الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرز في إندونيسيا··· والاستثمار

الأرز في إندونيسيا··· والاستثمار
19 يوليو 2008 02:28
هكتار من الأرض المخصص لزراعة الأرز كفيل بإقناع ''آن سوهارلان'' بالاستثمار كلياً في إنتاجه، باعتباره أحد المواد الغذائية المفضلة لدى الإندونيسيين، ورغم صغر قطعة الأرض التي يستغلها ''سوهارلان'' لزراعة الأرز، إلا أنه بفضلها تمكن من تعليم أبنائه، وحاز مكانة محترمة بين أهالي قريته، لكن عندما يرى باقي المزارعين في القرية يحرثون الأرض ويهيئونها لاستقبال بذور أخرى، يعرف لماذا يتخلون عن زراعة الأرز السائدة في المنطقة! يوضح ''سوهارلان'' سبب ذلك قائلا: ''لقد أصبحت زراعة الأرز عملية مكلفة جداً نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج واليد العاملة، حيث بات من الصعب العثور على عمال مادام معظمهم يفضل العمل في المصانع''، وفي الأشهر الأخيرة باتت أسعار الأرز المرتفعة تتردد على لسان الجميع بعدما تضاعف السعر بثلاث مرات بين شهري يناير وأبريل، ورغم تراجع الأسعار قليلا في الآونة الأخيرة، إلا أن تداعيات الصدمة الأولى مازال صداها يتردد في عموم القارة الآسيوية· ونظرياً يُفترض أن يوفر ارتفاع الأسعار عالمياً مصدراً إضافياً للدخل بالنسبة لمزارعي الأرز في ''جافا'' التي تعتبر سلة غذاء حقيقية لأرخبيل -يضم أكثر من 228 مليون نسمة ويستهلك سكانه 32 مليون طن من الأرز في العام الواحد- لكن العوائد التي تصل إلى المزارعين ليست كافية لإقناع الأهالي بالاستمرار في زراعة الأرز، وهو ما يفسر حسب بعض المراقبين، الارتفاع المتواصل لأسعاره في الأسواق· ولمواجهة هذا التراجع في مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الأرز وعزوف المزارعين عنه، تقدم الحكومة الإندونيسية مجموعة من الحوافز للقرويين لتشجيعهم على إنتاج كميات أكبر من الأرز، وفي هذا الإطار أيضا يدرس البرلمان الإندونيسي مشروع قانون يقضي بتوسيع المساحات المزروعة لتشمل 15 مليون هكتار إضافي من الأراضي الفلاحية· وللتغلـــب علــى مشكلــــة نقـــص الأراضي الزراعية في الجزيرة الأم ''جافا''، لجأت الحكومة إلى تشجيع الزراعة في الجزر الأخرى التابعة لإندونيسيا، رغم أن تلك الأراضي المستصلحة لا تكون غالبا بنفس درجة خصوبة الأراضي الزراعية في ''جافا''، ما يؤثر سلباً على المحصول· وتعتبر الجهود التي تبذلها الحكومة أساسية لرفع إنتاج الأرز، وهو ما يعبر عنه ''سيوي بوروانتو'' -مدير المحاصيل في وزارة الزراعة الإندونيسية بقوله: ''علينا أن نحمي مناطق إنتاج الأرز، لاسيما في ظل زحف العمران على المناطق الزراعية الخصبة وتراجع المساحات المزروعة''، وتقوم الحكومة أيضاً بدعم المخصبات والبذور المهجنة لتحسين المحصول ورفع الإنتاج، فضلا عن ترميم البنية التحتية المرتبطة بالأراضي الزراعية مثل إصلاح قنوات الري لضمان إمدادات كافية من المياه، وفي هذه اللحظة يبدو أن مخزون إندونيسيا الاحتياطي من الأرز في حالة جيدة، حيث تنوي السلطات المختصة المسؤولة عن بيع الأرز وشرائه تخزين حوالي 3,8 مليون طن خلال السنة الجارية من أصل 34 مليون طن من الإنتاج للحفاظ على استقرار الأسواق، وكانت إندونيسيا قد استوردت في العام الماضي 1,3 مليون طن من الأرز لتصبح من بين أكبر الدول المشترية للأرز في العالم· والواقع، كما يؤكد ذلك ''نيل ماكولوك'' -مدير البرنامج الاقتصادي في ''مؤسسة آسيا'' بجاكرتا يشكل سعي إندونيسيا الحثيث لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الأرز وتوفير احتياجاتها الكافية منه استجابة منطقية لأزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، لكن الرد قد لا يكون صائباً إذا اختارت الدول المنتجة للأرز وقف عملية التصدير لما سيحدثه ذلك من تأثيرات سلبية على الأسواق العالمية· فقد تسببت القيود التي فرضتها فيتنام والهند على تصدير الأرز في ارتفاع صاروخي لأسعاره، كما شجعت إندونيسيا ودول أخرى على الاقتداء بهما، ولا ننسى أيضاً أن ضخ المزيد من الأموال والاستثمارات في القطاع الزراعي المحلي بإندونيسيا ليس من الضروري أن يعود بالنفع على الشرائح الفقيرة التي تعيش في المدن، كما لن تقود بالضرورة إلى الاستغلال الامثل للأرض من قبل المزارعين، ويوضح ذلك ''ماكولوك'' قائلا: ''عندما يتعلق الأمر بالسياسات الاقتصادية لإندونيسيا، عليها أن تختار بين خفض الفقر، أو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإذا قرر المزارعون الذين ينتجون الأرز تغيير المحصول، فلماذا الإصرار على الأرز فقط؟''· الحقيقة أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يفضلون أن تضع إندونيسيا وباقي الدول ثقتها في الأسواق العالمية وقدرتها على تأمين الأرز بأسعار معقولة، عندما يتراجع مخزون تلك الدول، وبدلا من الاحتفاظ بفائض الإنتاج وعدم طرحه في الأسواق ينصح الخبراء في الدول المنتجة للأرز بتصديره إلى الخارج، لأن ذلك سيعيد التوازن إلى الأسواق ويخفف من ارتفاع أسعار الأرز، لكن بعد الهزة العنيفة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية في العالم، من الصعب إقناع الحكومات بالتخلي عن إجراءاتها الاحترازية تجاه الأرز، أو خفض الاستثمار في القطاع الزراعي على أمل أن تسترجع الأسواق العالمية توازنها، هذا التخوف من نقص المواد الغذائية وعجز الحكومات عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها الفقيرة هو ما يعبر عنه ''سيوي بوروانتو''، مدير المحاصيل في وزارة الزراعة الإندونيسية بقوله: ''إن الاستقرار السياسي يقوم على إمدادات الأرز، فغياب أرز عن مائدة الطعام يعني قيام الثورة''· ويرى ''محييى الدين سيام'' -مدير المؤسسة الدولية لأبحاث الأرز- أن الواقع الجديد على الصعيد العالمي يعني أن تغيراً وشيكاً سيطرأ على الأولويات الحكومية، إذ بعد عقود من إهمال الاستثمار في المحاصيل الزراعية ستخصص السلطات جزءا مهما من الموازنة للزيادة في إنتاج الأرز وباقي المواد الغذائية الأساسية· سيمون مونتلايك-إندونيسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©