الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شريح بن الحارث يحكم لصالح أعرابي وذمي ضد عمر وعلي

شريح بن الحارث يحكم لصالح أعرابي وذمي ضد عمر وعلي
18 سبتمبر 2009 01:41
شريح بن الحارث من أبرز علماء عصره الذين يشار إليهم بالبنان ويعرفهم الناس في كل زمان ومكان وهو من أشهر القضاة والفقهاء في صدر الإسلام. هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أبو أمية أصله من اليمن وولي قضاء الكوفة في زمن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي ومعاوية - رضي الله عنهم- واستعفى من القضاء أيام الحجاج عام 77 هـ. وكان ثقة في الحديث، مأموناً في القضاء، وله باع طويل في الأدب والشعر، عمَّر طويلاً، وتوفي بالكوفة عام 78 هـ. يقول الدكتور عبد الرحمن عميرة - عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر سابقاً- أن كيفية تولية شريح القضاء توضح بجلاء مدى شجاعته في الحق، وقدرته على تطبيق الأحكام الشرعية، فقد ابتاع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فرساً من رجل من الأعراب، ودفع له ثمنها، ثم امتطى صهوتها ومضى، ولكنه ما كاد يبتعد بالفرس حتى ظهر فيها عطب عاقها عن مواصله الجري• فعاد عمر من حيث انطلق وقال للرجل: خذ فرسك المعطوبة، فقال الرجل: لا آخذها يا أمير المؤمنين، وقد بعتها سليمة صحيحة. فقال عمر، رضي الله عنه،: اجعل بيني وبينك حكما• فقال الرجل: يحكم بيننا شريح بن الحارث الكندي. فقال عمر، رضي الله عنه: رضيت به حكما• ثم ذهبا إلى شريح، فلما سمع شريح ما قاله الأعرابي: التفت إلى عمر بن الخطاب، وقال: هل أخذت الفرس سليمة يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: نعم. فقال شريح: احتفظ بما اشتريت يا أمير المؤمنين، أو رده كما أخذته. فنظر عمر إلى شريح معجباً، وقال: وهل القضاء إلا هكذا؟ قول حق لا باطل فيه، وحكم عدل. سر يا شريح إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها. واستجاب شريح لما أمر به أمير المؤمنين، وذهب إلى الكوفة ولم يكن شريح بن الحارث، يوم ولاه عمر القضاء، مجهولاً أو مغموراً بين أهل العلم وأصحاب الرأي من جماعة الصحابة وكبار التابعين. فقد كان من أصحاب الفضل، ويقدر له العلماء فطنته الحادة، وذكاءه الفذ، وخلقه الرفيع، وطول تجربته في الحياة. وعندما أشرقت الجزيرة العربية بنور الهداية، وأضاءت أشعة الإسلام في كثير من بقاع الأرض، كان شريح من أوائل المؤمنين بالله ورسوله. ولم يكن عمر الفاروق متعجلاً حين عهد بمنصب القضاء لرجل من التابعين، رغم أن سماء الإسلام كانت يومئذ تتألق بالنجوم المضيئة من أصحاب الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولقد أثبتت الأيام صدق فراسته عندما وقع اختياره على شريح، وظل يقضي بين المسلمين نحواً من ستين عاماً متتابعة من غير انقطاع. وقد تتابع على إقراره في منصبه كل من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبى سفيان رضوان الله عليهم أجمعين، كما أقره على ذلك من جاء بعد معاوية من خلفاء بني أمية، حتى طلب شريح إعفاءه من منصبه إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي. وكان شريح قد بلغ السابعة بعد المئة من حياته المديدة الرشيدة الحافلة بالمفاخر والمآثر. وسئل ذات يوم: بأي شيء أصبت هذا العلم؟ فقال: بمذاكرة العلماء آخذ منهم وأعطيهم. درع علي لقد ازدان تاريخ القضاء في الإسلام ببدائع من مواقف شريح، ومن ذلك أن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- افتقد درعا له كانت عزيزة عليه وغالية. ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل من أهل الذمة، يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها وقال: هذه درعي، سقطت من جمل لي في ليلة كذا وفى مكان كذا، وقال الذمي: بل هي درعي، وفى يدي يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين علي: إنما هي درعي لم أبعها ولم أهبها لأحد حتى تصير إليك. فقال الرجل الذمي: بيني وبينك قاضي المسلمين• فقال أمير المؤمنين علي أنصفت فهلم إليه. ثم إنهما ذهبا إلى شريح القاضي، فلما صار عنده في مجلس القضاء، قال شريح لعلي، رضي الله عنه، ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: لقد وجدت درعي هذه مع هذا الرجل، ولقد سقطت مني في ليلة كذا وفى مكان كذا، وهي لم تصل إليه ببيع ولا هبة. فقال شريح للذمي وما تقول أنت أيها الرجل؟ فقال: الدرع درعي وهي في يدي. ولا أتهم أمير المؤمنين بالكذب. فالتفت شريح إلى علي وقال: لا ريب عندي أنك صادق في ما تقول يا أمير المؤمنين، وأنَّ الدرع درعك، ولكن لابد لك من شاهدين يشهدان على صحة ما ادعيت. فقال الأمام علي: نعم، عبدي قنبر وولدي الحسن يشهدان لي. فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز يا أمير المؤمنين. فقال علي: يا سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته. أما سمعت يا شريح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ‹›الحسن والحسين شباب أهل الجنة››؟• فقال شريح: بلى يا أمير المؤمنين، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده. عند ذلك التفت علي إلى الذمي وقال: خذها فليس عندي شاهد غيرهما. فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين. ثم أردف قائلاً: يا الله أمير المؤمنين يقاضي أمام قاضيه، وقاضيه يقضي عليه• أشهد أنَّ الدين الذي يأمر بهذا دين الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله• أعلم أيها القاضي أنَّ الدرع درع أمير المؤمنين، وأنني اتبعت الجيش وهو منطلق إلى صفين، فسقطت الدرع من جمله الأورق فأخذتها. فقال له الإمام علي، رضي الله عنه، أما وأنَّك قد أسلمت فإنني وهبتها لك، ووهبت لك معها هذا الفرس أيضاً. ولم يمض على هذا الحادث زمن طويل حتى شوهد الرجل يقاتل الخوارج تحت راية الإمام علي في يوم النهروان، ويمعن الرجل في القتال حتى كتبت له الشهادة•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©