الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برقة: تطلعات فيدرالية لا انفصالية

برقة: تطلعات فيدرالية لا انفصالية
27 مارس 2012
عندما وقعت مدينة مصراتة في الغرب الليبي تحت حصار خانق ضربته عليها كتائب القذافي خلال الثورة الليبية السنة الماضية، شعر "عدنان البغاثي" بالحزن الشديد على مواطنيه في المدينة المحاصرة، وبعد فرار العديد من سكان مصراتة في أوج المعارك إلى بنغازي، وهي الرحلة التي تستغرق عشرين ساعة عبر البحر، سارع عدنان إلى إيواء الهاربين وتوفير الغذاء للأسر النازحة. ولكن اليوم يبدو أن مشاعره الشخصية تجاه مصراتة تراجعت، بعض الشيء، بسبب الاتهامات الموجهة للمدينة باحتكار أغلب المناصب في الحكومة الجديدة بطرابلس وتهميش سكان الشرق الذين تزعموا الثورة ضد نظام القذافي، وهو ما يؤكده عدنان نفسه قائلاً إن: "الجميع ضحى خلال الثورة، ولا أحد يحتكر النجاح، لا منطقة، ولا مدينة بعينها"، غير أن سكان شرق ليبيا الذين هتفوا خلال الثورة "لاشرقية لا غربية... ليبيا وحدة وطنية" تحولوا إلى دعم الحركة السياسية الوليدة في الشرق المطالبة بالفيدرالية والتخلص من آثار المركزية المفرطة التي كان النظام السابق يمارسها من العاصمة طرابلس. ففي السادس من شهر مارس الجاري اجتمع حوالي 2800 سياسي وناشط اجتماعي بمصنع الصابون القديم القريب من بنغازي لإعلان تشكيل مجلس انتقالي قد يمهد الطريق لإنشاء حكومة تتمتع بالحكم الذاتي. ويأمل سكان الشرق الليبي في أن الرجوع إلى النظام الفيدرالي الذي كان سائداً في ليبيا قبل سنة 1963 سيوفر لهم خدمات أفضل وحصة أكبر من عائدات صناعة النفط التي تتركز بصفة خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد. وعن هذا الموضوع يقول مختار جابر من بنغازي "لم نرَ شيئاَ من الثروات النفطية الهائلة للبلد، كل ما نعرفه أن النفط يضخ من تحت أقدامنا ويذهب ليوفر الخدمات الصحية والتعليمية في مناطق أخرى". ولكن تحرك الشرق الليبي نحو توسيع الحكم الذاتي قد تكون له تداعيات خطيرة على مستقبل الدولة الهش بعدما برزت من تحت أنقاض حكم القذافي الذي استمر لاثنتين وأربعين سنة، وفيما يصر البعض في الشرق على ضرورة الوصول إلى الفيدرالية بأساليب التفاهم والديمقراطية، فإن الميليشيات المحلية قد تلجأ إلى السلاح لحماية مناطقها وإغراق البلد كله في حرب أهلية جديدة هي آخر ما يريده الجميع. وللقطع مع عقود من التهميش يسعى سكان الشرق الليبي إلى تشكيل إقليم فيدرالي بمجلسه التشريعي وقضائه الخاصين، بحيث تشرف الحكومة المحلية على إدارة التعليم والسكن والصحة، فيما تظل الشؤون الخارجية في يد الحكومة المركزية، وهو ما يذهب إليه أحد منظمي التجمع الذي أعلن الفيدرالية، هو "أبوبكر بعيرة"، الذي يقول إن "سكان الشرق تعرضوا للتهميش على مدار الخمسين عاماً الماضية، لأن كل المناصب المهمة والأموال ظلت موجودة في طرابلس وليس في بنغازي". وخلال المؤتمر الذي عُقد في شرق ليبيا لإعلان فكرة الفيدرالية اختار المشاركون