الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بشر له أثر

24 مايو 2010 21:06
علاقة الإنسان بالمكان شأنها شأن علاقة الإنسان بالإنسان، تحددها كيمياء يشعر بها الإنسان ولا يمكنه تفسيرها، فللأمكنة هالات كما للبشر هالات، هكذا أعتقد، يُفسر سر التصاقنا أو نفورنا، حبنا أو كراهيتنا، راحتنا أو توجسّنا... وأكاد أجزم أن الإنسان يمدّ المكان بطاقته، فيتحول إما إلى حضن دافئ أو كَدَرٍ ناتئ، ويطلق عليه خبراء الإدارة “بيئة العمل”، وأنا أود أن أطلق عليه البيئة الإنسانية، وبشكل أدق، البيئة العاطفية، فحين يكمن عدد من الأفراد في مكان واحد، ويرسل كل منهم توجسه وتوتره وضيقه وكدره، ينحسر الحب والألفة والتسامح، ويدخل المكان في مرجل كراهية. وكمون الإنسان المتوجس وانبعاث الطاقة السلبية منه تعود إلى أسباب عديدة منها: الجهل، والكراهية، والمنافسة غير الشريفة وغير المهنية، وعدم حب الخير، والحسد والغيرة وغيرها من الأحاسيس التي تشكل أعراض مرض أو أمراض، لا بد للمصاب بها من مراجعة الطبيب النفسي وإلا استفحل الأمر لديه، ولكن، على أن يعترف بالإصابة. ويغادر الإنسان الأماكن الموبوءة بغياب المحبة والعدل والتآزر لأسباب عديدة منها: عدم اكتشاف الأماكن لطاقات الإنسان، أو عدم تقدير مواهبه وتميزه، أو عدم النظر لكفايته وظروفه، بالتالي يغادر رغما عنه، إلى أماكن تستقبل هالته ومحتواها بحب واحتفاء. ننتقل في أماكن كثيرة، نغادر بعضها ويبقى حبها في العيون، ونغادر بعضها دون أن نلتفت إلى الخلف مليمترا واحدا، ونغادر بعضها دون أن نفهمها أو تفهمنا، لكن النتيجة هي المغادرة. وفي الواقع، حين نغادر الأماكن لا نغادر الجدران والسقوف والمكاتب، وإنما نغادر الأشخاص الذين نقضي معهم وبينهم وقتا أكثر مما نقضيه في بيوتنا، وبعض هؤلاء يتحولون إلى أصدقاء وإخوة، وبعضهم يبقى في فئة (المعارف) لا أكثر، إلا أن الغريب في الأمر، فقدان المرء كل صداقاته وعلاقاته الأخوية السابقة، بمجرد مغادرة المكان، وهو ما يثير دهشة تولد دهشة أخرى. وبقاء الإنسان في مكان واحد غير مكلف أبدا، إذا نُظر إليه على أنه بشر له أثر، وليس رقما في سجلات الأماكن والحياة، وبعض الأماكن تصاب بالأنفة والكبرياء حين يعلن إنسان ما نيته لمغادرتها، وتصبح مثل امرأة أعلن زوجها أمامها أنه سيتزوج بأخرى، فلا يُسأل عن سبب، وإنما يُنظر إليه بغضب، وكجاحد وناكر للجميل، ويكتشف الإنسان بعد ذلك، أن هذا المكان لم يكن آخر الدنيا، ويكتشف المكان بعد ذلك ولكن بشكل مبطّن، أنه خسر فردا مهمّا يصعب تعويضه. ليس كل فرد يصعب تعويضه، هنالك أرقام بشرية تمر مرور البخلاء وليس الكرام، ولكن الأمكنة يمكن تعويضها، لأنها الإنسان أولا وأخيرا، والإنسان هو الذي يترك الأثر، أما الأماكن فيُترك فيها الأثر. افتقدنا في عصور قديمة ثقافة التدوين، ونحن الآن نفتقد ثقافة الاحتفاء بالأثر. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©