الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صور «كتاب النبوءات» وراء انقلاب البلاط الصفوي على الفنانين

صور «كتاب النبوءات» وراء انقلاب البلاط الصفوي على الفنانين
18 سبتمبر 2009 01:40
لم يرتبط أي من المخطوطات الإسلامية المصورة بأحد من الملوك، كما ارتبطت هذه النسخة المخطوطة والمصورة من كتاب الفال نامة بحياة وأفكار الشاه طهماسب. وخلف هذا الشاه المحب للفنون على العرش والده الشاه إسماعيل الصفوي وأنفق السنوات الأولى من حكمه متمتعاً بإنجازات أبيه الحربية، ومتفرغاً لعناية بذلها بسخاء للخطاطين والمصورين، واشتهر في بلاطه من المصورين الموهوبين عدد كبير. وبعد نحو 13 عاماً من تفرده بالحكم، وكان آنذاك في السابعة والثلاثين من العمر، بدأ حماس الشاه طهماسب للخطاطين والمصورين يفتر بصورة ملحوظة، وبحلول عام 1459م أخذ المصورون يغادرون البلاط الصفوي للعمل في بلاط مغول الهند، حيث تبذل الأموال بسخاء، وما إن أهل عام 1556م حتى كان طهماسب قد كره التصوير بالكلية، وأصدر مرسوماً يعلن فيه توبته الصادقة وتحريمه للفنون الدنيوية في الدولة الصفوية. تطور فكري كان الشاه يمر بمرحلة من التطور الفكري والنضج السياسي رأى معها أن ينبذ ترف البلاط ليهتم بشؤون رعاياه، وبدأ مطالعة الكتب الدينية التي أثرت في أفكاره بقوة• وفي طليعة هذه الكتب كان كتاب الفال نامة، الذي أنتجت منه هذه النسخة، ليطالعها الشاه في عام 1550م، وحرص فنان البلاط ونديم الشاه طهماسب، وهو المصور أقاميرك على أن يزوده بتصاوير توضيحية أنجز بعضها بريشته والبعض الآخر بريشة المصور عبد العزيز، وللمفارقة كانت هذه المخطوطة بتصاويرها الرائعة سبباً مع مخطوطات أخرى بالتأكيد، في كراهية طهماسب للتصوير. و››الفال نامة›› أو كتاب النبوءات، نص فارسي ينسب تقليدياً إلى الإمام الشيعي جعفر الصادق، وتدور مادته حول التفاؤل والتشاؤم وإعطاء المشورة بشأنهما. ومن ذلك، أن الذي تشير حالته إلى كثرة الأحزان ينصح بعدم السفر أو الدخول في عمليات الشراء والبيع أو إبرام العقود من أي نوع، وأن يكثر في ذات الوقت من أعمال البر والإحسان وألا يهمل ذكر الله، ويجب عليه أيضاً أن يؤدي الصلوات المفروضة. ويبدو من روعة خط النستعليق، الذي دون به هذا المخطوط، ودقة الصور وجمالها أن طهماسب كان دائم الاطلاع على مادة «الفال نامة››• ويحتفظ متحف الفن والتاريخ في جنيف بعدد من صفحات هذا المخطوط، والذي تتميز صوره بكبر حجمها قياساً بالتصاوير التي كانت تزوق بها المخطوطات الإسلامية• النزع الأخير في هذه الصور الرائعة واحدة من عمل الفنان أقاميرك توضح موت الملك الفارسي دارا ومواساة الإسكندر الأكبر له وهو في النزع الأخير• وتتسع مقدمة الصورة لعدد كبير من الأشخاص الذين اصطفوا على هيئة دائرة بوسطها الملك دارا، وهو يستند برأسه إلى فخذ الإسكندر الأكبر، بينما يحاول خادم إفاقة دارا بقنينة أو مادة عطرية. وبوسط الصورة منجم يمسك اسطرلابا يطالع به فأل الإسكندر قبيل وفاته ويقوم بإملاء بعض المعلومات لكاتب يجلس إلى جواره• ورغم أجواء الحزن، التي ينبغي أن يبثها موضوع الصورة، فإن ألوانها جاءت زاهية حافلة بالرسوم النباتية والزخارف