الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحراء.. وجدُ السماء مجد الأنام.. صحائف النوق

الصحراء.. وجدُ السماء مجد الأنام.. صحائف النوق
27 مارس 2013 20:14
يقولون إنك الهوى والنوى والجوى، وسجل يطوي الخفاف الرهاف، ويحتوي بلل الأيام وأحلام من ساوروا وناوروا وغامروا، وطوقوا الغاف بالشفاف وجاوزوا حد المعرفة حتى تساوت النجوم بالغيوم، وتعانقت السيقان بالأشجان. يقولون إن امرأة حلمت من رائحة الرمل، سبلت الجفنين وغفت عند كثيب، فلما استيقظ الجسد، توهجت التلال محتسبة لله تعالى بما جاد وأجاد، في صنع الكائنات من تراب وأتراب، فحبب الله خلقه بالأرض.. يقولون إن امرأة في طرفة عين، أخفت ما جاش في الخاطر، فاستنهضت جل الشجون، والشؤون والمجون، واعتنقت فكرة أن الصحراء من فصيلة الأبد، ولا أحد يخفي سراً أنها الأمد المتمدد في المدى يمد شراعاً من شوق باتجاه أفق الناس يغرد وعياً أممياً، لا يخفت ولا يخبو ولا يجفو، هو شيء من ذلك المكنون في الخفايا والسجايا، والنوايا، والطوايا، والثنايا، هو شيء من ذلك، المخزون في طيات الحلم البشري والوعي يتجدد، ويتحدد، ولا يتبدد، ولا يتمدد، ولا يتقدد، ولا يتصهد، بل يتمرد على السكون، إذ إن الصحراء في البدء كانت خيمة وغيمة ونجمة، ونعمة. هي صومعة البدوي ومحرابه، وذهابه وإيابه، وجلبابه، وقبابه، وصوابه، وصباه، وشبابه، هي حلوه ومره، وعذابه وعِذابه، والصبابة التي زلزلت وبلبلت وخلخلت، وجلجلت وجللت، وصللت، وظللت، هي الأساور والخلاخيل، هي المضرب والرحيل، هي الركاب والخيل، هي الحبل الموصول ما بين الشريان، والوريد، هي الحديد والجريد، والعقد الفريد، هي القصيدة المغناة على ظهور النوق، وأعطاف الجياد المبجلة. الغاية والغواية الصحراء، بداية الوشاية والغاية والغواية، الصحراء الوحدة الوجودية، والاتحاد المكون ما بين النخلة والقُبلة، والأحلام المؤججة بأوار الشغف والتلف عندما تتحالف الرغبة الكامنة والعشب القشيب النابت في عروق المعرفة الأزلية، المسبح والمحمد باسم الفضاءات المفتوحة على آخر المكان عند شفة زمان يبوح بأسماء الأولين والآخرين، يفوح بعطر الجلابيب المدلاة من فوق الركاب ذات الرضاب والخضاب وأشواق المدنفين بأدعج العينين والحور العين وهيفاء الخصر وناحلة القد، معسولة الريق، وردية الشفاة. يقولون إنك السجادة المغزولة من صوف الدهر، المزخرفة بألوان النجوم الهائمات في بطن السماء، السابحات عرفاناً، الراقصات طرباً، الجاريات في ظلام الليل، بحثاً عن شهقة تطهر الوجدان من غبن أو شجن.. يقولون إنك المعنى في متن القصيدة الأزلية والقافية الهاربة من أطر الأوزان وبحور التواطؤ المرير، يقولون إنك الوحدة الكلية للوجود، واليوم الموعود، والحبل الممدود، والسر المفنود، والسؤال البشري المجلود والطور المكدود، يقول ذلك وأنت في المعنى من رجم السماء في المساء، تحطبين في اشتياقات الناس إلى سواق