الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البستكي: درست مع زملائي تحت أعمدة إنارة مطار دبي

البستكي: درست مع زملائي تحت أعمدة إنارة مطار دبي
24 مايو 2010 20:18
«هذه بداية المشوار وليس نهايته»... هكذا يعتبر الدكتور عيسى محمد عبد الرزاق البستكي التكريم الذي ناله أخيراً من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في تكريم الحائزين على «جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب». الفضل في نيله التكريم في فئة العلوم يعيده إلى الله تعالى أولا، ثم إلى والده، رحمه الله، محمد عبد الرزاق، ثانياً. فالوالد بذل جهده وحياته مربياً أولاده على «الخلق الحسن والعلم المفيد»، كما أن الصدق كان دوماً فلسفته في الحياة، هذه الفلسفة أو الشعار الذي سار عليه الدكتور عيسى في حياته متخذاً إياه مساراً في تربية أبنائه. فالنجاح والتميز في صدق القول والعمل، و«ليس كما يشاع في عالمنا اليوم هو فهلوة وشطارة كذب». ويعدّ الدكتور البستكي من المهندسين المتميزين المشهود لهم بالخبرة وبالدراسات والأبحاث العلمية، من خلال مشاركاته في المؤتمرات والأبحاث العلمية على المستويين المحلي والإقليمي، فهو يتولى حالياً مناصب عديدة، منها رئاسة معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين في الإمارات، ورئاسة مجلس إدارة نادي الإمارات العلمي، وعضوية مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وعضوية مجلس إدارة جمعية التراث العمراني، بالإضافة إلى عضويته في المجالس الاستشارية لخمس من الجامعات العالمية والمحلية. وقد نال د. عيسى عدداً من الجوائز والشهادات من المؤسسات والمراكز العلمية المحلية والعالمية. وأخيراً، كرّم بجائزة الإمارات التقديرية في مجال العلوم، الهندسة الإلكترونية. وعندما نتحدث إليه عن اختصاصاته العلمية ، لا يخفي رغبته القوية في تعريب بعض الاختصاصات العلمية المختلفة، إذ أنَّه محب لعلوم اللغة العربية، ما جعله عضواً في جمعية حماية اللغة العربية، بالإضافة إلى ذلك فهو حريص على متابعة مستجدات اللغة العربية وعلومها. درس الدكتور عيسى في مدارس دبي، وتخرج من ثانوية جمال عبد الناصر في عام 1976. ثم انتقل إلى أميركا لمواصلة دراسته الجامعية هناك، حيث نال بكالوريوس الهندسة الكهربائية والماجستير في هندسة الاتصالات من جامعة كاليفورنيا - سان دييغو، ومن ثم الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا إيرفاين، حيث إن مجالات بحثه تتمحور في الاتصالات الرقمية والترميز واتصالات الطيف المنتشر والتزامن الإطاري في الاتصالات. وهو يصرّ على استخدام اللغة العربية الفصحى في المحادثة، وإن كان يتخلّلها بعض التعابير بعاميّة الإمارات. في قاعة المحاضرات بجامعة الإمارات، حيث بدأ المشوار فيها معيداً بين الأعوام 1981 و1988 ثم أصبح عضواً في هيئة التدريس بكلية الهندسة، فرئيساً لشعبة الطاقة في مركز أبحاث التقنية والطاقة فيها، ثم مساعداً لعميد كلية الهندسة لشؤون الطلاب والطالبات، في هذه القاعة يقدم د عيسى محاضراته بالإنجليزية مع طلابه، ولكنه