الدقيقة التي تزدان بها الملابس• وتتضح في هذه الصورة قدرات أقاميرك على تجسيد الواقع، وما يجري في مثل هذه المناسبات في تلك الفترة كالبكاء والدعاء وشق الجيوب، وأيضاً موهبته في رسم ملامح الأشخاص والتمييز بينها بدقة لافتة للنظر. وفي صورة أخرى من عمل أقاميرك نجد منظراً يحوي عدداً من الأشخاص داخل قاعة في أحد القصور أو ربما في أحد المساجد• ويبدو موضوع الصورة غامضاً إذ لدينا ستة من الرجال على جانبي مقدمة الصورة يرفعون أيديهم بالدعاء، بينما يجثو اخران على الأرض في هيئة من يبحث عن شيء ما، ولكن اللافت هو الجزء الأعلى من الصورة والذي يبدأ بشمعدان في الوسط حول مقاعد بسيطة يتقدمها كرسي للمصحف ثم تكوين زخرفي لقدمين ضخمتين على جانبي كرسي المصحف• والصورة في مجملها حافلة بالزخارف وتعكس حرص أقاميرك على التماثل الشديد بين أقسام الصورة وطريقة توزيع الأشخاص فيها. ترويض الجمل من الصور التي أنجزها عبد العزيز تحت إشراف أقاميرك تصويرة تمثل رجلاً له لحية رمادية يحاول ترويض جمل، بينما يجثو شخص في مقدمة الصورة على ركبتيه وهو يناشده ألا يفعل لأسباب متعلقة بفأل الجمل، حيث قام عبد العزيز بإبراز أهميته أو قداسته برسم مشعلة النار المقدسة حول سنامه. وقد رسمت خلفية الصورة، التي من المفترض أن تمثل السماء باللون الذهبي وبها عدد من الأشخاص يرقبون، ما يجري بين الرجل ذي اللحية الرمادية والجمل من وراء صخرة تنبت فيها شجرة خضراء. وقد شارك أقاميرك وعبد العزيز في إنجاز صور لأحد المناظر المفترض أن تدور حول الكعبة المشرفة• وهي واحدة من الصور التي تمتاز بتعقد كبير في تصميمها مع التنوع الشديد في رسوم الأشخاص سواء من ناحية الأفعال التي يقومون بها أو اختلاف الأزياء التي يرتدونها أو حتى من جهة السحن والملامح الشخصية المميزة• وتبدو الكعبة هنا كما تخيلها أقاميرك بناء من حجر له أستار وباب وتعلوها قبة، وقد أحيطت ببوائك من أعمدة تحمل عقوداً مدببة وبأركانها أربع من المآذن، وقد اعتلى مؤذنان شرفتي الآذان في المئذنتين الأقرب، بينما يقف مجموعة من الأشخاص في خلفية الصورة وهم يرفعون أيديهم بالدعاء• وفي بوائك الكعبة عدد من الأشخاص يقومون بأفعال ذات صلة باستطلاع الفأل أو محاولة معرفته فأمام أحدهم مقص ومظروف ومحبرة، ويقوم آخر بتحريك مسبحة في يده وأمامه مظروف ورقي، بينما يجثو ثالث على ركبتيه مستغرقاً في تفكير عميق ويرقب شخصان إلى يمين الصورة ما يقوم به هؤلاء من أفعال. ويومئ أقاميرك في هذه الصورة إلى حقيقة اختلاف الأجناس داخل الحرم المكي، وذلك عن طريق إبراز الاختلافات بين أغطية الرؤوس• ورغم الاعتراف بأن هذه الصورة من»الفال نامة» لا تلتزم بقواعد المنظور مثلما أهملت فيها مراعاة أبسط قواعد التشريح والعناية بالنسب بين أجزاء الجسم فإنها تتميز بحركة وحيوية دافقة بفضل تنوع حركات الأشخاص وتباين الالتفاتات وحركات الأيدي. وتبقى هذه النسخة الفريدة من»الفال نامة» علامة بارزة ليس فقط في مجال دراسات التصوير الإسلامي، بل وأيضاً على صعيد اكتشاف الأبعاد الإنسانية لحكام الشرق الإسلامي وتقلبات حياتهم الشخصية والسياسية.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©