الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر الجندي في شوارع العراق

الشاعر الجندي في شوارع العراق
27 مارس 2013 20:16
شعراء، روائيون، أميركيون وغربيون، جاءوا جنوداً في جيوش دخلت العراق، إبان غزوه عام 1993. مرّ هؤلاء كما نظن مرور الكلام بين الشفاه، إذ لا أحد يعرف أنهم دخلوا العراق وبأيديهم البنادق، وتسبقهم فوهاتها وسرف الدبابات وعيون القناصة الذكية. ولكن الأغرب حقاً أن هؤلاء الشعراء والروائيين أصابهم الذهول وهم يرون العراق الذين سمعوا به حضارة وكتابة وعجلة وفكراً وشعراً. أصابهم الذهول وهم يبصرون بلداً خرباً. أصابهم الذهول وهم يرون شعباً ناحلاً محنيَّ الظهر. أصابهم الذهول وهم لم يبصروا مكتبات وكتباً. أصابهم الذهول وهم موقنون بأن لا ثقافة في هذا البلد الصانع التاريخ، الخارج منه، ولكن ما شجعني إلى أن أكتب هذه اللقطة هذه القصة عن المذهولين من شعراء أميركا وأوروبا وبخاصة براين. قرأت مرة إن براين ترنر الشاعر الأميركي كان جندياً في العراق، وروى أنه خرج مرة مع صديق له في شوارع بغداد في ملابس مدنية وهو محمول على فكرة مجنونة إذا ما عرفه الناس كونه جندياً أميركياً، غير أنه كان يتجول ولا أحد قد انتبه إليه، ولا أحد قد التفت إليه، بل لا أحد في شوارع بغداد قد نظر نحوه، وكأنهم نيام يبصرون ويتمشون في شوارع وسخة وبين محال تبعثرت بضاعتها وأصوات بائعين يعلنون عن بضاعة كاسدة. كان براين مستاءً.. كان يرى الدمار والخراب ولا يظن أبداً أن هذه المدينة قد أنجزت عملاً إبداعياً عملاقاً هو «ألف ليلة وليلة». ولا يمكن أن يقتنع أن موسيقى الشرق رحلت على يد زرياب واسحاق الموصلي من شوارع بغداد فأسست حضارة في الأندلس. كان براين يتهكم على ثقافة لا وجود لها. على إبداع قالوا له إنه موجود هناك في بغداد فلم يجده. كان براين قد أصيب بصدمة وطن لا ثقافة فيه. كان براين مطمئناً ألا أحد يعرفه وسط هذه المدينة فجأة. فجأة.. كان هناك شاب بملابس بسيطة، حائلة، يصيح عليه عبر شارع الرشيد وبصوت عال: براين ترنر.. براين ترنر. دهش براين.. دهش ولكن بشكل آخر وتساءل بذهول: هل أنا من يصيح عليه هذا الفتى الذي يمسك ديوان شعر لا يعرف براين لمن؟ اقترب منه الفتى وقال له: أأنت الشاعر الأميركي براين ترنر؟ فقال براين: حينذاك أيقنت حقاً لماذا ظهرت الكتابة هناك، ولماذا صنعت العجلة هناك، ولماذا رويت ألف ليلة وليلة هناك، ولماذا أنا معروف هناك؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©