يأمل دوماً في أن تعزّز اللغة العربية دورها أكثر في أروقة الكلية وأقسامها. سيرة الوالد تأتي سيرة والده رحمه الله (1916 إلى 2009)، مراراً في أحاديثه، فمن عالم التجارة نبع إصراره على تعليم أولاده، وهو الذي كان قد حرم من العلم الذي رغب فيه، إذ لم يكن متوافراً في أيامه في دبي سوى أربع سنوات تعلّم كان يتلقاها الأولاد في أول مدرسة نظامية في دبي هي مدرسة الأحمدية (تأسست العام 1912)، وكان زميله في الدراسة وصديقه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم «رحمه الله». دفع ذلك بالوالد إلى القراءات المتعمقة في عدد من المجالات العلمية والأدبية، فكان يناقش أولاده تارة في النظريات العلمية، وأخرى في الأدب والشعر والتاريخ والجغرافيا، وذلك بعد أن أشبع حرمانه من متابعة التعليم بالشكل النظامي بالقراءات المتنوعة والثقافة العامة، ما جعله يدفع بأولاده في الأجواء العلمية محيداً إياهم عن مجال التجارة، وشجعهم على نهل العلم قبل خوض غمار المهنة. يقول الدكتور عيسى البستكي «حين دخلت المدرسة كنت مشبعاً بالمعلومات التي أعطاني إياها والدي. ومنذ البداية كنت أحوز على المركز الأوّل في المدرسة، ولم يتغير ترتيبي أبداً وذلك بفضل والدي». عائلة الدكتور عيسى ثلة من المتعلمين، فله ثلاثة إخوة وخمس أخوات، بينهم أربعة يحملون شهادة الدكتوراه في مجالاتهم العلمية التي تنوعت بين الطب والهندسة، واثنتان تحملان شهادة الطب، واثنتان في مجال الهندسة، ماعدا شقيقة واحدة مالت إلى التخصص في الدراسات الإسلامية ونالت فيها الماجستير. هذا لا يعني أن الدكتور عيسى لم يحاول خوض عالم التجارة، فقد تعاون مع أحد أشقائه بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية في مشروع صغير، ويعقب مبتسماً «لكننا لم نفلح... والسبب الرئيس يعود إلى أن جل اهتمامنا ووقتنا نكرسه لعملنا في المجالات العلمية أساساً، والتجارة تحتاج إلى تفرّغ لم يكن بوسعنا الاهتمام بها كثيرا ». على مقاعد الدراسة يتذكّر الدكتور عيسى أيام الدراسة في الثانوية في دبي، وتحديداً إنارة أعمدة المطار في دبي، فهذه الأضواء كانت تجمعه ليلاً مع ثلّة من أترابه، يدرّسهم قبل الامتحانات المواد المقرّرة، كما كانوا يزورونه في منزل العائلة للغاية نفسها. ومن زملاء الدراسة سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، والدكتور محمود الحليق، وهشام الشيراوي، والدكتور عيسى المانع، والدكتور خالد الخزرجي، وفريد محمد أحمد، وأسماء كثيرة لمعت في سماء الإمارات. صلات متجددة لم تنقطع الصلة مع الأتراب، فلهم موعد سنوي في رمضان حيث يجتمعون في منزل أو في فندق، وفي العام 2006 نظموا «الاجتماع الثلاثيني لدفعة 1976 من ثانوية جمال عبد الناصر»، والذي حضره معالي وزير التربية في ذلك الوقت. نسأله عن الأيام التي ساد فيها الإبداع وأيامنا الحالية التي يندر فيها الابتكار والإبداع النوعي، وعن الشباب «المدلّع» المتوافر له كل وسائل التعلّم ولكن متهم بنوع من الكسل، من دون التعميم طبعاً، فيقول لنا الدكتور عيسى «ثمة مثل معروف وهو أن الحاجة أمّ الاختراع..