الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصيدة الجديدة في الإمارات: ملامح وعلامات

القصيدة الجديدة في الإمارات: ملامح وعلامات
17 يوليو 2008 02:44
تطورت التجربة الشعرية في الإمارات، خلال عقد السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، بشكل كبير جدا، على المستويين الكمي والنوعي، فقد شهدت تلك الفترة بروز أصوات وتجارب شعرية متميزة، وقادرة على الانخراط في المشهد الشعري العربي والتأثير في رسم ملامحه، فقد كانت أسماء مثل حبيب الصايغ ''هنا بار بني عبس''، وظبية خميس ''صبابات المهرة العمانية ،''1985 ثم عبد العزيز جاسم (لم يصدر مجموعته ''لا لزوم لي'' إلا في التسعينات)، وكذلك أحمد راشد ثاني وميسون صقر وعارف الخاجة ونجوم الغانم وخالد بدور وسواهم، كانوا يسهمون بصورة فاعلة في رسم ذلك المشهد· بقيت هذه التجارب تكافح شعريا بعيدا عن أي مقاربات نقدية، أو أي اهتمام من مؤسسات تعنى بالشعر والثقافة، ورغم ذلك استطاعت تجاربهم اختراق حاجز المحلية وصعوباته إلى العالم العربي، سواء من خلال المجلات أو المهرجانات العربية، ومن هنا فليس المشهد غريبا علينا، وقد سبق أن تناولنا بعض ملامحه وتجاربه، ولو بقدر من الاقتضاب، ضمن قراءات في مجاميع شعرية لعدد من هذه الأصوات وغيرها· وأعود هنا إلى هذا المشهد في سياق تسليط الضوء عليه من خلال كتاب الناقد عبد الفتاح صبري ''القصيدة الحديثة في الإمارات: قراءة في المنجز النصي'' الذي يطل على مشهد واسع من تجارب شعراء السبعينات والثمانينات والتسعينات، عبر تناوله مجموعات شعرية لغالبيتهم وتناول قصائد لبعضهم· كتاب قد لا يمثل المشهد تمثيلا كاملا، لكنه يقدم صورة مهمة عنه· يدخل الباحث والناقد عبد الفتاح صبري فضاء الشعر الإماراتي ويفتحه لندخل معه، وذلك من خلال تناوله تجارب تسعة عشر شاعرا وشاعرة بالعرض والتحليل، حيث نطل من خلال كتابه على أبرز الظواهر التي تميز القصيدة الحديثة في الإمارات· وقبل ذلك نتوقف عند ملاحظة مهمة تتمثل في أنه غاب عن هذا الكتاب عدد من أبرز التجارب الشعرية مثل عبد العزيز جاسم وأحمد راشد ثاني وثاني السويدي وخالد البدور وإبراهيم الملا وسعد جمعة وسواهم، وهم كما أعتقد من أوائل من غامر في القصيدة الجديدة عموما وقصيدة النثر خصوصا، وليس مفهوما غيابهم - حتى لا أقول تغييبهم ـ هذا، إذ إن الناقد عبد الفتاح صبري بالتأكيد لا يجهل هذه التجارب ونصوصها وكتبها، مع أنه يأتي على ذكر بعضهم في مقدمة الكتاب· هيمنة قصيدة النثر أول ما يلفت نظر المتابع للنماذج التي يدرسها الناقد أنها في غالبيتها تنتمي إلى قصيدة النثر والقليل منها إلى قصيدة التفعيلة، بينما يغيب الشعر العمودي تماما عن هذه التجارب، ولكن عددا من الشعراء الذين يتناولهم الناقد ما زالوا لم يجمعوا قصائدهم في كتاب مما اضطره إلى تناول قصائد متفرقة منشورة في الصحافة المحلية، وهذا يؤشر على أزمة نشر قد تؤشر على أزمة اعتراف بهذه القصيدة من قبل المجتمع والجهات الثقافية المسؤولة، خصوصا بالنسبة إلى التجارب التي ما تزال في بداياتها· هموم المرأة الشاعرة ومن أبرز القضايا التي تستوقف