الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليلــة ذات قـدر.. خيـر من ألف شهـر

ليلــة ذات قـدر.. خيـر من ألف شهـر
18 سبتمبر 2009 01:21
يقول الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» البقرة الآية (185). لقد كان نزول القرآن الكريم في ليلة مباركة كريمة هي ليلة القدر التي تتيه على الزمان كله بهذين الوصفين اللذين لم تحظ بهما ليلة غيرها من ليالي العام كله وهما «الليلة المباركة «، و» ليلة القدر»: قال تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» الدخان الآيات (3-6 ). وقال عز وجل في كتابه الكريم :»إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» القدر الآيات (1-5). وقد استغرق نزول القرآن الكريم ثلاثا وعشرين سنة، حيث كان ينزل منجما حسب الوقائع والأحداث، وهو في هذه الخاصية، يختلف عن الكتب السماوية الأخرى، لأن كلا منها نزل دفعة واحدة، وقد اقتضت حكمة الله – تبارك وتعالى – هذه المدة الطويلة، التي استغرقها نزول القرآن الكريم، ليكون ذلك توطئة لاستيعاب ما جاء فيه من تشريعات وأحكام وآداب، وحتى يتمكن الصحابة وفي مقدمتهم كتاب الوحي – رضوان الله عليهم أجمعين – من تدوين كل ما يتنزل من السماء أولاً بأول، مع حفظه والعمل به، حتى أن بعض الصحابة، حينما كان يحفظ بعض الآيات التي تنزل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يبحث عن غيرها، حتى يعمل بها وتصير جزءاً لا يتجزأ من حياته العملية، وعنواناً لآدابه وأخلاقه ومعاملاته. مراحل التنزيل شرَّف الله القرآن الكريم بأن جعل له ثلاثة تنزُّلات: 1- التنزل الأول للقرآن الكريم كان إلى اللوح المحفوظ ودليله قول الله سبحانه: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ» البروج الآيتان 21-22. 2- التنزل الثاني للقرآن الكريم كان إلى بيت العزة في السماء الدنيا والدليل عليه قوله سبحانه في سورة الدخان «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ»، وفي سورة القدر «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وفي سورة البقرة «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» البقرة الآية 185. 3- التنزل الثالث للقرآن الكريم هو المرحلة الأخيرة التي منها شع النور على العالم، وكان هذا النزول بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام يهبط على قلب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -، ودليله قول الله تعالى في سورة الشعراء مخاطباً سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ» الشعراء الآية 193-195. ليلة عظيمة تبدأ سورة القدر ببيان أن القرآن العظيم بدأت نجومه تتنزل في هذه الليلة العظيمة التي هي خير من الحياة بأسرها. ومن تكريم الله لهذه الأمة أن الملائكة الكرام يتقدمهم جبريل الأمين- عليه السلام - ينتشرون في الآفاق بركة ورحمة للراكعين الساجدين، وتظل هذه المنحة الإلهية حتى مطلع الفجر. وقد أخبر نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – بتنزل الملائكة الكرام في مواطن عدة، مثل تلاوة القرآن وحلقات الذكر، للحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن لله ملائكة سيارة فضلاء يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل – وهو أعلم -: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني ؟ قالوا يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، فيقول: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا، يقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم، فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» أخرجه مسلم فضل ليلة القدر ليلة القدر تحدثت عنها سورة بأكملها سميت باسمها كما تحدث عنها الرسول عليه -الصلاة والسلام- فقال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» أخرجه الشيخان. فإذا علمت هذا الفضل العظيم لتلك الليلة فاحرص على قيام ليالي رمضان، وهذا لا يمنع ثواب من قام بإحياء غيرها من الليالي، وإنما لهذه الليلة ميزة في نوال الثواب الفريد لمن قامها وصادفها أو صادفته، وقد روي أن رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر وهي تساوي ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر وهنا تقاصر الصحابة أعمارهم وأعمالهم، فأعمار أمة محمد عليه السلام ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يتجاوز ذلك، وهنا بين لهم الخالق بأن العبرة ليست بكثرة الأعمال ولا بطول الآجال، ليست بالكم ولكنها بالكيف فليلة واحدة في عمر المؤمن من أمة محمد تساوي ألف شهر بل خير من ألف شهر. ويتساءل البعض هل ليلة القدر باقية أم رفعت؟ والجواب أنها باقية وإلا لما كان هناك داع إلى الحث على طلب تحريها وقد وردت عدة أحاديث تطلب تحريها منها: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان « أخرجه الشيخان. ولا فائدة في تحري ما هو مرفوع ومنته. ما وقت ليلة القدر؟ لقد أخفى الله ليلة القدر ليحث المؤمنين على الاجتهاد في طلبها وعلى إحيائها بالعبادة والطاعة وقد اختلف العلماء في تحديدها فبعضهم قال إنها من أول رمضان، وقيل في العشر الأوسط، وقيل في أشفاعه، وقيل في أوتاره، فقد قال عليه السلام: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أخرجه البخاري. وفي الحق أن أرجى وقت تلتمس فيه ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم، بل كان بعضهم يحلف على أنها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وسئل وهو أبي بن كعب بم تقول ذلك يا أبا المنذر؟ فقال بالآية والعلامة التي قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- «إنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس لا شعاع لها» أخرجه مسلم في صحيحه. كما استنبط ذلك من عدد كلمات السورة فقال: « ليلة القدر» تسعة أحرف وقد أعيدت في السورة ثلاث مرات وذلك سبع وعشرون، وهذا ما أخذ به الأكثرون، ولم يشأ الله أن يحدد ميقات ليلة القدر تحديداً دقيقاً حتى لا يتكل الناس، وإنما أخفى الله وقتها ليقوم المسلمون بإحياء أكبر وقت ممكن من أيام رمضان ولياليه. ماذا يصنع من تقع له هذه الليلة؟ إن الإنسان في أمور دينه عليه أن يتبع ولا يبتدع وجزى الله عنا نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - خير الجزاء فقد أرشدنا إلى كل خير فقد سألت عائشة الرسول الكريم قائلة: «قلت يا رسول الله: إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» أخرجه الترمذي. وما أعظم سؤال العبد مولاه العفو والمعافاة من دنيا مليئة بالمشقات والمنغصات. كتاب، وشهر وليلة، بُوركت بها أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، الذي قال فيه ربه سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا» الأحزاب الآية (45-46). وبشرنا بعده إذا استمسكنا بالكتاب والإيمان «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا» الأحزاب الآية (47)، فلك الحمد ربنا، ذكراً وشكراً، بما أنزلت، وبما تفضلت به علينا من أجر الصائمين القائمين والعاكفين والركّع السجود، سلاماً منك ورحمة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم اكتبنا من عتقاء شهر رمضان، واكتبنا في قوائم الأبرار، واكتب لنا سعة الحال من الرزق الحلال، ربنا وارفع الإصر عن أمة حبيبك محمد – صلى الله عليه وسلم -، واسلك بهم صراطك المستقيم الذي أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©