في أيامنا، كان العلم السلاح الوحيد لنفلح في مجتمعنا، فكان الناس يتوجهون إلى العلم بهدف التعلّم أكثر من الهدف في نيل شهادة. كنا نعتمد على أنفسنا إذ لم يكن لدينا من وسائل تعليمية سوى مدرستنا ومنازلنا، وكانت المنافسة على أشدّها. وحتى التلفاز لم يكن وسيلة لاستقاء العلم لأنه لم يكن متوافراً إلا في فترة الصيف، حيث كنا نشاهد التلفاز الذي كان يبث من محطتين لا أكثر، أذكر أن الأولى كانت قناة الكويت، والثانية ظهران. أما الآن، وإن كانت قيمة العلم عالية، فقد بات الحصول عليه رخيصاً، ولكن هذا لم يدفع للإقبال عليه أكثر منّا في ظل توافره في وسائل متعددة». ويرى الدكتور عيسى أن مسألة التحدي أساسية في البحث عن العلم، ففي حين أن الطالب كان في السابق يخوض التحدي للتعلّم، بات اليوم على الرغم من توافر قنوات متعددة للعلم، يقف حيال التحدي ولا يخوضه، وبات البحث يتركز على السهل وتوقف البحث عن التحدي... وبطبيعة الحال، الابتكار لا يتأتى مع توافر الوسائل فقط إنما ينشأ من التحدي لابتكار الأشياء. ولا يرتأي الدكتور عيسى الانحياز إلى التعميم فيشير إلى توافر بعض الإبداعات البسيطة، غير أنه لا ينفي فقداننا للإبداع الذي يشكّل قفزة نوعية كتلك التي انبثقت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين فحفرت آثارها في الجذور وتركت بصمتها على المستوى العالمي. ويضيف «ليس بوسعنا القول إن كل الشباب مدلّلون، إذ إن هناك فئة لديها إبداع ولكنهم تقريباً شبه مدلّلين والذي يؤثر على نوعية الإبداع، فهذه النوعية تقتصر على التجديد في الإبداعات السابقة لكنّها لا تشكّل قفزات نوعية». العلم أولاً يتحدث المكرم عن نادي الإمارات حيث يحاول والقيّمون على النادي اكتشاف المواهب الإبداعية لتنميتها وصقلها، مشيداً ببعض المبدعين، لكنّه لا يفوت الفرصة لعرض فكرة يودّ تطبيقها لتعميم عمل النادي على الجميع، من خلال التلفاز الذي يصل إلى شريحة أوسع من الشريحة التي يتواصل معها النادي، وذلك عبر إعداد برنامج تلفزيوني وعرضه يخصّص لاكتشاف الإبداعات العلمية، ويدفع إلى التحدي ويدغدغ تفكير الإنسان الذي يحمل موهبة الإبداع. ويلفت إلى أن البرامج العلمية اقتصرت في يومنا هذا على التنافس في المعلومات عبر الإجابة على أسئلة متنوعة، وهي لا تحث على الإبداع العلمي، ويرى من الضرورة «دغدغة الحالة الإبداعية الفكرية النائمة وإيقاظها، فإذا تمكّنا من القيام بذلك نوسع من الشريحة التي نتواصل معها، وسوف أعمل مع المبدعين الذين أعرفهم على تكوين لجنة لتنفيذ هذه الفكرة». ويرى أنه لا يكفي إلقاء كلمات ومحاضرات خلال لقاءات ومؤتمرات لأن مجالها ضيّق ومقتصر على حضور محدّد، في حين أن البرنامج التلفزيوني يصل بسهولة لكل الناس ومن بينهم المبدعون فيحفّزهم. ويتحدث عن تأسيسه في واحة السليكون في دبي (تولى الدكتور عيسى إدارة التعليم والتكنولوجيا فيها ثم مستشارا للواحة) لمركز حاضنة الإبداعات، المركز الذي خصّص لتطوير الإبداعات في المجال التكنولوجي والعلمي. بين الخاص والعام من الهمّ العام، نعود إلى الدكتور عيسى لنسأله عن اهتماماته الخاصة