الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان (16)

6 يوليو 2016 22:00
إذا كان الشريف الرضي قد خصص دراسة عميقة لمجاز القرآن في كتابه «تلخيص البيان في مجازات القرآن» فإن عالماً كبيراً من علماء القرن الخامس هو ابن ناقيا البغدادي، وهو عبد الله بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا، كان أديباً شاعراً ولغوياً، له مصنفات كثيرة، منها ملح الممالحة، وكتاب الجمان في تشبيهات القرآن، وله مقامات أدبية مشهورة، واختصر الأغاني في مجلد واحد، وشرح كتاب الفصيح، وله ديوان شعر وديوان رسائل، وُلد سنة 410هـ وتوفي سنة 485هـ، قد خصص كتاباً من أنفع كتبه لدراسة التشبيهات التي وردت في الكتاب الكريم، وهو كتابه المسمى «الجمان في تشبيهات القرآن» الذي حققه الدكتور أحمد مطلوب وخديجة الحديثي ونشرته وزارة الثقافة والإعلام في العراق. وتابع ابن ناقيا في كتابه الشريف الرضي في دراسة المجازات من حيث استخراج تشبيهات القرآن من آياته وسوره بترتيب السور في المصحف، وتحدث في أول الكتاب عن فضل التشبيه، فقال التشبيهات نوع مستحسن من أنواع البلاغة، وقد ورد منه في كتاب الله. وعن كيفية التشبيه قال إن الشيء يشبه بالشيء، وتارة في صورته وشكله، وتارة في حركته وفعله، وتارة في لونه ونجره، وتارة سوسه وطبعه، والنجر والسوس هما الطبيعة والأصل، وكل منهما متحد بذاته، واقع من بعض جهاته. وللتشبيه أدوات منها الكاف ومثل وشبيه، ونحو ذلك وربما استغني عن هذه الأدوات بالمصدر نحو «خرج خروج القدح»، و«طلع طلوع النجم» و«مرق مروق السهم»، ولا يكثر مثل هذا في التنزيل، وإنما عامة التشبيهات هناك مقروءة بالأدوات. وأشار ابن ناقيا إلى أنه قد ورد في القرآن لفظ التشبيه لغير تشبيه، كما في قوله تعالى «أو كالذي مر على قرية» فإن ذلك معطوف على معنى الكلام الأول في قوله تعالى: «ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم في ربه».. لأنه في التقدير: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه أو كالذي مر على قرية. وقال ابن ناقيا في تشبيه من سورة الرحمن: «فإذا انشقت السماء وكانت وردة كالدهان»، الانشقاق: انفكاك ما كان من شدة الالتحام، فالسماء تنشق وتصير حمراء كالوردة ثم تجري كالدهان، وقيل في قوله: «فكانت وردة كالدهان» أي: كلون فرس ورد، والورد الكميت يتلون فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف، والدهان جمع دهن كقرط وقراط، أي يتلون من الفزع الأكبر كما تتلون الدهان المختلفة، ودليل ذلك قوله تعالى «يوم تكون السماء كالمهل» أي كالزيت الذي يغلي. وهم يذكرون تغير السماء من شدة الأمر وصعوبته وما يعهدونه من أحوالهم مثل الجدب والحرب ونحو ذلك، ومثله قال الشاعر: ومحمرة الأعطاف مغبرة الحشا.... خفاف رواياها بطاء عهودها يعني سنة مجدبة، أقطار السماء بها محمرة، والأرض مغبرة، و«رواياها» يعني سحابها، والعهود أول المطر، وقال بعض العرب يصف سنة مجدبة: وجاءتك بالهف لا أرى فيه..... وقد سود الشمس فيه القتر كأن النجوم عيون الكلاب...... وتنهض في الأفق أوتنحدر أي حالة الغبار دونها، كمدت ألوانها، سحابة هف: لا ماء فيها، والأرى: درة السحاب، والقتر: الغبار، كما قال ذو الرمة: وحيران ملتج كأن نجومه...... وراء القتام الأغبر الأعين الخزر وهنا شبه النجوم في الليل واستبانتها وراء الغبرة التي بين السماء والأرض بالعيون الخزر والجامع بين هذا وذاك هو اختفاء ما يستوجب ظهوره، أي أن النجوم في السماء والعيون في الإنسان هما ظاهران لولا عارضاً يخفي بعض ظهورهما، فالقتام يذهب ببعض وضوح النجوم، كما أن الخزر في العين يعني ضيق اتساعها أو عارضاً يحجب بعض رؤيتها. * المرجع البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانة طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©