الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رضا عباسي بصمة متميزة في التصوير الفارسي

رضا عباسي بصمة متميزة في التصوير الفارسي
18 سبتمبر 2009 23:56
يعد رضا عباسي أشهر مصور إيراني بعد كمال الدين بهزاد، وعلى الرغم من غزارة إنتاجه الفني في تصاوير المخطوطات أو الأوراق المفردة التي ألصقت على ورق مقوى وجمعت في مرقعات «البومات» فإن ما نعرفه عن ترجمة حياته وسيرته الشخصية نادر للغاية. وكل ما يمكن تأكيده أن هذا المصور زاول نشاطه الفني بين سنة 995 هـ «1589م» وسنة 1043هـ «1634م» ويرجع سبب تسميه باسم «عباسي» إلى عمله في بلاط الشاه الصفوي عباس الأكبر حيث كان هذا الملك حريصا أشد ما يكون الحرص على كل مظاهر الترف في بلاطه ولذا قام برعاية الفنانين والمعماريين والحقهم بالجهاز الحكومي. وترك رضا عباسي توقيعه على العديد من الأعمال الفنية وكان يوقع بصيغة مختلفة مثل «رضا عباسي»و»رقمة رضا عباسي» ونسخة رضا عباسي»و»رقمة كمينة رضا عباسي» أي «رسم الفقير رضا عباسي». ولم يكتف هذا الفنان الشديد الزهو والاعتزاز بأعماله بنقش اسمه بل دون بعض الملاحظات المفيدة لمؤرخي الفن، كأن يذكر التاريخ الذي رسم فيه تصويرته «باليوم والشهر» أو السبب الذي من أجله رسم هذا العمل وربما في أي مكان وفي أي مناسبة واسم راعي العمل أو الذي عمل من أجله. مميزات أسلوبه أدت شهرته الواسعة إلى قيام بعض الفنانين بتقليد توقيعه لإعطاء صورهم قيمة أكبر وهذه «التجاوزات» تجعل من الصعوبة بمكان التعرف على الأعمال المقلدة لأسلوب وتوقيع رضا عباسي من النظرة الأولى ويحتاج الأمر إلى تدقيق ودراسة متأنية لتفاصيلها وخططها. وكما ترك الإيطالي ليوناردو دافنشي بعض سكتشات أعماله التي توضح مراحل تفكيره الفني فقد خلف رضا عباسي كراسة ضمت «عجالاته التخطيطية» ونتبين منها قسمات أسلوبه من استرسال خطوطه التي تزداد كثافتها أحيانا وتقل أحيانا أخرى وتتكسر عند وقفاتها ومن تلوين معظمها بأصباغ البريق المعدني التي تشققت مع الزمن مع إضافة زخارف وشي القصب على الملابس بعد الانتهاء من الرسم. وإن أهم ما يميز أسلوب رضا عباسي التصويري هو ذلك التفاعل الخلاق بين موهبته الفنية ودقة ملاحظاته للواقع واستيعابه الكامل لتقاليد فن المنمنمات الفارسية مع التأثر الواضح بأهم سمات فن التصوير الأوروبي في عصر النهضة. ويتبدى تأثير التصوير الأوروبي في أعماله من حرصه الشديد على إظهار التجسيم ومراعاة قواعد المنظور إلى حد بعيد فضلا عن الاهتمام بالظل والنور واستخدام التدرج اللوني عوضا عما اعتاده المصور المسلم بصفة عامة من ميل نحو استخدام الألوان البراقة المتناقضة وتصوير مشاهد الأعمال المفترض وقوعها أثناء الليل كما لو كانت تجري في وضح النهار ووسط إضاءة ساطعة على أن أهم ما يميز رضا عباسي عن تلاميذه هو عنايته باختيار الموضوع ونقاء تفاصيل صورته كطيات لفافة العنق أو عباءة الدرويش أو أطراف أحزمة الغلمان وكان يعني بتفاصيل رسومه إلى الحد الذي يضفي عليها جمالا تجريديا يتواءم مع إيثاره الخلفيات الذهبية التي تتعانق فيها أواني الفواكه مع أغصان النباتات وكتل السحاب الصيني «تشي». وفي كل هذه الملامح المميزة كان رضا عباسي ذا تعبير مختزل عن روح عصر الشاه عباس الأكبر بما يمثله من توجه نحو الغرب وإحياء للروح الفارسية القومية وميل نحو الترف الشرقي الشهير. من أهم ما نلمحه في تصاويره من خصائص فنية صدق تمثيله لروح الحياة في البلاط الصفوي، حيث كان يميل إلى رسم الأشخاص من الرجال والنساء في أوضاع توحي بالكسل والخمول، وهو تقليد استمر في أعمال الكثير من الفنانين الذين تتلمذوا على يديه، وإن كان يؤخذ على رسمه للوجوه أنه لجأ إلى تكرار ملامحها في جمود لا يعكس الأبعاد النفسية. ومن أمثلة هذه التصاوير التي يبدو أن رضا عباسي رسمها في الفترة الأولى من حياته واحدة تمثل رجلا وزوجته في نزهة خلوية حيث نرى فيها الزوجين في حالة وجد وهيام وقد جلسا أمام حديقة مزهرة وإلى جوارهما خادمة تقدم الشراب لهما. وتعكس هذه الصورة التزاما واضحا بتقاليد التصوير الفارسي من حيث العناية بالتفاصيل وغلبة الروح الزخرفية واستخدام السحاب الصيني ورسم الشجرة في الخلفية الذي جاء هو الأخر متأثراً برسوم الخزف الصيني مع تلوين الخلفية باللون الذهبي، وقد جاءت ملامح الأشخاص متشابهة وخالية من التعبير الملائم لسخونة الموقف. وإذا كان رضا عباسي في هذه الصورة قد أظهر بعض التأثر بالتجسيم ومراعاة النسب التشريحية المألوفين في التصوير الأوروبي، فإنه في المقابل لم يتخل عن الألوان التقليدية للتصاوير الفارسية. ونجح رضا العباسي في توظيف الألوان للتعبير عن الجو الناعم المترف للصورة حيث استخدم إلى جانب اللون الذهبي ألوانا شاحبه هادئة كالأخضر والأصفر والوردي والأزرق والتركواز مع البنفسجي الفاتح. إن مشاهد هذه اللوحة يقف أمام ما تعطية من أحاسيس دافئة دون أن يفتقد الإعجاب ببراعة رضا عباسي في توضيح أدق التفاصيل في صوره، مثلما نلاحظ في زخارف أحزمة الزوج والخادمة وطراز ملابس الزوج وأيضا في ألوان ريش الطائر بأعلى هذا المنظر التصويري.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©