أحمد الزبير السنوسي، وهو أحد أقرباء الملك الليبي السابق الذي أطيح به في انقلاب 1969، لقيادة المجلس الانتقالي. يُذكر أن الملكية التي حكمت ليبيا بين 1951 و1969 كان مقرها شرق ليبيا، كما أن النخب الأرستقراطية كانت تنحدر من الشرق فيما السفراء الأجانب كانوا يعتبرون بنغازي مدينتهم ومقرهم الرئيسي، وعلى مدار الاثنتي عشرة سنة الأولى من عمر الملكية كانت ليبيا مقسمة إلى ثلاث مناطق منفصلة: برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب. أما الفيدرالية التي جمعت الأقاليم الثلاثة في كيان واحد فقد جاءت بضغط من قوى الاستعمار السابقة التي خشيت من سيطرة طرابلس على باقي المناطق ذات الكثافة السكانية الضعيفة، فكانت مع حفاظ الأقاليم الثلاثة على درجة عالية من الحكم الذاتي. غير أن النظام الفيدرالي ألغي في عام 1963 عندما بدأت ليبيا ضخ النفط وبدا أن حق النقض الذي تتمتع به الأقاليم لن يسهل إدارة الثروة النفطية، ولذا تم توحيد القرار ومركزيته في طرابلس، وبعد ست سنوات أطاح القذافي بالنظام الملكي لتمحي حدود الأقاليم تدريجيّاً وتتسارع عملية تركيز السلطة في يد القذافي بطرابلس. وعندما اندلعت الثورة في بنغازي خلال السنة الماضية شعر العديد من سكان الشرق الليبي بالتفاؤل بأن أمجاد منطقتهم ستعود مجدداً، ولاسيما أن أغلب أعضاء المجلس الوطني الانتقالي ينحدرون من المنطقة الشرقية، ولم تبدأ المشاكل إلا بعد سقوط طرابلس في أيدي الثوار، حينها بدت آمال سكان الشرق وكأنها ذهبت أدراج الرياح، حيث انتقل المجلس الوطني الانتقالي إلى الغرب بطرابلس، كما حصل سكان الغرب على أغلب المناصب في الحكومة التي شُكلت بعد سقوط طرابلس. وأكثر من ذلك أن حصة مقاعد منطقة برقة في البرلمان بموجب قانون الانتخابات الجديد لم تتعد 60 مقعداً فيما حصلت طرابلس على 102 من أصل 200 مقعد سيتشكل منها البرلمان الليبي. ومع أن المقاعد وزعت بالتناسب مع عدد السكان في كل منطقة، إلا أن الإحصاء السكاني الذي استند إليه قانون الانتخابات يرجع إلى إحصاء عام 2006 الذي أجراه القذافي ولا يحظى بمصداقية كبيرة، وهو ما يؤكده فرج الكازة، أحد مؤيدي الفيدرالية، حيث يقول: "كان القذافي يتلاعب بالأرقام لأغراضه الخاصة، حيث منح الجنسية لأناس من تشاد ومالي والنيجر جلبهم من الصحراء وجعلهم مواطنين ليبيين". والمشكلة أن دعم فكرة الفيدرالية لا تنحصر بين التكنوقراط، بل تمتد أيضاً إلى عدد من العسكريين المنشقين عن القذافي وقادة الميليشيات الذين حاربوا النظام السابق، ومن بين هؤلاء محمد المسماري الذي فقد شقيقه في الثورة وقد عبر عن موقفه قائلاً: "لم نقاتل النظام السابق ليأتي نظام آخر يحكمنا"، ولكن عندما سُئل عما إذا كان سكان الشرق مستعدين للقتال مجدداً لتحقيق هدفهم نفى تماماً احتمال حدوث ذلك مؤكداً: "نحن بلد واحد وشعب واحد، لكن نحن أيضاً لنا حقوق ولن نترك طرابلس تملي علينا ما تريد". ستيفن سوتلوف - ليبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©