الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامع «كتشاوة» الجزائري.. مسجد الأربعة آلاف شهيد

جامع «كتشاوة» الجزائري.. مسجد الأربعة آلاف شهيد
18 سبتمبر 2009 23:53
على الرغم من امتلاك الجزائر أكثر من 18 ألف مسجد ومنها 233 مسجداً أثرياً بُني في عصور إسلامية مختلفة، إلا أن «كتشاوة» يعتبر من أشهر المساجد الجزائرية إن لم يكن أشهرها على الإطلاق؛ إذ يحظى بمكانة خاصة في نفوس الجزائريين، وبخاصة سكان «القصبة» عاصمة الحكام العثمانيين في الجزائر (1517- 1830)، فهو ذو هندسة معمارية بديعة كما يعدُّ رمزاً للهوية الإسلامية للبلد ومقاومة سياسة التنصير الفرنسية طيلة 132 سنة من الاحتلال. إلا أن الزمن وعوامل الطبيعة وفي مقدمتها الزلازل، نالت منه فأضحى مهدداً بالانهيار، مما دفع السلطات إلى إغلاقه في الثاني من رمضان 2008 وإحاطته بسياج حديدي قصد منع الناس من الاقتراب منه ريثما تتمُّ عملية ترميم مئذنته وسقفه وبعض جدرانه المتصدِّعة، ولم تنطلق عملية الترميم إلى حد الساعة. بُني هذا المسجد العريق في عام1613م، إلا أن الباي حسن، أحد الحكام العثمانيين الذين تعاقبوا على حكم الجزائر، لم تعجبه الهندسة المتواضعة للمسجد فقرر توسيعه وزخرفته ليكون في أبهى حلة، وانتهت عملية التوسيع الضخمة سنة 1792، وكان آية في الجمال بمآذنه وصومعته وأعمدته المرمرية وفسيفسائه ونقوشه البديعة. وقد أُطلق عليه آنذاك اسم «مسجد كتشاوة» ومعناه مسجد «ساحة العنزة» نسبة ً إلى ساحة مجاورة للمسجد كانت سوقاً للماعز آنذاك، وهي تسمى الآن «ساحة الشهداء». المغول مرُّوا من هنا بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر في 5 يوليو 1830، قررت الإدارة الاستعمارية سنة 1832 تحويل مسجد «كتشاوة» إلى كاتدرائية وقامت بإخراج آلاف المصاحف إلى الساحة المجاورة وتمزيقها وإحراقها على الملأ، وقد شبَّه بعض المؤرخين الجزائريين هذه الجريمة الشنعاء بجريمة هولاكو الذي أحرق مكتبة بغداد إثر احتلالها في القرن الثالث عشر ميلادي. وأدى القرار الفرنسي وجريمته بحق المصاحف الشريفة إلى اعتصام أربعة آلاف مصل جزائري داخل مسجد «كتشاوة» للذود عنه ومنع تحويله إلى كاتدرائية، فجُنَّ جنون المستعمِر وقام جنودُه بمحاصرة المسجد واقتحامه وإخراج كلِّ المصلين عنوة إلى الساحة المجاورة وقتلهم جميعاً بدم بارد، فكانت المجزرة إحدى أفظع الجرائم الاستعمارية الفرنسية بحق الجزائريين. وبعد استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962 أطلقت اسم «ساحة الشهداء» عليها تخليداً لذكرى الـ 4 آلاف شهيد الذين استشهدوا دفاعاً عن مسجد «كتشاوة». حينما حققت فرنسا هدفها بتحويل مسجد «كتشاوة» إلى كاتدرائية في نوفمبر 1832، أزالت عنه إشارة الهلال ورفعت بدلها العديد من الصلبان على جوانب «كتشاوة» وأسمته «كاتدرائية القديس فيليب» وقال قائدُ الحملة الاستعمارية الفرنسية آنذاك: «الآن انتصر الصليب على الهلال؛ فلأول مرة يثبت الصليب في بلاد الأمازيغ». واحتفلت فرنسا بهذا «الانتصار» وحُرم السكان المسلمون من أداء صلواتهم في «كتشاوة» مدة 132 سنة، واُستبدلت بالصلوات المسيحية للجنود والمعمِّرين الفرنسيين بالجزائر. كما أُدخلت تغييراتٍ عديدة على واجهته لينسجم مع طابع البناءات الكنسية، فأزيلت العديدٌ من المعالم ذات الخصوصية الإسلامية. الهلال يقهر الصليب بعد استعادة الجزائر سيادتَها في صيف 1962، أعادت «كتشاوة» إلى دائرة الإسلام؛ مسجداً كما كان أول مرة، وأزالت كل الصلبان التي كانت منتصبة فوق مآذنه وقبابه. وكان ذلك بمثابة إعلان واضح عن هزيمة المسيحية بالجزائر وعودة شمس الإسلام لتشرق بقوَّة. وقد أقيمت في مسجد «كتشاوة» أول صلاة جمعة يوم 2 نوفمبر 1962 واستقطبت عدداً هائلاً من الجزائريين الذين غصَّ بهم المسجد وساحته بعد أن جاؤوا من كل حدب وصوب للاحتفال بهذا النصر العظيم على المسيحية وعودة «كتشاوة» إلى دائرة الإسلام مجدداً، وأطلق أحدُ المطربين أغنية شهيرة يقول مطلعُها «يا محمَّد مبروك عليك، الجزائر رجعت ليك». ويبدي العديدُ من المصلين الذين ألفوا أداء صلوات الجماعة وكذا التراويح في رمضان بجامع «كتشاوة» حسرَتهم لغلقه منذ عام في وجوه المصلين، فالصلاة فيه ذات خصوصية وتشعرك بالارتباط بجذور التاريخ والتمسك بنهج الأجداد وهو مالا تشعر به إلا في المساجد الأثرية، ومع ذلك فهم يتفهَّمون قرار السلطات بغلقه وترميم مآذنه وصومعته وسقفه بعد أن بدأت تتسرب منها الأمطار وأضحت خطراً على المصلين لأنها مهددة بالتداعي والانهيار في أية لحظة ويجب الحؤول دون ذلك بأية وسيلة نظراً للمكانة العظيمة للمسجد في نفوس الجزائريين، وهم يأملون أن تبدأ عملية الترميم في أقرب وقت بعد أن طالت عاماً كاملاً دون سبب واضح، قصد تثبيت المآذن والصومعة والجدران بعد أن تضررت كثيراً من زلزال 21 مايو 2003، وهذا حتى يُفتح المسجد أبوابه للمصلين من جديد في أقرب الآجال.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©