في ذهن المشاهد: كيف لرجل أن تكون مهنته إبقاء المجرمين خارج السجون؟! وما هو مقدار الصلة بين القتلة ذوي السحنات القاسية والملامح المتخشبة وبين أهل القانون من أصحاب الياقات البيضاء البارعين في تسويق مظهرهم؟! الأرجح أن الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو للحظة الأولى، أي أنه ليس صراعاً نموذجياً بين قانوني حريص على الحق ومجرم يجنح للخروج عن جادته. ضمير مثقل في متابعته لحواره مع المحامي يعيده الشرطي إلى حادثة مارتينيز السابق ذكرها، يلعب على إشعاره بالظلم، ودفعه للخضوع إلى تأنيب الضمير لكون موكله سيحظى باطلاق سراحه بعد خمسة عشر عاماً، أما ضحيته فقد رحلت إلى الأبد. جراء حواره مع الشرطي تنتاب مايكل صحوة ضمير على خلفية مغايرة، يتذكر أنه مؤمن ببراءة مارتينيز وأن حماسته لإبعاد الحقنة السامة عنه قد جعلته يقبل الصفقة غير العادلة، يقرر إعادة التعامل مع القضية مجدداً، وتقوده التحليلات المبنية على قدر بسيط من الوقائع نحو صلة ما تربط موكله الحالي، لويس، بقضية مارتينيز، وعندما يغوص في جمع المزيد من الأدلة تتأكد ظنونه، قد يكون لويس بريئاً من تهمة الاعتداء على ريجينا، لكنه حتماً ضالع في اغتيال رنتيريا، زميلتها في المهنة البشرية الأقدم، والتي يدفع مارتينيز ظلماً ثمن موتها بأن يمضي أحلى أيام عمره خلف القضبان القاسية. إلى المربع الأول يقرر مايكل السير بالقضية مجدداً، لكنه يواجه بالعثرات المعيقة التي يضعها النظام القضائي نفسه: لويس موكله وسرية المعلومات بين المحامي وموكله لا تقبل اي اختراق تحت اي شروط! إذن عندما قبل التوكل عن لويس لم يكن يمارس عمله العادي، انما كان يخضع لمكيدة مدبرة تقيد يديه بعناصر محض قانونية. كلام الشاشة «لقد برأتك من تهمة الاعتداء، والآن يجدر بك البحث عن محام آخر» مايكل قالها لموكله وسائل غير مشروعة لم يعجزه، وهو المحامي المخضرم والمجرب، أن يخرج من الدائرة المحكمة الإغلاق التي أدخله إليها موكله، هو لجأ في طريقه للخروج إلى وسائل شتى، لم يتردد في الإيعاز لأحد السجناء الذين اشتهروا بالوشاية على زملائهم بأن يمارس هوايته المثلى ويشهد ضد لويس، على أن يتلقى تخفيضاً بالمقابل لمدة العقوبة، ليعمد إثر ذلك إلى تسفيه شهادته أمام المحكمة في ما يخص حادثة الاعتداء على ريجينا، لكنه حرك هواجس الشرطة في ما يخص حادثة القتل السابقة، فأعلنت براءته من تهمة الاعتداء، لكنه لم يجد متسعاً للفرح بالبراءة إذ سرعان ما ألقي القبض عليه بتهمة القتل.. بينما الشرطي يضع قيد العدالة الحديدي في أيدي لويس، أسر مايكل في أذن موكله:»لقد برأتك من تهمة الاعتداء، والآن يجدر بك البحث عن محام آخر».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©