القارئ لهذه التجارب الشعرية قضية المرأة الشاعرة، أو شعر المرأة في الإمارات، حيث إنه من بين التجارب التسع عشرة لا نجد سوى ثلاثة أو أربعة أسماء، هذا أولا، وثانيا فإن كلا من هذه الأسماء تقدم تجربتها وهمومها وهي تنظر إلى المجتمع والمحرمات والقيود المفروضة عليها، وذلك ضمن مستويات متفاوتة من حيث العمق والأدوات، وربما كانت تجربة كل من ظبية خميس وصالحة غابش والهنوف محمد ونجوم الغانم هي الأنضج في هذا الإطار، في حين تراوح بعض التجارب في دائرة الرومانسية التي تفتقر إلى العمق· وفي التجارب الناضجة يمكن أن نلمس توزعها على نمطين، الأول هو الشعر الذي يعبر عن امرأة متمردة حققت ذاتها أو هي تحققها، والثاني هو الشعر الذي يركز على المرأة المقهورة وظروف قهرها ومحاولتها التخلص من هذا القهر· فصوت ظبية خميس الذي يأتينا من تجربة تكونت بين الداخل والخارج، بين الأسفار والعمل، يعبر عن نضج واضح في الرؤية والتعبير، خصوصا في رؤيتها لعوالم المرأة وكيفية كتابة ذلك شعرا، واللافت في تجربتها هو النظر إلى هموم المرأة ليست كأنثى فقط، بل بوصفها إنسانا ولها همومها الوجودية إلى جانب همومها الاجتماعية· فبطلة قصيدتها هي نموذج النسوة القلائل اللائي يحملن هموما إنسانية لا ذاتية ضيقة فقط، ففي أحد نصوصها لا ترى سوى خراب العالم وانهياراته ''حيث لا شيء ثابت/ حيث كل شيء يستعد للسقوط''، وهي تتعدى مكانها المحلي إلى العالم، فمن نيودلهي أو بومباي تكتب ''أرتاح لغربتي··· لضمير الأنا الضارب في تيهه''، ومن القاهرة تكتب عن ''نيل الفراعنة في بدء خلقه''· أما صالحة غابش فيمتزج لديها الذاتي بالقومي وأحيانا بالموروث الحضاري، إضافة إلى انشغالها بهموم المرأة على كافة الأصعدة، خصوصا إذا تذكرنا أنها تعمل في الحقل النسوي العام، وتتأثر بما ينطوي عليه من اهتمامات وقضايا، دون أن تغفل قضايا ذات أبعاد إنسانية ووجودية· فهي تعبر عن ضعف المرأة وقهرها حين تخاطب الرجل ''أنهكت فضائي بأجنحتك/ قاومت دفاتر ضعفي''، والمرأة تائهة ''أنا النخلة العائدة/ إلى خريطة المتاه''، المتاه الذي قد يكون مجازيا أو واقعيا وحقيقيا· الزمان والمكان شعور الاغتراب من أبرز المشاعر التي تبرز في القصيدة الجديدة، ولدى جميع الشعراء تقريبا، والاغتراب عن الواقع ترافقه مشاعر عدائية تجاه هذا الواقع، وتجاه الظروف والجهات التي تصنعه، وتنبني على ذلك مشاعر متناقضة أيضا، ما بين الخضوع والخنوع وما بين التمرد أو التحريض أو الاعتكاف والعزلة والشعور بالذهول واللاجدوى، هذه كلها تبرز في قصائد الشعراء بوسائل وأساليب وتقنيات مختلفة· ويمكن أن نجد هذا أو بعضا منه لدى كل شاعر، ولكن هناك تكثيف لهذه الحالة أو تلك لدى شاعر أكثر من سواه· ويرتبط شعور الاغتراب لدى غالبية الشعراء، بشكل أساسي، بالتحولات السريعة التي تجري بشكل خرافي في العالم عموما، وفي أوطاننا خصوصا، فهي تحولات غير مفهومة لدى الكثيرين، ويصعب أن تجد من لا يعاني من هذا الشعور، وهنا، تلعب التحولات التي تحدث منذ سنوات في خلق شعور بهامشية الإنسان، وأولوية المادة· وهو أيضا ما يجري التعبير عنه بشدة· هذا الاغتراب