الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات العربية... دعوة للحكم الصالح

31 مارس 2011 00:10
لم يعد العالم العربي يقبل شكل العلاقات القديمة التي سادت الدول والمجتمعات. فكما يتغير الأفراد بين يوم وليلة، تتغير المجتمعات مطالبة بحقوق ضائعة وباستقلال عن حكوماتها وأنظمتها السياسية. الشعوب العربية هي في طور التشكل والتغير. ما هو قادم لا يزال كبيراً، ولا يقل عن ثورة دائمة في أشكال وتعبيرات سياسية وثقافية وإنسانية مختلفة. ما هو قادم أصعب من أن يحتوى بتنازلات شكلية أو بحلول اقتصادية لمشكلات هي في الأساس سياسية. أصل الثورات العربية يعود إلى طبيعة إنسانية تبحث عن الكرامة والحريات. وهذا يرتبط في البلاد العربية بفساد سيطر وأغلال شيدت وأفكار قيدت. أصل الثورات مرتبط بضعف في بنية الأنظمة السياسية العربية التي اعتمدت احتكار السلطة طريقة في الحكم ونتج من ذلك انتشار للفساد وتعميم للقمع. إن نزعة الإنسان إلى الحرية تبدأ منذ لحظة استبعاده ثم منعه من التعبير. لهذا فإن حل أزمة البطالة لن يمنع الثورات، فالبطالة والإسكان والدخل جزء صغير من الكرامة الإنسانية ورغبة الشعوب في التحول إلى مصدر للسلطات. وفي التاريخ الإنساني لا يوجد شعب ضعيف. الضعف والقوة أمران مؤقتان ونسبيان. ما يبدو أنه ضعيف قد لا يكون كذلك في الحقيقة. هذه المعادلة جعلت بعض أكثر الأنظمة قوة يهوي فجأة. لهذا على كل من يحكم في العالم العربي الآن وفي هذا الظرف الثوري المتحول ألا يتساءل عن قوته وأسلحته بل عن عدله، وألا يتساءل عن ضعف من يحكمهم بل عن موعد اكتشافهم لقوتهم الكامنة، وألا يسعى إلى إدامة سلطة تسلطية لا يمكن أن تدوم، بل أن يكتشف طرقاً مبتكرة تقوم على الحوار والسعي نحو الإصلاح السياسي. الحكم الصالح الآن يتطلب دساتير تؤكد قيم الحرية والعدالة، وتنجح في إرساء تقاليد التداول على السلطة في ظل انتخابات مفتوحة وضمانات لكل فئات وأقليات المجتمع. نحن أمام مناخ جديد من الثورة الدائمة لا ينفع معه إطلاق النار وقصف الطيران. فما حققه نظام القذافي على سبيل المثال من تمدد عسكري ضد معارضيه يجعله يخسر سياسياً، ذلك أنه فقد الشرعية المحلية والإقليمية والدولية. فهناك الآن قرار دولي وتدخل عسكري دولي ووضع جديد سيفرض على النظام الليبي أن يتراجع. من جهة أخرى، إن استخدام القذافي للسلاح الثقيل والطيران لضرب الشعب لن يعيد إليه شرعيته. لقد أصبحت معركة ليبيا كفاحاً قد يطول لإسقاط القذافي. وككل نضال فيه تقدم وتراجع. ومن جهة أخرى، تمثل مبادرة الملك محمد السادس ملك المغرب تطوراً على قدر كبير من المسؤولية، والذي تقع بلاده على حدود أوروبا، سار في الطريق قبل أن يبدأ الطريق، وحسم أمره. فقد التقط معاني التغير فوعد بالتنوع في المغرب وبالاعتراف بالهوية الأمازيغية، كما أقر مبدأ حكومة منتخبة بالكامل وملكية دستورية وتعديل الدستور وإقرار دستور جديد في مرحلة لاحقة. النتيجة النهائية للإصلاح في المغرب ستقررها حالة التوازن والتسابق بين حركة الشارع الشبابية من جهة وبين مبادرة الملك وقوى المعارضة التقليدية من جهة أخرى. الشعوب العربية تبحث الآن وسط الثورات الدائمة عن طريق تؤسس معه أساليب جديدة في النضال والمواجهة. الأساس بالنسبة إلى الشعوب هو اكتشاف الطريق السلمي في التغير كما حصل في تونس ومصر، وكما يحصل من جانب المتظاهرين في اليمن وأخيراً في سوريا. لكن التحول إلى العنف المسلح في بعض الثورات كليبيا، هو الآخر ممكن، فقد اضطر الشعب الليبي المسالم والذي تعايش مع نظام القذافي الجنوني لعقود عدة إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه، بينما من جهة أخرى نجد أن الشعب اليمني المسلح بطبعه قرر صنع ثورة سلمية يدفع من خلالها تضحيات كبيرة من أجل إسقاط النظام.في المرحلة الجديدة لن يكون الحجر على حرية الرأي مقبولاً. لن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. نحن إذا أمام مشهد يمتلئ تدفقاً وهو لن يتوقف حتى لو أوقفت بعض الثورات بالقوة، فحراكها السياسي سيستمر تحت الرماد ووسط الناس مما سيحدث مناخاً معطلاً للاقتصاد والأعمال والحياة والسياسة، وذلك إلى أن يتم إيجاد تسوية سياسية تقوم على مبدأ الحريات والمساواة وصولاً إلى تداول السلطة. قد يعتبر البعض أن الثورات فعل تدميري، وفي هذا بعض الحقيقة، فهي تنسف القديم، كما تعبر عن فقدان شامل للثقة بالقوى الحاكمة، وهي تجلب معها نسباً مختلفة من الفوضى. ولكن الثورات في التاريخ البشري لا تندلع إلا في مجتمع يشعر بالكثير من التفاؤل والثقة بالنفس والعمق التاريخي مصحوباً بشعور عميق بالظلم والاستثناء والتميز والتهميش. في كل هذا حكمة إنسانية. في السابق انقسم العرب إلى رجعي وتقدمي، ثم أصبحوا يصنفون رافضين ومستسلمين، وأخيراً أصبحوا منقسمين بين ممانعة واعتدال، أما الآن فسيكونون منقسمين إلى معسكرين جديدين: قوى المعسكر الديمقراطي وقوى المعسكر غير الديمقراطي وقوى ربما تكون في الوسط مرحلياً بين هذا وذاك. ومع الوقت (وقبل نهاية هذا العقد) ستكون قوى المعسكر الديمقراطي هي الأغلبية، إن لم تكن الجميع، وهذا سيغير طبيعة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون بل ومهام كل منهما. نحن في بداية سلسلة كبيرة من الثورات والانتفاضات والتغيير الشامل. د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية - جامعة الكويت ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©