السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدبُنا: من أين؟ وإلى أين؟

أدبُنا: من أين؟ وإلى أين؟
17 يوليو 2008 02:51
كثيراً ما نتبجّح، إلى حدّ الْخُيَلاء والمغالاة، بترجمتنا عيونَ الأدب العالميّ إلى اللّغة العربيّة، فلم نكد نغادر رواية مشهورة، ولا ديواناً مرموقاً، ولا نظريّة من النظريّات، إلاّ أعنتْنا أنفسنا في نقلها من لغاتها الأصليّة إلى اللّغة العربيّة· ونحسب أنّ الترجمة الأدبيّة من الفرنسية والإنجليزيّة قد تأتي على رأس اللّغات المترجم منها، في حين أنّ الترجمة من الإسبانيّة والألمانيّة والروسيّة قد تظلّ الأقلّ· ونحن لا نَنعَى على هذا العمل، بل نشجّعه ونحبّذه تحبيذاً؛ غير أنّنا ندعو إلى ضرورة إعادة النظر في موقفنا من التردّد في ترجمة الأعمال الأدبيّة العربيّة· وإذا كانت فترة العهد الاشتراكيّ عرفتْ ترجمةَ كثيرٍ من الأعمال العربيّة فذلك كان يتمّ في إطار إديولوجيّ قبل أن يخضع للمعايير الفنّيّة الصارمة؛ فكان الروائيّ أو الشاعر إذا عُرِف بتمجيد الاشتراكيّة تترجم كلُّ أعماله إلى اللّغة الروسيّة، مثلاً، فوراً· وكان ربما نشأ عن ذلك متابعة ترجمته إلى بعض اللّغات الغربيّة فيما بعد ذلك· وقد نهض بترجمة الأعمال الأدبيّة الإديولوجيّة الخالي كثيرٌ منها من المقوّمات الفنّيّة والجماليّة الرفيعة مستشرقون غالباً· فهم الذين يتقنون لغاتهم الأصليّة، ويتقنون قليلاً اللّغة العربيّة· من أجل ذلك ظلّت ترجمة الأعمال العربيّة الكبيرة، شعراً وسرْداً، محدودةً جدّاً· ونحسب أنّ أكبر ما يحول بين ذلك أمران اثنان: أوّلهما أنّ كثيراً من الجامعيّين والمثقفين العرب المعاصرين يتقنون أكثر من لغة أجنبيّة حيّة، غير أنّ هذا الإتقان يظلّ نسبيّاً، ولذلك فإنّ عامّة هؤلاء يستطيعون أن يترجموا من اللّغات التي يتقنون إلى العربيّة بكفاءة عالية، ولكنّ كفاءتهم هذه تقلّ إذا طُلب من أحدهم أن ينقلَ النصوص من العربيّة إلى اللّغات الأجنبيّة، لأنّ ذلك سيحتاج منه إلى أن يتقن اللّغة الأجنبيّة المترجمَ إليها إتقاناً مساوياً لإتقانِ أهلها لها، وهذا شأن يقترب من الاستحالة· وأمّا الأمر الآخر فإنّ نقْل العمل الأدبيّ العربيّ إلى لغة أجنبيّة يحتاج إلى دار نشرٍ تغامر بنشره، ومثل هذا السعي ليس متاحاً في كلّ الأطوار، إذ هذه الدُّور هي تجاريّة بالدرجة الأولى، ومن حقّها ألا تُقْدم على نشر عمل ما لم تتوقّع رواجه ولو في الحدود الدنيا· ولذلك لا نكاد نجد مثل هذه الدور تلتفت إلى مثل هذه الأعمال الكبيرة لنشرها في غير لغتها العربيّة الأصليّة مخافة أن يُفضي ذلك إلى كسادها وإفلاسها· وأمّا حلّ هذه المعضلة فقد يظلّ غائباً على العهد الراهن إلاّ إذا تدخّلت الهيئات الثقافيّة المخوَّلة، قوميّاً ووطنيّاً، للإسهام في تمويل الترجمة أوّلا، وفي نشر المترجمات إلى اللّغات الأجنبيّة آخراً· ولقد يعني ذلك أنّ الكتّاب العرب محكوم عليهم بأن يظلّوا أقلّ شهرة ونجوميّة من وجهة، وأن تظلّ الأفكار الكبيرة النّيّرة التي يعالجونها في أعمالهم الإبداعيّة حبيسة اللّغة العربيّة التي يظلّ قرّاؤها قُلاَلاً، على كلّ حال، من وجهة أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©