يتجلى في صور كثيرة، تبدأ بشعور الموت المادي البطيء، والموت المعنوي المتمثل بدوره في درجات من اليأس والإحباط والعزلة والتهميش وسواها· الشعور الأول بالموت نجده في قصائد شاعرين راحلين فعلا، بعد أن كانا يستشعران اقتراب الموت، هما جمعة الفيروز وعلي العندل اللذان رحلا في سن مبكرة· ففي مجموعته الوحيدة التي صدرت قبل رحيله عام 2000 بعنوان ''ذاهل عبر الفكرة'' ثمة موت أول في الذهول، وموت في الرجل الذي ''يلعق جراحه''، وموت في الصمت والأنين والإخفاق والآهات الخ·· فهو يقول ''وحدي/ واقف/ صامت/ مثل تلك التماثيل حولي/ أموات يتساءلون عن مخرج''، وفي وضوح أشد نقرأ ''أشرف على الموت المطل على القلب'' ثم يتساءل ''فهل جفت ينابيع الإطفاء يا ترى؟''· ويتمثل الموت في نصوص العندل من خلال صور ومفردات مباشرة مثل المقبرة والجثمان والجثة والسقوط والجماجم والخوف وسواها· فبعد قوله ''تطاردني الأواني والصدأ·· سأغرق طويلا''، يعود ليؤكد استشراف الموت عبر هذه الصور ''حبل مشنقة/ أصبحت مرهوبا/ شعرات جلدي واقفة/ متأهب للرحيل/ أترصد قدوم الشلل''· ومن أشكال الموت لديه ''خيبات المستقبل'' و''في قلبك زنزانة'' و''القيد في الرأس يغلي'' و''أبدو غريبا ملعونا''، كما يبدو الموت في الهشاشة حيث ''في المرآة/ وجه أحمق/ مرقط بخيوط العنكبوت''· الموقف من المدينة ومن القضايا التي تتفرع عن الاغتراب وتسهم في تشكيله في الوقت نفسه العلاقة مع المكان، فهناك العلاقة مع مكان قديم أليف وحميم، ومكان جديد هو محل اللعنة والرفض، فهو مكان قاس وغير إنساني، وتقدم العلاقة مع كل من المكانين معينا شعريا ثريا، فكثيرا ما نقرأ هروب الشاعر من مكانه الراهن ''البرج'' الجاف والمفتقر للروح، إلى مكانه الأول المتمثل في البيت الطيني والنخلة والبحر، هروب هو شكل من أشكال الحنين إلى ''المكان الأول''، فهو رغم كل التسهيلات التي توفرها الحياة الحديثة يظل حنين أبدا ''لأول منزل''· هذه العلاقة مع المكان نجدها في قصائد كثير من الشعراء، أحيانا في مشاعر تبدو على نحو مباشر وواضح، وأحيانا في صور لا تبوح بهذه المشاعر مباشرة، ففي مقابل الغربة في حياة سكان الأبراج حيث ''بناية غريبة/ في شارع جديد/ وبقربي جيران لا أعرفهم/ يتوقف المصعد في الدور الأول/ ثم يواصل صعوده/ وأهبط'' كما يصور الشاعر خالد البدور حياة الأبراج، فهو يحاول أن يلجأ إلى الماضي، إلى عالم آخر يحضر فيه ''بدو مجهولون'' ونعود معهم إلى عالمهم حيث ''قبل أن تتسلق الشمس جدران البيوت الطينية/ عاد بدو مجهولون/ بعدما باعوا اللبن والعسل/ في سوق المدينة/ كي يستريحوا في أحلامي/ الباحة الرملية مستلقية في الضباب/ وضفائر النخلة تتأرجح متناومة/ منصتة لصوت تدفق الماء/ بجوف البئر''· هي محاولة لخلق التوازن حتى لا يسقط الإنسان في هاوية الحياة المادية الشرسة، هاوية التحولات البالغة الحدة التي ينحدر إليها البشر، لأن الدنيا لم تعد كما كانت، لا شيء ظل على حاله، والتطور لم يكن لخدمة الإنسان، وهذا التحول والتغيير هو ما يشير إليه الشاعر أحمد راشد حين يقول مخاطبا نفسه ربما ''اركض/ ولا تنظر وراءك/ فالسواحل