الدفء، وفي الليل البهيم تغنين للمرأة الكامن في نسيج الرمل، المهيمنة على الأعطاف والأسلاف القابضة على عقدة التاريخ، منذ أن سقطت التفاحة واستمرت الفجيعة، تفشى سر الشبق البشري، ونزق الأحلام الكونية. يقولون إنك فاتحة الأسئلة ومفتاح الحلم، عندما تغير الليل على جفن امرأة تبدين نهراً من سلالات الجحيم، تبدين حجراً يتساقط جنياً على مسام الجسد، تبدين المسافة الضيقة ما بين رغبتين، تبدين رحلة طويلة الأمد، في تجاويف المدى، تبدين السفر في تلافيف المعنى والقصيدة المؤجلة. يقولون إنك المنجل، والمنهل، والسهل، والوصل، والساعد المبلل بالرمل، والخفاف الثقال المتصلات بأزمنة ما قبل الوعكة الصحية بتواريخ بعيدة بعد السماء عن القلب، يقولون إنك مثل جزيرة تحيط بها بحار الأفئدة تطوقها بالقلق، تعانقها بشغف، تنحدر صوبها، تتجذر في سواحلها، تتحد مع طيور الشوق، ترمي بصنارة البحث عن إجابات حتى تكون سابحة أو تكون غارقة ما بين سحب الرمل، يقولون إنك تناولين الناس خبز الشظف بتلف، ثم تشيحين وجوماً لكي لا تختال الجياد ضاحكة، ويضيع الحلم في المعنى الباهت ولا تجدين غير أشباه وأنصاف وأرباع من كائنات مبهمة، شائهة عازفة عن تمثيل الحياة كما هي. يا صحراء.. السؤال يسكر من نخب الكؤوس الفارغة، ويطيح بالوعي عندما يتحلل الرمل من جلابيب المعرفة، وينام الرأس مصفداً بأغلال مراحل ما بعد الفراغ، وتهيم في براري القلب نجمات غارقة في مجون العبث، وتحتفي النوق باليوم الاحتفالي البهيج.. يا صحراء.. السؤال قديم قدم هذا الرمل المتراكم على العقل، ويحضر قبره في هضاب الذاكرة، كأنه النبي يونس حين التهمه الحوت، وصاح متوسلاً: «اللهم قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين».. يا صحراء.. لا يكون الحب قصيدة نثرية ثرية بالمعاني، إلا عندما يكون للأحمر الذهبي نار مصلية حتى يصير أسوراً في رسغ حسناء هيفاء، نجلاء، تجللت بالرهافة من لون حكيم عليم.. يا صحراء لا معنى للشجر الأخضر إن لم يغرس وتدافي ترائب الأرض ويحيي عدد الشهقات وألفة الكون مع لهفة الإنسان المطرز بحمية الأولين وحماية الله من عسف أو تلف. يا صحراء.. تتمددين على سجادة القلب كأنك طائر فَقَدَ الجناحين إثر مداهمة بغيضة وتنقرين في الروح حبات الشوق من آن لآخر، ثم تستيقظين على نفرة الحجيج حين يؤذن للإعراج إلى حيث تحتشد الآلهة، وتقول الملائكة كلمة الفصل، والناس أجمعين يهطلون كالغيث النثيث، على خد وقد.. يا صحراء.. لا أنت، لا أنا، لا أحد، يصيغ الحلم، قلادة مرصعة بالشوق سوى ذلك الوجد الأزلي الساكن في أحشاء الفكرة المبللة بالأسئلة الغامضة. يا صحراء.. الجدير بالذكر أنك من صناعة بشرية بحتة ومن غزل أنامل أطرى على بال صاحباتها أنك ستكونين دوماً شرشف المكان، وإن تغير الفصل وتثلم النصل لا بد وأنك ستسجدين للمولى عز وجل وتعددين المزايا في كتابة الفصول الأخيرة لرواية مفضلة في قلوب