الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«خلطة ورطة» تسقط في ورطة مشهدية ونصية و«ندب السموم» تغوص في المشاعر الإنسانية

«خلطة ورطة» تسقط في ورطة مشهدية ونصية و«ندب السموم» تغوص في المشاعر الإنسانية
27 مارس 2013 00:23
إبراهيم الملا (الشارقة)- احتضن معهد الشارقة للفنون المسرحية، مساء أمس الأول، عرضين مسرحيين، ضمن عروض الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، أحدهما مشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهو عرض : «خلطة ورطة» لفرقة مسرح أم القيوين، تأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج محمد العامري، وحمل العرض الثاني عنوان «ندب السموم»، وهو من إنتاج فرقة مسرح كلباء، وتأليف المؤلف الإماراتي الشاب محمد الشلبي، وإخراج عارف سلطان، وصُنّف العرض خارج المسابقة الرسمية، لاعتبارات فنية وموضوعية ارتأتها لجنة اختيار العروض بالمهرجان. «خلطة ورطة» يتناول عرض «خلطة ورطة» الإشكالية المتواصلة والصراع الدائم بين الأفكار المعاصرة، وبين الأنماط التقليدية، والتي تبقى فيها أسئلة الهوية معلقة وحائرة ومشدودة وسط احتراب خارجي ونزاع نفسي، وهو نزاع قد يؤول إلى انتصار جهة على أخرى اعتماداً على قدرة الطرف المنتصر في تمكين خطابه الخاص من التحكم في مجريات الأمور، وإخضاع الطرف الآخر لهيمنته، ومن ثم فرض شروطه القائمة على اعتبارات شائكة، في مقدمتها المصلحة والمنفعة والعوائد المستقبلية للمسيطرين على خيوط اللعبة. اختار عرض «خلطة ورطة» أن يفرش ديباجته البصرية والحكائية في فضاء بدا غريباً نوعاً ما، مقارنة بالأطروحة العامة للعرض، حيث تمثّل فضاء العرض في مطبخ شعبي، يتوسطه قدر هائل، استقرّ كنصب كبير وكعصب وعمود للسينوغرافيا طوال المشاهد المتلاحقة التي لامستها الحكاية وحامت حولها. مطبخ العرض هذا كان زاخراً أيضاً بخلطة من ممثلي الصف الأول في المسرح الإماراتي أمثال إبراهيم سالم، وسعيد سالم، ومحمد إسماعيل، وموسى البقيشي، وسالم العيان، مع مشاركة شابة تمثّلت في الفنانين ذيب داوود وناجي جمعة وحسين سعيد سالم، مع حضور جوقة غنائية وأدائية، استقرت في عمق الخشبة، واستلهمت العديد من الأغاني التراثية، لشدّ خيالات المتفرج نحو زمن قديم بات يفقد ملامحه ويتناساه تدريجياً، وسط هجمة ضارية للظواهر والسلوكيات الحديثة. تنطلق نقطة الصراع في العرض من رغبة الشيف والأخ الأصغر (إبراهيم سالم) في استمالة أخيه الأكبر والطباخ الشعبي الشهير سعيد (سعيد سالم) للدخول في مشروع مشترك لتأسيس مطعم بمواصفات عصرية، وقادر على منافسة أكبر المطاعم العالمية صيتاً وشهرة، ولكن هذا العرض لا يلقى قبولاً من سعيد الذي لا يريد أن يمارس مهنة لا تشبهه، وأن يغامر بسمعته وصيته في مشروع غامض وغير محسوم النتائج، ويسانده في ذلك ابنه المتدين ــ الفنان سالم العيّان ــ والتي تصل آراؤه لدرجة التطرف وتكفير الممارسات المشبوهة والمتشبهة بعادات وسلوكيات الغرب. يحسم هذا الشد والجذب بين الأخوين دخول مجموعة من التجار والمتنفذين الذين يقتحمون المكان، ويطلبون من الأخوين إعداد وجبة متميزة لضيوف قادمين من دول العالم المختلفة، للمشاركة في مؤتمر كبير باستطاعته أن يحقق الكثير من المنافع المستقبلية والعوائد المادية الضخمة لهؤلاء التجار. ولكن ضياع الورقة التي تحتوي على الخلطة السحرية التي أعدها الطباخ سعيد لتلك الوجبة، يتسبب في غضب التجار وإشاعة الفوضى وخسارة المشروع بأكمله وتبخّر كل الأحلام الوردية المنتظرة منه. ورطة مشهدية ولعل عنوان «خلطة ورطة» الذي اتفق عليه كل من الكاتب والمؤلف، جاء معبراً تماماً عن ردة فعل الجمهور بعد العرض، والذي وجد نفسه وسط ورطة مشهدية وخلطة تأليفيه وإخراجية، لا تشبه أبدا ما قدمه إسماعيل عبد الله ومحمد العامري في أعمالهما السابقة، وحتى وجود ممثلين بقامة وقيمة إبراهيم سالم وسعيد سالم ــ على الرغم من أدائهما العالي ــ لم ينقذ العرض من التخبط ومن المتاهة الكبيرة التي وضع نفسه فيها. ولم يجد عبد الله والعامري حلولاً لصياغة حالة فرجوية لحكاية مغلقة ومعتمة بصرياً، وملأى بالكليشيهات