في القراءات الشخصية وفي منزله مع زوجته وأولاده، ومن هذه الاهتمامات الخاصة كانت عودة إلى البدايات، عودة إلى الهمّ العام، فاهتمامه باللغة العربية وبالعالم العربي وبالإبداع وبالعلم والتقدّم، كلّ ذلك، يعود به ربما إلى بداية المشوار وليس نهايته، حيث يشدّد على أهمية الصدق المقرون بالعلم، الصدق الذي حمله والده راية، فانتقلت الراية إلى يد الابن ومنها إلى أولاده، فيعيد على مسامعنا ما قاله الداعية الشيخ محمد حسان حول أن العالم الإسلامي والعالم العربي ككلّ يعاني من فقدان الصدق، لأن لا مصداقية ولا صدق في الحياة العامة وفي العمل، وأن هذا العالم لو نهج منهج الصدق لنجح في مساعيه التطويرية ولتقدم نحو الأمام بخطى ثابتة. ويشاركه صدى هذا الهمّ – إذا صح التعبير- في كلمات للدكتور زغلول النجار، كما يشير إلينا الدكتور عيسى. عجائبية القراءة قراءات الدكتور عيسى كانت في الأساس علمية من جهة ودينية من جهة، وهذا لم يمنعه من «التفكير خارج الصندوق» على حدّ تعبيره، فهو يقرأ «الكتب الإنجليزية التي تمسّ الفكر العجيب». في الشعر، يتلو أبياتاً أثّرت في نفسه ومنها ما يعتبرها الأقوى بلاغة ومنها المرهف ومنها الحامل للحكمة في القول، من المتنبي إلى الشافعي وإلى ابن زيدون، هذه الأبيات حفرت علامة في الذهن والذاكرة. وبين مسؤولياته المتعددة، وغالبيتها يقوم بها تطوعاً، لا يجد جواباً عن كيفية توافر الوقت لديه للقيام بهذه المسؤوليات، ويقول «بالفعل لا أعرف كيف أجد الوقت»، ويثمّن دعم العائلة وخصوصاً الزوجة. ويضيف أيضا أنه يفرح حين يرى طلابه من تسلم مسؤوليات علمية في الدولة والذي يزيد من فخره بهم. في منزله، يعلّم أولاده، مروان ويحيى ومحمد، الصدق، خصائل يفتخر بأنها زرعت في قلوبهم وسلوكياتهم، ومنها احترام النعمة. ومروان درس هندسة الكمبيوتر، أما يحيى فدرس الهندسة الكهربائية، ويدرس محمد التجارة في كليات التقنية العليا. فقد درس أحد أولاده مهنة الجدّ الذي لم يغب عن مفاصل الحديث مرة. إثبات الجدارة عن الجائزة الأخيرة والتكريم، يقول «هذا بفضل الله تعالى ثم بفضل قيادتنا الحكيمة التي مهما تكلمت عنهم لن أوفيهم حقّهم فلهم فضل كبير فيما حقّقناه. ويبقى الفضل الكبير للوالد محمد عبد الرزاق، الذي كان يسمّي ابنه بـ «سيبويه» لتميّزه في النحو في اللغة العربية، و»البخاري» و»أمين الأمناء»، ويتذكر افتخار والده به «هذا عيسى محمد عبد الرزاق، ابني»، فهذه الثقة دفعت بالدكتور عيسى للسعي إلى الإنجاز. أما عن الجائزة عينها، فيقول الدكتور عيسى «بعد شكري لكل من ساهموا معي، من زوجتي وأولادي، وخصوصاً زوجتي التي اعتبرها مثالية في المنزل، إلى إخواني وأخواتي وأصدقائي بالطبع.. أقول إن هذه الجائزة تؤكد أن القيادة الحكيمة تهتمّ بالإنجازات وتقدّرها، وهذا يمدّني بالحافز لأن أعتبرها بداية المشوار وليست نهايته. عليّ أن أثبت أنني أستحق هذه الجائزة وهذا التكريم، وإن شاء الله سأتمكن من العطاء أكثر للدولة كي أكون عند حسن ظنّ القيادة الحكيمة والشعب وعائلتي وأصدقائي».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©