العاشقين.. يا صحراء.. فكرة الخلق بدأت من نخوة العشاق في ترديد قصيدة قديمة قدم التراب واليباب، عندما ساور جسم الكائنات المتلاشية خلف خوفها وحيفها وحتفها، وسقفها الأشد انخفاضاً من أعجاز نخل خاوية.. يا صحراء.. يقولون إن الشياطين تتماشى لمس قدمي امرأة اغتسلت بالرمل وخضبت الأنامل من ندى الصباحات الباكرة، وكحلت العينين بأثمد الأفق الممتد كأنه مرور بلل بالسواد الجميل.. يا صحراء.. يقولون والعهدة على الـراوي إنك بدأت من حبة رمل تراكمت علـى الذاكرة حتى صارت الحبة كثيباً من ذهــب المعـاني النبيلـة، ثم صار الكـثيب رقيــة على ساعد امرأة، ثـم صــارت المــرأة فـي الوعي نخلة تنهل من ربيع الخاطر ما ينشئ الجسد النشأة المظللة بالأعطاف. يا صحراء.. يقولون إنك في الأصل من شهقة الجبال العالية نفخت فيها الروح، فصارت الحبات حملاً ناضجاً يؤتي أكله كل حين ويحشد المعاني في فصول الذاكرة ويمضي في المجيء باتجاه غايات وفضيلة.. يا صحراء.. يقولون والبوح سر المعرفة، البوح تغريدة الطير على غصن تبلل بالاخضرار، البوح حزمة المعارف وما سجله الزمن من مفردات تعنى بالشأن والفن. الخيمة والوتد يقولون إنك المدار، والمسار، والحوار، والأطوار، والأدوار، والأنهار، والبحار، والأسوار، والسوار، والجدار، ولا خيمة ترفع أوتادها من دون صحراء، ترتل أعواد النخل، وتصفد حبال الوصل، لا خيمة من دون الصحراء يعلو شأنها، لأنك البعد في فلسفة الوجود، لأنك المهد في معرفة الخلود، لأنك النهد، والرعد، والمجد، والوجد، لأنك الفرادة في بناء قصيدة الأحلام التاريخية الكبرى.. يا صحراء.. يقولون إنك ابتدأت منذ بداية التأريخ من عجين المال والرمل، صغت أشواق الحالمين بالمجد، وها أنت الآن هنا في المعنى الأجل، في المضمون والمكنون، في الشأن، وفي الغضون والغصون، والشجون، والفنون، تبعثين برسالة سرية للغاية، أن لك في الزمان حصان، كان يخوض في السجايا، سجالاً، كان يحمل وبالاً، كان يصهل ويغتال، الخوف من الآتي بشهيق أشبه بالمنجنيق، كان يحصد نبضات الرمل، نجب وقفز، كان يمضي بهودج ومبهج، يضع معاني القصيدة على شفاة المنشدين ويعدو ويغدق الصحراء بالشيمة والقيمة، ثم يقبل الرمل، إيماناً واحتساباً أنه لا كون بريء من دون صحراء تتسع لأشواق، جل العشاق.. لا حياة أصفى من عيون امرأة عاشقة، إلا بصحراء تمطر الليل بنجوم أرق من الناهضات الكواعب. يا صحراء.. يقولون إنك ما شددت الرحال يوماً إلا والضغائن محملة بنحيب العاشقات ولهاً وهلعاً على ما قد يمضي بلا عودة إلى تربة الوجد.. يا صحراء.. هكذا أنت تغسلين الأسئلة بالرمل تيمماً، وتمضين في الابتهال ترهباً، والباقيات الصالحات أعمار تتداول، معنى وقوف الشجر على هضيب خصيب، معتنقاً فكرة الخلود بوجود يتحزم بالعزيمة و»إرادة القوة» وتأصيل ما لا يقبل التفصيل، والتأجيل، والتقليل، والتعليل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©