المكررة حول صراع الماضي والحاضر، وحول مبالغات رجال الدين وآرائهم المتطرفة، ولم تكن المعالجة الإخراجية الفائضة بالرموز والدلالات والإيقاعات السحرية التي اعتدنا عليها في أعمال العامري السابقة حاضرة هنا كي تبوح بطاقتها المتوثبة والحارة، وأن تضع المتفرج في منطقة من التماهي والاشتباك الناعم والشفيف مع مكونات العرض، الأمر نفسه ينطبق على نص إسماعيل عبد الله وحواراته ومونولوجاته في هذا العرض الذي تشتتت خيوطه السردية، وخلت مفرداته من شعرية وافتتان بجماليات اللهجة المحلية، إلا في لحظات خاطفة وعابرة من العرض، وجاءت الحوارات بمجملها باهتة ومكررة وثقيلة مثل القدر الكبير الذي كان جاثما بواقعيته الصارمة في منتصف الخشبة، فلم يتح بالتالي فرصة لأنفاس من الشغب الجميل والجنون الإبداعي الذي طالما لوّن وزيّن وتفرّع في أعمال مشتركة سابقة للمخرج والمؤلف، وظلت لفترة حاضرة ولامعة في ذاكرة المسرح المحلي. «ندب السموم» في العرض الثاني «ندب السموم» اجتهد المخرج عارف سلطان في صياغة معالجة إخراجية مناسبة لنص الكاتب الشاب محمد الشلبي، والذي أنبنى على التنقيب في المستويات العميقة والمتوارية في الذات البشرية، وتصوير الانعطافات والتقلبات في المشاعر الإنسانية، اعتماداً على الموقف أو الظرف أو المنفعة التي تحدد في النهاية مسارات هذه المشاعر وخياراتها. ويكشف العرض عن مضمونه من خلال كتلة الديكور المكونة من سلالم حديدية تتعلّى لتصل إلى بيت منعزل فوق قمة هذا النصب الحديدي، وكأن دلالات قسوة الفولاذ هنا بإزاء القماش الأبيض الرقيق المحيط بالمنزل تؤكد مقارنة متضادة بين العنف والرقة، وبين الشتات والألفة. ومع خروج مجموعة من الأشخاص البدائيين والهمجيين في أشكالهم وتصرفاتهم، نتعرف إلى ملامح الصدام المبكر بين الغرباء المتوحشين وقاطني المكان المسالمين، الذين تجبرهم تهديدات الأعداء المحيطين بهم إلى إنشاء معمل للأسلحة وصنع السيوف والدروع للدفاع عن مدينتهم. ومن خلال صراعات متكررة بين العامل القوي والضخم (مناور) ــ يقوم بدوره الفنان أحمد إسماعيل ــ وبين عائلة حاكم المدينة ــ المكونة من الأب : الفنان عادل سبيت ــ وابنه سمهر : الفنان عبد الحميد البلوشي، وابنته بتول: الفنانة رانيا العلي، تبدأ خيوط اللعبة الماكرة لمناور في السعي لنبذ الفرقة بين أبناء المدينة وأفراد أسرة حاكم المدينة تحديداً، خصوصاً وأنها أسرة كانت ممزقة بالخلافات وسوء الفهم، وهو الأمر الذي أغرى أعداءهم للمجازفة والاندفاع نحو احتلال البلدة، ومع وصول هذا التدخل لمرحلة الجدية والخطورة البالغة، تقرر العائلة ومعهم سكان وأهالي البلدة التكاتف والتعاون من أجل دحر (مناور) ومعاونيه الهمجيين وكسر شوكتهم كي يظل البيت متوحداً، وكي يظل الأمان والنماء شائعين في هذه المدينة المتآلفة والمتماسكة على الدوام. محمد الشلبي قلم واعد في الكتابة إلى أبو الفنون بعد انتهاء عرض «ندب السموم»، التقت «الاتحاد» بالمؤلف الشاب محمد الشلبي ــ 19 عاماً ــ الذي أشار إلى أن نص العمل هو أول نص مسرحي يكتبه بتشجيع من المخرج عارف سلطان، ومن مساعد المخرج الفنان عبد الرحمن الملا، وهو نتاج كما قال لاحتضان مسرح كلباء لتجربته الوليدة في الكتابة للخشبة، وحول الدافع أو الفكرة التي جعلته يكتب هذا النص، أشار الشلبي إلى أنه أرد أن يعكس ويجسد بعض القضايا الاجتماعية المقلقة من خلال إسقاطات رمزية على زمن متخيل ينشأ فيه صراع محتدم بين الغرباء وأصحاب النوايا السوداء الطامعين في نشر الخلافات والفتن بين أبناء بلدة تعاني بعض السلبيات والخلافات الخارجية ولكنها تظل متماسكة من الداخل وقادرة في كل الظروف أن تضع حداً لتدخل هؤلاء المخربين بمشاريعهم الهدامة والساعية إلى تمزيق وحدة المجتمع. وتمنى الشلبي أن يواصل هذه المغامرة في قادم الأيام، وأن ينمي معرفته بعالم المسرح وبتفاصيله الفنية ومدارسه ومناهجه المختلفة، حتى يقدم في المستقبل نصوصاً أكثر قوة وتميزاً، مقارنة بهذا النص الذي اعترف بأنه كان بحاجة إلى اشتغال مضاعف ودراية أعمق بمتطلبات العرض المسرحي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©