لم تعد مثل التي بالأمس''· الماضي والمستقبل تبرز العلاقة بين الراهن من جهة والماضي والمستقبل من جهة أخرى في عدد كبير من التجارب، ومن خلال النظرة إلى المدينة بصورة أساسية، والحنين إلى الماضي والقرية بملامحها ومعالمها بصورة عامة· ففي ''نكهة الرمرام'' للشاعر عباس عيسى تبدو صورة المدينة القبيحة الجافة في مواجهة قفص الرمل، فهو لا يمجد الصحراء، بل يلجأ إليها في مواجهة تلك المدينة ''مدينة··/ بدأت تلفني أنهارها/ وتغطس بي/ لأدفن مع أرواح الصخور''· وفي هذه المواجهة نجد الشاعر يهرب إلى الماضي قائلا ''فأعود للقطيع/ لترعاني الريح''· وفي نصوص أحمد عبيد المطروشي تبدو المدينة ''قاتلة مأجورة/ بين فكيها يلمع/ مذبح''، الأمر الذي يخلق لديه شعورا بالكآبة ''كآبة تتدلى كمشنقة/ صرير أيام صدئة/ أزقة عركتها الأيام/ سكون هزيل يرمق المارة''، ما يعني حالة الاستسلام التي يمارسها الجميع، فيكثف لديه الإحساس بالكآبة والاغتراب مجددا فيجعله يقول ''تتحرك الأشياء من حولنا/ تنأى بعيدا/ حيث لا جهة تعنينا/ ولا أفق ينتظرنا''· كما يتساءل ''كيف يمكن لغبار/ أن يقود دروبنا/ وهذا الفرار من مدن/ طحنت الوجه والعظم/ وأعدمت العاصفة''· مكان تخنقه البلاهة وثمة شكوى من مكان تغيب عنه العدالة، أو مكان تخنقه البلاهة، وهو مكان يتحول بسرعة بسبب أموال النفط، فهناك تناول لعلاقة القاهر بالمقهور، وتصوير للإنسان المهمش مقابل الآخر المتحكم بكل شيء، الجائع والمتخم، بهذه الثنائيات ترتسم صورة حياة حافلة بالشقاء مقابل حياة البذخ التي يعيشها البعض، وهذا غريب على بلاد تعيش الطفرة النفطية، ففي قصيدة للشاعر جمال علي نجد هذه الثنائيات المتقابلة بشكل واضح، حيث نجد ''ثاني أكسيد البلاهة/ يخنق المكان'' أو ''هذا المكان/ زاخر باللاعدالة''، أو ''ينتعش طاعون الجشع/ وتنتفخ بطونهم''· الإحساس بالزمن ويبدو الشعور بالزمن الذي يتكرر مظهرا من مظاهر حياة الشاعر، حيث يبرز مثل هذا الشعور في نصوص شعرية كثيرة، ففي قصيدة أحمد منصور ''النهار برمته'' نشعر معه أن الصباح الذي يُفترض أن يحمل جديدا دائما، ''يطل من جديد/ يطل/ متقلدا فأسه الذي يشبه الأيقونة/ أو ربما كانت أيقونة على شكل فأس''، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبدو الإحساس بالزمن والمكان أيضا من خلال شعور بالفراغ، فراغ العالم ''فالضوء خافت هذا الصباح/ وطريق المارة/ مفتون بالفراغ''، فكيف يمكن أن يكون الطريق فارغا إلا إذا كان كل إنسان مأخوذا من العالم الذي يعيش فيه؟ ويتكثف هذا الإحساس بالزمن في قصيدة للشاعر محمد حسن حين يرى ''زحام لا أحد فيه''، أو يتساءل ''كيف ألائم بين الليل/ وكل هذا الجفاف في ظلي''، إنه لا يشعر بالزمن كما لا يشعر بحضور المكان، وهذا تعبير عن اغترابه عن الزمان والمكان· ويتأكد هذا الإحساس إضافة إلى إحساس عميق بالقلق والخوف من اللحظة القادمة ''أعرف جيدا/ كما لو أنني أراقب طيشي من بعيد/ أن أحدهم جرب جنازتي''، ولا يتكلم الشاعر هنا عن نفسه فقط، بل ربما كان يتحدث عن حالة إنسانية أو كونية عامة''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©